“الفيتو”.. أداة للانقسام 1/8
سليم يونس
بدخول ميثاق الأمم المتحدة حيز التنفيذ، بدا وكأن الأمم المتحدة قد قُسمت على الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، وإن تفاوتت الأنصبة بحسب قوة أو تأثير كل دولة في المشهد السياسي الدولي، إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وفي ظل الانقسام الذي كان سائدا فقد شكل ذلك مقدمة طبيعية للعودة إلى الأجواء التي سبقت الحرب، بنقل حالة التوافق التي فرضتها الحرب إلى ميدان “الصراع البارد” الحرب الباردة بين النظامين الاجتماعيين الذي تشكل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أحد أطرافه، فيما يمثل الاتحاد السوفيتي طرفه الآخر، وذلك قبل أن يتم التحول الاجتماعي التاريخي في الصين عام 1949.
ولأن هناك منتصران في الحرب، فقد تمحور الاستقطاب بين قطبي مجلس الأمن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، لتبدأ دورة جديدة من الصراع ولكن بأدوات مختلفة، لنكون أمام انقسام عمودي بين معسكرين تعدت حدوده تلك الدول إلى المجموعة الدولية برمتها، المعسكر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة والمعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي.
لتبدأ الأمم المتحدة عهدها بهذا الانقسام الواضح، وهو ما جعل كل معسكر يتسلح في مواجهة الآخر بحق الاعتراض(الفيتو)، الأمر الذي فتح المجال لاستغلال ذلك الامتياز بشكل أساء للأهداف النبيلة التي سعى المجتمع الدولي من أجل ترسيخها على طريق نبذ الحروب والصراعات، ومن أجل عالم ينعم بالأمن والسلام.
فكان أن شهدت الأمم المتحدة منذ تأسيسها عام 1945 حتى بداية تسعينيات القرن الماضي ما يقارب من مئة نزاع كبير في مواقع مختلفة من العالم فتكت بعشرين مليون إنسان. ويعزو مراقبون وسياسيون عديدون هذا العجز عن التصدي للحرب إلى وقوف حق النقض (الفيتو) (الذي استخدم ما يقارب الـ279 مرة) عقبة أمام فاعلية مجلس الأمن، في ظل قطبية ثنائية هيمنت بحربها الباردة وتوازن رعبها النووي على العلاقات الدولية. ويقول الدكتور بطرس غالي عندما كان أمينا عاما للأمم المتحدة «إن توازن القوى السائد في ظل الحرب الباردة حد من هامش الأمم المتحدة في صنع السلام»، فبقي عملها محصورا في العمليات التي كانت موضع رضا الدولتين العملاقتين لوحدهما(1).
فالمقدمات التي قررت ذلك الشكل من التنظيم بشروطه المجحفة، فيما يخص حق الاعتراض(الفيتو)، هي التي فتحت المجال أمام بعض من تلك الدول لاستخدام ذلك الامتياز في خدمة مصالحها، حتى لو كانت تمس مصالح وحقوق الدول الأخرى واستقلالها، ليبدأ العالم العيش على وقع ذلك التعسف الفظ من قبل بعض تلك الدول في استخدام تلك المكنة في مواجهة القضايا العادلة للشعوب الأخرى.
“الفيتو” بين التعسف وحسن النية
بعد وضع ميثاق الأمم المتحدة والبدء في تطبيقه، اختلف كبار مجلس الأمن أنفسهم على الأسس التي اتفقوا عليها، وما زالت المسألة تقف حجر عثرة في طريق تفاهمهم، مما أثر على اتباعهم سبیل الحق والعدل في إصدار القرارات، ولعل مثال الحرب الظالمة التي شنتها إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن على العراق ما يؤكد استمرار مأزق مجلس الأمن بعد ما يقارب السبعة عقود من انطلاقه.
فقد أسفر الاستخدام المتكرر لحق الاعتراض(الفيتو) في كثير من الأحيان في شل نشاط مجلس الأمن والإساءة إلى كثير من القضايا العادلة والتفريط في بعض الحقوق والحريات السياسية والتضحية بمبادئ العدل والإنصاف، وأثار هذا الاستخدام المزاجي لحق الاعتراض حفيظة بعض فقهاء القانون الدولي العام.
وهو الذي مكن بعض دول المجلس إلى دفع الأمم المتحدة، أن تطبق في معالجتها المشكلات الدولية الحادة، فلسفة سياسة المماطلة والتسويف، التي عبر عنها السياسي الأمريكي هنري كابوت لودج بقوله “أرى أن بعض الأشياء التي لا يمكنكم أن تحلوها الآن، وربما بعد عشر سنوات يكون في وسعكم حلها ولكنكم لا تستطيعون الآن، وأحسن ما في وسعكم هو أن تمطوها مطا وتمدوها مدا وتجروها جرا، وتداوروها وتسايروها، وبهذه الطريقة لا يطلقون النار على بعضهم البعض، وهذا هو الكسب الكبير الواضح” وهي فلسفة تعني اتباع سياسة المماطلة والتسويف والمناورة واللجوء إلى التدابير المؤقتة المحددة(1).
ولذلك مثلت ممارسة الدول دائمة العضوية لحق الاعتراض حجر عثرة في معالجه الكثير من القضايا، بسبب استخدامه من قبل بعض تلك الدول، بشكل تعسفي وظالم
بل وممارسة ذلك البعض الاستبداد من خلال تحكمها في مجلس الأمن عبر ذلك الامتياز، لأنها جعلته في خدمة مصالحها ومصالح من يدور في فلكها، هذا الاستبداد تجلى في قضية تمثيل الصين الشعبية في الأمم المتحدة، فبعد انتصار ماو تسي تونغ على قوات شان كاي شيك في العام 1949 وقيام الصين الشعبية لم توافق الأمم المتحدة على قيام الحكومة الصينية الجديدة بتمثيل الصين فيها بسبب موقف الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، واستمر الحال حتى العام 1971 عندما أقصى قرار الجمعية العامة 2758/26 تايوان وأعاد الحقوق إلى الصين الشعبية وفي جميع هيئات الأمم المتحدة ومنها مجلس الأمن(1).
———–.
- باسل محمد مهنا، الرؤية الأمريكية للأمم المتحدة 2001، دراسات دولية، المقدمة، العدد الحادي والأربعون.
- د. محمد المجذوب، مصدر سبق ذكره، صفحة 219-220.
- إصلاح مجلس الأمن.. كيف ومتى؟(13/04/2015)، نادي الوعي الدولي- International Awareness Club، شبكة المعلومات الدولية، (الإنترنت).