آخر الأخبارتحليلات و آراء

أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية القيادة الفلسطينية نموذجاً -5

محمد حسين

عندما تتطور المجتمعات تتطور الدول ، وتصبح القيادة فيها للمؤسسات لا للأفراد ، وتنتهي الحاجة لوجود القائد الفذ الذي يجب أن يفعل كل شيء ويحفز الناس على القيام بواجباتهم، كلما زاد وعي المجتمعات وتراجع  الجهل والتخلف يكون الأفراد فيه أكثر قدرة على تحمل مسؤولياتهم، وأكثر فهماً لدور المسؤول سواء كان موظفاً أو رئيساً، دور لا يتعدى أن يكون تنفيذ الدستور الذي يحدد نوع العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والذي أصبحت الديمقراطية أكثر نمط يحكم هذه العلاقة، وبتحديد واجبات وحقوق كل طرف في الدستور يصبح عمل المؤسسات والأفراد محدداً وواضحاً،
في الدول المتخلفة لا تزال تبحث عن القائد الملهم ، الذي يجب أن يتوفر ،حتى تبدأ رحلة الإصلاح والتطوير، لأن الشعوب المتخلفة تفتقد القدرة على فهم واجباتها، وتحديد حقوقها أو تم تغيبها عن هذا الفهم بشكل مقصود ، (فقانون بريمر الحاكم العسكري السابق للعراق سن دستوراً طائفياً صوت عليه الشعب العراقي ولا زال يعمل به إلى يومنا هذا مستغلاً النزعة الطائفية التي تم تأجيجها عقب احتلال العراق عام ٢٠٠٣)  إن هذه المجتمعات تبقى مشغولة بالبحث عن شخص ذو ثقة، من أجل أن يوضح لكل طرف ما له وما عليه، شخص يقترب إلى الأساطير ، بل تعدى الأمر  إلى أن  تصيغ هذه الدول قوانينها الحاكمة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم بشكل تجد هذا القائد له  صلاحيات تقترب لصلاحيات الإله في الأرض، بتجميع كل شيء تحت أمره من سلطات تشريعية تنفيذية وقضائية ، وترأس لكل الهيئات المدنية والعسكرية،

●القيادة الجماعية مبدأ على الورق.

إن مبدأ القيادة الجماعية لا يلغي دور الأفراد لكنه يحميهم من ارتكاب أخطاء قد تكون قاتلة فمشاركة القيادة الجماعية في صنع القرار  تقلل نسبة الخطأ فيه وتمنحه قوة،
لأن إمكانيات الفرد مهما بلغت من قوة تبقى ناقصة أمام إمكانيات  الجماعة،
في الحالة الفلسطينية، ونتيجة الظروف الخاصة للشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال، وحالة الشتات الذي يعيشها في كل أصقاع العالم، ويواجه احتلالاً يمتلك من القوة الشيء الكثير، ومدعوم من حلفاء كثر في العالم يصبح هذا المبدأ أكثر من ضروري لإدارة صراع قاس، ومعقد مع هذا الاحتلال لأن الخطأ هنا ثمنه دم وعذابات وإطالة لعمر الاحتلال،
لكن الذي جرى ويجري في الهيئات المختلفة للمنظمات الفلسطينية يشير بشكل واضح إلى مصادرة دور الهيئات لصالح الأفراد، ومصادرة دور الهيئات لبعضها البعض، فالمكتب السياسي يصادر دور اللجنة المركزية،  والأمين العام يصادر دور المكتب السياسي، ويجمع كل الصلاحيات بيده،  وفي بعض الأحيان يعطي نائبه بعضاً منها اذا كان منسجماً معه،
رغم أن كل الأنظمة الداخلية لكل القوى لا تعطي هذه الصلاحيات للأفراد أو الهيئات،
ومع استمرار تضخيم دور الأفراد في هذه القوى أصبحت مع الزمن تسمى باسم أمينها العام( فتح أبو عمار، جبهة جورج حبش، جبهة نايف حواتمة وجبهة أبو العباس إلخ.. )
وأصبح هؤلاء الأشخاص بالنسبة لأعضاء تنظيماتهم حتى وصل المرض إلى قسم من الشعب الفلسطيني يحظون بنوع من القداسة لا يمكن نقدهم،  وأصبحت أقوالهم يستشهد بها في كل مكان وزمان كأنها أقوال مقدسة مرفعة عن الخطأ،
وهذه القداسة لا زالت تظهر رغم غيابهم عندما تتعرض القضية أو الشعب لخطر ما يصبح الحديث ( لو كان هذا الزعيم أو ذاك موجود لما حصل الذي يحصل ) كأن هذا أو ذاك وحده الذي يمتلك العصا السحرية لحل هذه المعضلة أو تلك،

● النظام السياسي أكثر مأساوية…

إن النظام السياسي الفلسطيني لا يختلف عن واقع المنظمات الفلسطينية بل هو أكثر مأساوية، وتأثيراته أكبر بكثير من خطأ مسؤول تنظيم هنا أو هناك لأنه يمثل شعب بأكمله لذلك  يصبح خطأ القائد هنا  كارثة وطنية سيدفع الشعب ثمنها( أوسلو
نموذجاً )
(عندما فازت حركة حماس بانتخابات عام ٢٠٠٥ استبشر الشعب الفلسطيني خيراً كونها قدمت نفسها بديلاً لكن الذي حصل في أول تجربة لها عندما شكلت الحكومة الفلسطينية بدلاً من أن تذهب إلى حكومة تضم كل الطيف الفلسطيني بكل مكوناته وكفاءاته شكلت حكومة خاصة بها ونقلت مرض العصبوية التنظيمة إلى المؤسسة الوطنية، حتى بعد سيطرها على قطاع غزة عام ٢٠٠٦ بدلاً من أن تدير قطاع غزة بالكفاءات الوطنية وكل المكونات الوطنية شكلت إدارة خاصة بها)
لنلاحظ عمل وقرارات الهيئات والمؤسسات الفلسطينية المختلفة التي لم ينفذ منها شيئاً إلا إذا كانت على مقاس الرجل الأول( المجلس الوطني… المجلس المركزي…. اللجنة التنفيذية… مجلس الوزراء… المجلس التشريعي سابقاً )

لاقيمة لهذه المؤسسات إذا كانت لا تعكس رأي  ذاك الشخص.

في وقتنا الراهن  كل الحالة الفلسطينية مشغولة بمن سيأتي بعد الرئيس أبو مازن إذا غادر لسبب أو لآخر، والكل يضع السيناريوهات المختلفة لما بعد الرئيس أبو مازن، من سيخلف الرئيس وكيف ؟ هل ستكون هناك مرحلة انتقالية كما حدث بعد استشهاد الرئيس أبو عمار ومن سيتولاها وكيف؟ كل هذا بسبب غياب دور القيادة الجماعية والمؤسسات القوية،
لقد آن الأوان أن تقرأ القيادات الفلسطينية التجربة، وتجري مراجعة شاملة لكل أدائها، والتخلص من الموروث الذي يقدس مكانة الشخص على حساب الجماعة،
إن غياب القيادة الجماعية في الحالة الفلسطينية على المستوى الخاص والعام، هو أحد الأسباب التي أدت إلى الفشل، والتراجع في النضال الفلسطيني…

محمد حسين كاتب صحفي وناشط سياسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى