مشاركات وترجمات

لا تقل عنه.. غضبا

        زينة مرشد

كان فجرا انتظره الكثير، كان محملا بالأمل، وأخذ معه ما يستطيع.

فبين غيوم الحرب السوداء التي لم تذهب بعد، وبين ساعة تسير ولا تنظر للخلف؛ هناك من نام فرحا بأنه ختم مادة ما، أو لعله كان متوترا لأجل امتحان الغد، وهناك من أطفأ الإنارة خلفه وأغلق الباب على أطفاله؛ ظنا منه أنهم في أمان.

هناك من كان يصلي قيام الليل ذاك الفجر، وهناك من كان يحادث عزيزا عليه خلف الحدود.

هم لا يعلمون إلى أين ستأخذهم الثواني التاليات؛ هم لا يعلمون ما يجري تحت أقدام اطمئنانهم.

جدار كان يحمل ورقة أمنيات طفلة؛ تهشمت ملامح طفولتها كما حجارة منزلها. كانت بيوتا تضمهم، ولكنها ذهبت بأجسادهم وأحلامهم على غفلة.

من كان يعلم؟

من علم أن الأرض سوف تهد وطنا قام عليها؟

من توقع أن تزل أقدام المباني وتنزلق؟

من عرف أنها آخر كلمة، آخر بسمة، آخر غصة؟.. حتما.. لم يكن أحد يعرف.

وماذا عن الأرض التي لم تعترف بذنب حملته، بدموع ستذوق ملحها إلى الأبد، بصراخ الآلاف، بألم الناجين، بخوف العالقين، بأمل المستنجدين البائسين؟

وأنا؟.. ماذا سأفعل لو كنت أعلم؟

ربما لاختبأت تحت سرير، أو أنزويت في ركن انتظر بخوف كتيم، حتى يحل الهدوء من جديد.

لو كنت أعلم، لما هربت لأكون من الراحلين، للازمت مكاني ومصيري، لكنت من المقتنعين، فبين الناجين والراحلين أقدار شتى تخص الكثيرين.

قل عنه امتحانا، قل اختبارا، قل زلزالا، قل ما شئت، ولكن لا تقل غضبا..!

وأي غضب على طفل يتوسد أحلامه مطمئنا، على كهل وامرأة ثكلى وصبية تحلم بغد أجمل، أي غضب على مؤذن ومصلين؟!

وطن ابتلع -دون قصد منه- أفئدة تنبض ولا تنبض ، وطن بكت عليه حدائق الياسمين، بكت على صور لن تذهب من ذاكرته، كأنها نقشت بسكين على أكوام من الحجر العتيق؛ التي علق تحتها الكثيرون.

 فكانت الرابعة وسبعة عشر دقيقة، وقت فيه الألم قد انتشر، والخوف في القلوب انحشر.

لكن لا بأس، فسنرفع الردم من على الأحلام المؤودة،  سنعمل لكي تذهب صرخات العالقين، لكي تخف دموع الخائفين، لكي ترتاح أكباد القلقين، لكي تنهض عنقاؤنا من جديد رغما عن سني الحرب واهتزاز الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى