آخر الأخبارتحليلات و آراء

التوراة “ميثولوجيا” ..التوراة تزوير للتاريخ     (2/3)

سليم يونس الزريعي

وفي ألمانيا شككت مدرسة انتقاد التوراة ابتداء من النصف الثاني للقرن التاسع عشر، في تاريخية القصص التوراتية وادعت أن التوصيف التاريخي التوراتي صيغ، وبقدر كبير “اختلق” في أيام النفي البابلي. وقال الباحثون في التوراة، وخصوصا الألمان منهم، إن تاريخ شعب “إسرائيل” كاستمرار أحداث، بدءا من أيام إبراهيم، وإسحق ويعقوب، مرورا بالهجرة إلى مصر، والاستعباد والخروج من مصر وانتهاء باحتلال البلاد واستيطان أسباط “إسرائيل” – ليست إلا استذكارا متأخرا للماضي، ذا هدف ديني. (1)

بل إن الوثائق المصرية الكثيرة لا تذكر البتة مكوث بني “إسرائيل” في مصر، أو حادث الخروج من مصر، والترحال في الصحراء وجبل سيناء وتذكر هذه الوثائق فعلا العادة المعهودة عند الرعاة الرحل (الذين تسميهم شاسو) بالدخول إلى الأراضي المصرية في أوقات القحط والجوع والاستيطان على هوامش دلتا النيل. ولكن لم يكن هذا حدثا فريدا، فأحداث كهذه تقع كثيرا طوال آلاف السنين ولم تكن ظاهرة استثنائية. ورغم الأبحاث الحثيثة لم يتم اكتشاف ولو موقع واحد يمكن ان يتناسب مع الصورة التوراتية، كما أن قوة التقليد تدفع حاليا أيضا الباحثين إلى “اكتشاف” جبل سيناء في شمال الحجاز في جبل كركوم في النقب، وهذه الأحداث المركزية في

التاريخ “الإسرائيلي” لا تحظى بـتأكيد في أي شهادة خارج التوراة، أو في الاكتشافات الأثرية.(2)

وخيبت نتائج فورة حفريات علم الآثار بعد حرب 1967 آمالهم التي لم تتطابق وتخيلات الـ”تناخ”!عندها، اقترح الباحثون التعامل مع قصص الآباء هذه على أنها مجموعة قصصيّة اخترعها باحثون لاهوتيون أكفّاء. وقد قضت الاستنتاجات العلمية لديهم بأنّه “إذا كان ثمة كيان سياسي قام في يهودا في القرن العاشر قبل الميلاد، فإن هذا الكيان هو مملكة قبلية صغيرة، لم يتعدَّ حجم القدس فيها حجم بلدة محصَّنة، ومن المحتمل أن تكون قد تطورت في هذا الكيان الصغير عائلة سُمِّيت آل داوود”. وأنه لم يكن هناك على الإطلاق مملكة موحدة وعظيمة، وأنه لم تكن لدى الملك سليمان قصور فخمة وفسيحة ليُسكِن فيها سبعمائة زوجة”(3)

وعلى طريقته في نقض فكرة “الدولة اليهودية”، أقدم المؤرخ شلومو ساند على تقويض فكرة “المنفى وأن الشعب اليهودي أجلي عن بلاده بالقوة، كما يقول شموئيل عغنون إن “الشعب اليهودي أُجلي في أثر خراب الهيكل سنة 70 للميلاد… وفي قلبه أمل… في وطنه القديم” بأن رد ساند قائلا: “الرومانيّون لم يقوموا قط بنفي الشعوب… وهذه السياسة الشاذة لم تطبَّق في الشرق الأوسط”(4).

وفرّق ساند بين الانتماء لليهودية والإثنية؛ فاليهودية لم تنحصر في إثنية بعينها. فرجع إلى الأناجيل ليلتقط إشارات واسعة إلى عدم ثبات اليهودية في جنس واحد، فيُذكِّر بسفر زكريا، “فتأتي شعوبٌ كثيرة وأمم قوية ليطلبوا ربَّ الجنود في أورشليم، وليترضّوا وجه الرب”؛ (زكريا، الإصحاح الثامن)”. وتحدث عن تهوُّد مملكة الحشمونائيم (القرن الثاني ق.م)، ومملكة حديب

في القرن الثاني الميلادي شمال الهلال الخصيب، فكانت مملكة حوديب، هي الكيان السياسي

اليهودي الأول خارج يهودا ولم تكن الأخيرة. واستوطن اليهود في الحجاز؛ في تهامة ويثرب وخيبر، وكان التبشير باليهودية في اليمن قد ساهم في القرون الأولى للميلاد بانتشار التهويد في اليمن “مملكة حمير”، ويأتي بمثال تهويد أهل مملكة الخزر، ما بين القرنين السادس والحادي عشر، بين جورجيا ونهر الفولغا، الذين ذكرهم الرحالة ابن فضلان والجغرافي الإطخري والمؤرخ المسعودي. لهذا سعى الصهاينة إلى طمس الخزر من ذاكرة التاريخ، وسجلت أفريقيا الشمالية إحدى نجاحات التهويد. ولم يبدأ التهويد بالتراجع، إلَّا مع بدء التضييق على اليهودية، وذلك بعد وصول المسيحية للسلطة مع الإمبراطور قسطنطين (ت 272)، في القرن الرابع. فكانت اليهودية عابرة للأمم ولم تخصّ قومًا بحدِّ ذاته.

وعمل ساند على تفكيك الأسطورة الصهيونية عن شجرة أنساب اليهود المتسلسل لـ”الشعب اليهودي”، واتهمه نقاده الصهاينة بأنه حاول فصم علاقة اليهود بـ”أرض الأجداد” وجرّدهم من حقهم التاريخي، فرد عليهم بالقول إنه “لم يكن يتصور أن يكون هناك في مطلع القرن 21، من يُبرِّر إقامة دولة إسرائيل بالادعاء أنّها ’أرض الأجداد’”.

وشرح ساند موضوع كتابه بالقول: حاولت أن أشرح في كتابي “اختراع الشعب اليهودي” كيف فبركت الحركة الصهيونية تاريخًا مزيفًا لليهود مبنيًا على فكرة الشعب اليهودي. وبيّنتُ أن هذه فكرة خاطئة ومجرّد خرافة، تمّ استعمالها من أجل تبرير الاحتلال الإسرائيلي، فالشعب بالمعنى الأنثروبولوجي والسوسيولوجي – الاجتماعي، هو مصطلحٌ يُطلق على مجموعة بشرية تجمعها ثقافة مشتركة مثل؛ اللغة والأدب والموسيقى وما إلى ذلك من الشروط الثقافية الأخرى. وهذا ما لا ينطبق على الشعب اليهودي الذي اخترعته الحركة الصهيونية”(5).

الهوامش

  1. شمس الدين الكيلاني، ثلاثية شلومو ساند: في حال إسرائيل: التاريخ والمصير، 16/10/2020، https://www.arab48.com.
  2.  المصدر السابق.
  3. المصدر السابق.
  4. المصدر السابق.
  5. المصدر السابق.
  6. من مخطوط دراسة بعنوان ” مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين.. نهاية الخرافة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى