بعد الفشل في وقف تفشي أوميكرون.. بريطانيا تفكر في اعتبار كورونا مرضاً متوطناً، فماذا يعني ذلك؟
فبعد ستة أسابيع من الظهور الأول لمتحور أوميكرون بجنوب إفريقيا في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، يبدو أنه يكتسح متحور دلتا السابق، حسبما ورد في تقرير لموقع LiveScience الأمريكي.
فهل يعني ذلك أن أوميكرون سيقضي على دلتا بصفة نهائية؟ أم أن المتحورين سينتشران معاً؟
لماذا يبدو أن أوميكرون سيمحو متغير دلتا الخطير للأبد؟
يبدو يوماً بعد يوم أن انتزاع متحور أوميكرون السيطرة من متحور دلتا مؤكد، ويُستبعد أن يعود متحور دلتا إلى الظهور بدرجة كبيرة، حتى بعد انتشار أوميكرون السريع بين السكان.
ففي العديد من دول العالم، يشكل أوميكرون الآن 99% أو أكثر من جميع الإصابات بفيروس كورونا، وفقاً لتحليل أجراه تريفور بيدفورد، خبير الإحصاء الحيوي وعالم الأحياء بمركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل بالولايات المتحدة.
وبيدفورد وزملاؤه يتتبعون التسلسلات الجينية التي جمعوها من مرضى كوفيد، ووجدوا أن انتشار متحور أوميكرون بدأ يتفوق على متحور دلتا في الفترة بين منتصف وأواخر ديسمبر/كانون الأول. وكتب بيدفورد على تويتر، في 5 يناير/كانون الثاني، أنه حتى في الدول التي يتضاءل بها انتشار أوميكرون نسبياً، كان مسؤولاً عن 80% أو أكثر من الحالات.
وحين ظهر أوميكرون لأول مرة، خَشيَ الباحثون أن ينتشر المتحوران مع بعضهما. وكان واضحاً أن أوميكرون ينتشر كالنار في الهشيم، ولكن لم يكن واضحاً مما إذا كان ذلك بسبب قدرته الطبيعية على الانتشار، أم قدرته على الإفلات من المناعة التي تشكلت لدى الأشخاص الذين تلقوا اللقاح ومن أصيبوا بالمرض سابقاً، وبالتالي توافرت أمامه أهداف لم تتوافر لـ”دلتا”.
واتضح في النهاية أن أوميكرون له القدرة على الإفلات من المناعة. لكنه أيضاً يملك قدرة طبيعية على الانتشار تفوق قدرة دلتا مرتين أو ثلاث مرات، وهذا يفسر هيمنة أوميكرون على العالم.
يقول الدكتور شيف بيلاي، الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد الذي يدرس جهاز المناعة: “من المرجح أن يصاب الناس بمتحور أوميكرون أكثر من دلتا، لذلك سوف يختفي دلتا تدريجياً، وسيتولى أوميكرون السيطرة”.
هل يعد هذا خبراً إيجابياً؟
متحور أوميكرون بشكل عام، أقل حدة من دلتا، وذلك بفضل المناعة التي اكتسبها الناس وميل أوميكرون إلى التكاثر في الشعب الهوائية وليس في الرئتين.
وهذا يعني أن سيطرته قد تؤدي في النهاية إلى وفيات أقل مما لو واصل دلتا هجومه دون عوائق.
وقال أحد الخبراء لموقع Live Science، إن موجة إصابات أوميكرون الهائلة قد توفر في النهاية بعض الحماية من المتحورات المستقبلية وتقربنا من نهاية الجائحة. ومع ذلك، لاتزال احتمالية ظهور متحورات جديدة من أوميكرون أكثر خطورة قائمة، وسيستمر شكل من أشكال الفيروس معنا في المستقبل المنظور.
يتغلب على اللقاحات، ولكن العلماء يراهنون على المناعة المتصالبة
البروتين الشوكي في متحور أوميكرون يحوي عشرات التغيرات في بروتيناته مقارنةً بالبروتين الشوكي في متحور دلتا. وهذا البروتين هو المفتاح الذي يستخدمه الفيروس للوصول إلى الخلايا؛ وهو أيضاً هدف الأجسام المضادة التي تنتجها لقاحات كوفيد-19.
وهذا يعني أنه حتى لو أصيب شخص بمتحور سابق أو تلقى اللقاح، فجهاز مناعته لن ينتج أجساماً مضادة تناسب أوميكرون؛ بل تكون أجسامه المضادة مستعدة لاستهداف البروتين الشوكي في المتحور الأصلي لسارس-كوف-2 (والذي يشبه دلتا أكثر من أوميكرون).
ومع ذلك، يشترك البروتينان في كثير من أشكال الأحماض الأمينية، مثلما قال بيلاي لموقع Live Science. وبالتالي، يتوقع الباحثون مستوى معيناً من المناعة المتصالبة بين الاثنين أي المناعة المشتركة جزئياً.
ووجدت دراسة حديثة بقيادة أليخاندرو بالاز، خبير المناعة في معهد راغون بمستشفى ماساتشوستس العام، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهارفارد، ونشرت على قاعدة البيانات MedRxiv، أن الجرعة المعززة نجحت فيما فشلت فيه جرعتا اللقاح وتمكنت من التصدي لـ”أوميكرون”، وبقوةٍ أقل من أربع إلى ست مرات فقط من التصدي لسلالة فيروس كورونا الأصلية.
وهذا رائع، بالنظر إلى أن الجرعة المعززة تُعرض جهاز المناعة للبروتين الشوكي الأصلي لفيروس كورونا مرة أخرى. لكن هذا التعرض الجديد يرفع مستويات الأجسام المضادة بدرجة كبيرة جداً، وفقاً لبيلاي.
وجزء بسيط من هذه الأجسام المضادة العديدة بها تفاعلية متصالبة، أي ترتبط بالنتوءات المتشابهة في كل من أوميكرون ودلتا. وتركيز الأجسام المضادة بدرجة كافية على هذه الأشكال المتشابهة قد يمنع الإصابة، حتى لو لم يكن كثير من الأجسام المضادة التي يولّدها اللقاح مصممة لمواجهة أوميكرون، ولكن كثرة الأجسام المضادة المتولدة من الجرعات الإضافية تعوّض ضعف هذه الأجسام أمام أوميكرون.
هل يحوّل متحور أوميكرون الجائحة إلى مرض متوطن؟
وقال بيلاي إن اللقاحات والأوميكرون يمكن أن يساعدا في تحويل الجائحة إلى مرض متوطن، وهذا يعني أن معظم الناس ستتوافر لديهم بعض المناعة التي اكتسبوها مسبقاً من فيروس كورونا، وأن طفرات الفيروس ستصبح أقل كارثية من حيث العلاج في المستشفى، والإصابات الخطيرة والوفاة.
“فهناك مجال للتفاؤل بالنسبة للمتغير الجديد المسمى أوميكرون”، حسبما نقلت صحيفة “إكسبرس” البريطانية عن البروفيسور لورانس يونغ، عالم الفيروسات بجامعة وارويك البريطانية.
إذ قال يونغ: “التوقعات ليست كلها كئيبة، بل العكس، هناك مجال للتفاؤل، فالآن لدينا أفضل الأدوية المتاحة للتصدي للفيروس والعمل جارٍ على اللقاحات المعدلة لمواجهة متغيراته. ينبغي أن نكون ممتنين لعدم ظهور (أوميكرون) العام الماضي، لأن الوضع الآن أفضل بكثير”.
وأضاف يونغ: “إنني أرى أن متغير أوميكرون يمكن أن يساعدنا في الخروج من هذا الوباء من خلال التغلب على العدوى الشديدة التي يسببها متغير دلتا، بمعنى آخر، إذا صحّت التقارير التي تفيد بأن أوميكرون أكثر عدوى لكنه يسبب أعراضاً خفيفة مقارنة بأعراض دلتا الحادة، فقد يعني ذلك أن أوميكرون يمكن أن يتفوق على دلتا في الانتشار بالطريقة نفسها التي تمكّن بها دلتا من السيطرة والتفوق على متغير ألفا.
وفي هذه الحالة ستستبدل أعراض دلتا الحادة بأعراض (أوميكرون) الخفيفة، وهو الأمر الذي قد يقضي على الوباء بمرور الوقت”.
يلمح هذا العالم إلى أن الانتشار السريع المرجح لهذا المتغير مع احتمال أن تكون شدته أقل، يعني توفير حصانة واسعة النطاق للبشر بدون أضرار جسيمة؛ خاصةً أن هذا المتغير يحمل خصائص من عدة سلالات، مما قد يجعل المناعة التي منحها متنوعة نسبياً.
من الناحية العملية إذا حدث ما يعتبره العلماء نهاية جائحة كورونا وتحوّلها لمرض متوطن، فسيصدر إعلان رسمي، حيث ستعلن منظمة الصحة العالمية والهيئات الصحية المحلية رسمياً عن انتهاء الجائحة. وهذا الإعلان يعتمد على معايير إحصائية وحيوية معينة: عدوى الفيروس، ومعدل الوفيات، وحجم الحالات التي تتطلب دخول المستشفى، والقائمة تطول.
بريطانيا تفكر في اعتبار كورونا مرضاً متوطناً، ودعوة لتقليل اللقاحات
اللافت في هذا الصدد، قول الرئيس السابق لفريق عمل اللقاحات بالمملكة المتحدة إنه يجب التعامل مع “كورونا” كفيروس متوطن شبيه بالإنفلونزا، ويجب على الوزراء إنهاء حملات التطعيم الواسعة بعد الانتهاء من الحملات المتعلقة بالجرعات التعزيزية.
وحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، فقد دعا الدكتور كلايف ديكس إلى إعادة التفكير في استراتيجية مواجهة “كورونا” بالمملكة المتحدة، واعتماد نهج مخالف لذلك الذي تم اتباعه في العامين الماضيين، والتعايش مع “كورونا” بوصفه “الوضع الطبيعي الجديد”.
وأضاف: “الوزراء يجب أن يدعموا بشكل عاجل، الأبحاث المتعلقة بالمناعة المطورة ضد (كورونا) بما يتجاوز الأجسام المضادة لتشمل الخلايا البائية والخلايا التائية (خلايا الدم البيضاء). هذا يمكن أن يساعد في تطوير لقاحات للأشخاص المعرّضين للخطر بشكل أساسي. نحن بحاجة الآن لإدارة المرض، بدلاً من منع انتشار الفيروس. لذا فإنّ وقف تقدُّم المرض الشديد في الفئات الضعيفة هو الهدف المستقبلي”.
كما قال وزير التعليم البريطاني إنّ البلاد “على طريق الانتقال المرحلي من جائحة إلى مرض مستوطن”، وإنّ الحكومة تضع خططاً للتعايش مع “كوفيد-19″، حسبما ورد في تقرير لموقع “بلومبيرغ الشرق”.
ويُعَدّ نديم الزهاوي أول وزير في الحكومة البريطانية يدعم المطالبات بخفض فترة العزل للمصابين بفيروس “كورونا” إلى 5 أيام بدلاً من 7 أيام. وقال الزهاوي، أمس الأحد، لـ”بي بي سي”، إنّ الفحوص المنتظمة إلى جانب اللقاحات والجرعات المعززة والأدوية المضادة للفيروسات، تشكل ركائز رئيسية ضمن جهود البلاد للعودة إلى الحياة الطبيعية.
وأعرب في تصريحات أخرى لشبكة “سكاي نيوز” عن أمله أن تصبح بريطانيا “من بين أول الاقتصادات الكبرى التي تُظهِر للعالم كيف تنتقل من الجائحة إلى التعامل مع مرض متوطن مهما طال الوقت، سواء 5 أو 6 أو 7 أو حتى 10 سنوات”.
وأشار الزهاوي إلى أنه إذا جرت الموافقة على المقترح من المستشارين العلميين للحكومة فسيجري خفض فترة العزل، الأمر الذي من شأنه تخفيف نقص الموظفين، خصوصاً في المدارس التي يعاني بعضها من غياب 40% من الموظفين، مع ارتفاع نسبة الغياب الإجمالي بنحو 8.5%، مقارنة بآخر البيانات المُعلنة. وقال لـ”بي بي سي” إنّ تلك الزيادة كانت حتمية، وإنّ الأسبوعين المقبلين سيكونان “أكثر سوءاً”.
ولكن الأمر ليس إيجابياً تماماً
على أنّ تراجع قوة المناعة قد يعني على الأرجح استمرار وجود شكل من أشكال فيروس كورونا، وقد يصبح الناس عرضة لتداعيات خطيرة مع ازدياد ابتعادهم عن الإصابات السابقة والجرعات المعززة.
وقد يظهر أيضاً متحور أخطر لا يتمكن جهاز المناعة من التعامل معه. يقول بيلاي إن الأدوية المضادة للفيروسات مثل Paxlovid الذي تنتجه شركة فايزر، والذي أتى بنتائج مبشرة في التجارب السريرية، ستكون مهمة لتقليل الضرر الناجم عن استمرار انتشار فيروس كورونا.