تحليلات و آراء

لقاء المنقوش وكوهين.. فشل كي وعي الليبيين

سليم يونس الزريعي  

لا أعتقد أن الهدف الأساس لزيارة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة لسفارة فلسطين في طرابلس، هو توضيح  موقف حكومته من لقاء روما، وعلاقته بالموقف من الشعب الفلسطيني الذي هو موقف مستقر معروف لا يحتاج إلى توضيح ولو نظريا وهذا هو حال مواقف الرسمية العربية التي أقامت علاقات من الكيان. في حين أن تفكيك مفهوم إقامة علاقة طبيعية من قبل أي نظام رسمي عربي مع الكيان المغتصب لفلسطين، يحمل وفق مفهوم المخالفة  نفي لحقوق الفلسطينيين في وطنهم.

محاولة تطويق

ومع ذلك فإن الزيارة جاءت في تقديري لتطويق تداعيات اللقاء الصدمة في الداخل الليبي عبر سفارة فلسطين. بعد انكشاف أن ما جرى كان عملا مدبرا تنفيذا لإرادة أمريكية عملت عليها واشنطن منذ وقت طويل لمفاجأة الشعب الليبي وقواه السياسية بأمر واقع يصادر وعيهم وإرادتهم، بعد أن تهيئ وتحشد له واشنطن الدعم من أطراف ليبية مهما كان حجمها ممن لديها وجهة نظر سلبية إن لم تكن عدائية من القضية الفلسطينية، كون الفشل في تطويع الحلقة الليبية يعني وضع علامة استفهام على كل مشروع التطبيع الذي تقوده واشنطن لجعل الكيان الغاصب جزءا من نسيج المنطقة.

 

فشل لعبة التضليل

والملفت أن رد فعل أغلبية الشعب الليبي التي صدمها اللقاء، جاء عفويا وشاملا أربك أطراف العلاقة، التي استهانت بذكاء الليبيين   عندما زعمت أن اللقاء كان عرضيا، وكأني بمن زعم ذلك كان يحاول تغطية الشمس بإصبعه في محاولة ساذجة لاستغباء الشعب الليبي وقواه السياسية، التي تعرف كيف تجري الأمور في ليبيا.

ومن ثم فإن إدراك أغلبية الليبيين أبعاد ذلك الاختراق الذي كان يستهدف وعيهم وذاكرتهم، هو أمر يتجاوز في ظل الشرط الموضوعي والذاتي الذي تعيشه ليبيا، قدرة أي طرف ليبي على التطبيع مع الكيان الصهيوني مهما كان ثقله، دون رعاية وترتيب الفاعل الأساس في هذا الاتجاه وهو واشنطن، وهذا يعني أن اجتماع المنقوش مع الصهيوني كوهين  لم يكن عرضيا وإنما هو تنفيذ لإرادة أمريكية، جرى بعد مشاورات ولقاءات أمريكية صهيونية مع أطراف ليبية.

وهو ما لم تنفع معه محاولة التضليل والتنصل من أطرافه  الليبية وكأني به كان عارا يجب التبرؤ منه، ولكن إذا كان فعلا هو كذلك، يصبح السؤال لماذا أقدمت الأطراف الليبية المعنية عليه ابتداء؟ وهي التي رتبت له عن وعي مع الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية التي كانت تعول على نجاحه كثيرا، لأنه كان سيمثل اختراقا تاريخيا في جدار الوعي العربي والإسلامي.

 

موقف يحتذى به

لكن ذلك لم يخدع الليبيين الذي صعق ردهم أطراف تلك العلاقة، لأن آثار الموقف الشعبي والحزبي وموقف الفعاليات الليبية المختلفة، أثار غضب أمريكا كونها  تخشي من أن يتحول موقف الشعب إلى نموذج يحتذى به عربيا وإسلاميا، وقد كشف موقع “أكسيوس” الأميركي عن هذا الغضب الأمريكي بعد كشف وزارة خارجية الاحتلال عن اللقاء السري الذي جمع إيلي كوهين بوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش في روما.

وبحسب “أكسيوس”، فإن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن فضح الاجتماع والاضطرابات التي تلت ذلك لن تؤدي فقط إلى قتل الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” وليبيا، لكنها ستضر أيضاً بالجهود الجارية مع الدول العربية الأخرى، فضلاً عن مصالح الأمن القومي الأميركي، وفق المسؤولين الأميركيين.

 

فتش عن العم سام!!!

هذا الاعتراف الأمريكي بأن مشروع صهينة العرب الرسميين وكي وعي الشعوب الذي تعترف إدارة بايدن أنه مصلحة أمريكية، بات بعد الموقف الليبي الشعبي والحزبي وكل القوى الفاعلة وبعض المؤسسات الرسمية محل سؤال،  وهو من جانب آخر يكشف بؤس محاولة التغطي بلافته فلسطينية رسمية، هي في ذاتها تقيم علاقات رسمية مع الاحتلال ولو كرها، حتى بعد أن تخلى عمليا عن أوسلو. وهذا يستحضر ذلك السؤال الحارق بعد كل هذا التهافت الرسمي العربي، هل حقا هناك من يُعير موقف الفلسطينيين (السلطة) أو الشعب أي اعتبار حتى يعتذر؛ أو حتى يوضح لهم لماذا تماهى في المشروع الصهيوني؟ فيما الشعب الفلسطيني  ينزف دما على مدار الساعة وينتهك ويستباح أقصاه وقدسه يوميا، في وجود سفارات تلك الدول العربية والإسلامية التي تصهينت، يدنس طهارة الأرض الفلسطينية..

ومع كل ذلك يستمر النظام العربي أو الإسلامي المتهافت بالتصهين وينشئ  علاقة طبيعية مع الكيان الغاصب، بل ويمارس التدليس بأن يدعي أن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية، في حين أنها قضية شعب محتلة أرضه وأن التحرير الكامل لتلك الأرض من النهر إلى البحر هو هدف نضاله الأول والأخير وإن طال الزمن.

توظيف فلسطين

ولذلك فنحن نقدر أن الزيارة وما صدر خلالها من تصريحات كانت بهدف توظيف الفلسطيني الذي هو ضحية في كل الأحوال في تخفيف صدمة اللقاء، لتبييض صفحة الأطراف التي سعت لعقده كمسار في علاقات ليبية صهيونية، كمكافأة استثنائية لحكومة الكيان الصهيوني التي هي الأكثر إجراما وفاشية في تاريخ الكيان باعتراف الصهاينة أنفسهم، من وراء ظهر الشعب الليبي للتغطية على اجتماع وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش مع وزير خارجية الكيان الصهيوني إيلي كوهين، على ضوء ردود الفعل الليبية الشعبية والحزبية، بل والتبرؤ الرسمي منها، وهنا يمكن القول إنها كانت زيارة للعنوان الخطأ ، لأن السؤال هو ما الذي صدم أغلب الشعب الليبي؟ الذي تشكل القضية الفلسطينية جزءا  من وعيه وذاكرته حتى وإن تراجعت خلال العقد الماضي بفعل عوامل داخلية ليبية، لكن يكفي حصول واقعة أو حدث صادم لمشاعر الناس مهما كان فإنه كفيل بتظهيرها مجددا. ليبقى لقاء روما هو الحقيقة المرة التي ليست في مصلحة مستقبل الدبيبة السياسي.

فضيلة الغضب.. !!!

إن ما حصل في روما بدون فذلكة لغوية أو سياسية، كان يسعى لاختراق صهيوني في جدار المناعة الليبي، طرفاه الكيان الصهيوني وحكومة الدبيبة، اللذان هما طرفا الواقعة، ليكون السؤال ما علاقة السفارة الفلسطينية المباشرة بما حدث في روما، إذا كانت منظمة التحرير هي من فتح الباب أمام كل هذا الخراب في المشهد العربي الذي تذرع بصفقة أوسلو ليتبنى مخرجات مشروع الحركة الصهيونية والصهيونية المسيحية والغرب الإمبريالي قي فلسطين؟ وهو المهيأ لذلك فكريا وسياسيا واقتصاديا.

فكم من نظام عربي أقدم على نفي الحقوق الوطنية الفلسطينية في كل فلسطين، باعترافه بالكيان الصهيوني ، ومع ذلك فإن السلطة لم  تُقدم حتى على ممارسة  فضيلة الغضب في وجه أي دولة تصهينت، لأنها لا تستطيع، كونها تنازلت عن هذه الفضيلة بعد عقدها اتفاق أوسلو والاعتراف بالكيان وتصديق كذبة حل الدولتين، لتمثل بذلك قنطرة عبور لكل هؤلاء المتهافتين من الدول العربية والإسلامية، فهل والحال هذه يمكن لمثل هذه السلطة ، أن تمنح شهادات براءة لأحد، في حين أن من يمنح البراءة  في ليبيا من عدمها، فيما يخص واقعة المنقوش- كوهين هم أغلبية الشعب الليبي الأصيل الذي صدم لقاء روما مشاعره وضميره الفردي والجمعي في العمق،  ليثبت أحفاد شيخ الشهداء عمر المختار بغضبهم على ما جرى، أن  بوصلتهم مع كل ما يعانونه، لم تفقد اتجاهها، وهي أن فلسطين القضية، وليس الأحزاب أو الأشخاص هي بوصلة القلب والعقل معا، خلافا لمعظم شعوب المنطقة العربية التي مثلت هي ونخبها مفهوم القطيع أفضل تمثيل فيما تتصهين حكوماتهم وتتبنى سردية المشروع الصهيوني برعاية العم سام على حساب الحقوق الفلسطينية.

 

اعتراف صهيوني

وإنه كان من التبسيط إن لم يكن من السذاجة تصور أن بكون التعامل الشعبي الليبي مع ما جرى في روما ، وفق بيان الخارجية الليبية لأن فيه استخفاف بذكاء الليبيين ومن ثم في قدرتهم على كشف التضليل المتعمد الذي لم يصمد حتى بضع ساعات أمام حقيقية ما جري، وهو أن لقاء المنقوش كوهين  لم يكن اجتماعا عابرا وهو ما أكده الجانب الصهيوني ببيان وزارة خارجيتهم وحالة الغضب في أوساط المعارضة الصهيونية  لتسريب خبر اللقاء.

كون بيان وزارة خارجية الكيان أكد أن لقاء الوزير  الصهيوني، إيلي كوهين، بنظيرته وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش، في العاصمة الإيطالية روما تناول “العلاقات التاريخية بين البلدين وتراث اليهود الليبيين”، كما ناقشا إمكانية التعاون بين البلدين والمساعدات الإسرائيلية في القضايا الإنسانية والزراعة والمياه وغيرها.

وورد في بيان الخارجية الإسرائيلية أن “هذا اللقاء الأول من نوعه بين وزيري خارجية البلدين، وهو يهدف إلى بحث إمكانية التعاون والتواصل المشترك بين البلدين والحفاظ على تراث اليهود الليبيين”.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إن “اللقاء التاريخي مع وزيرة الخارجية الليبية، هو خطوة أولى نحو التواصل بين إسرائيل وليبيا”.

واعتبر أن “حجم ليبيا وموقعها الإستراتيجي يمنح العلاقات معها أهمية كبيرة وإمكانات هائلة لدولة إسرائيل”.

وأشار إلى أنه تحدث مع المنقوش حول “الإمكانات الكبيرة التي يمكن أن توفرها العلاقات للبلدين، فضلا عن أهمية الحفاظ على تراث اليهود الليبيين والذي يشمل ترميم الكنس والمقابر اليهودية”.

وأضاف كوهين “أننا نسعى مقابل قائمة من الدول في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا إلى توسيع دائرة السلام والتطبيع”.

فيما كشفت جريدة «يديعوت أحرونوت» في افتتاحيتها يوم الاثنين أن وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش «لم تفعل أي شيء من وراء ظهر» رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، مضيفة أن «مسؤولين إسرائيليين كبار أكدوا وجود اتفاق مسبق وتنسيق على أعلى المستويات» قبل عقد لقائها مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في روما. وأن اللقاء سبقته «محادثات بين كبار المسؤولين في الطرفين، بما في ذلك وزيرة الخارجية نفسها»، لافتة إلى أن المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلي رونان ليفي تحدث خلال اللقاء عن «تراث اليهود الليبيين»، وأشار إلى أن «حجم ليبيا وموقعها يمنحان العلاقات معها أهمية كبيرة وإمكانات هائلة» لتل أبيب، وزعم أن المنقوش تحدثت عن «تجديد المعابد والمقابر اليهودية» في ليبيا.

بل إن  لقاء المنقوش – كوهين كما كشف أحد كبار المسؤولين في حكومة الوحدة الوطنية يوم الاثنين، بهدف “تطبيع العلاقات بين طرابلس وتل أبيب جرت مناقشته لأول مرة في اجتماع بين الدبيبة ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، ويليام بيرنز، الذي زار العاصمة الليبية في يناير الماضي”، وأن المسؤول الأمريكي حصل على موافقة ليبية مبدئية على الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام التي توسطت فيها الولايات المتحدة، وأعطى الدبيبة موافقة مبدئية، لكنه كان قلقا بشأن رد الفعل من الجمهور المعروف بدعم الفلسطينيين».

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نقلا عن «تصريحات مسؤولين ليبيين إلى وكالة (أسوشيتد برس)، لم تسمهم، إن «حكومة الدبيبة تهدف من خلال الارتباط مع تل أبيب إلى فتح الأبواب» أمام العلاقات مع الغرب و«شراء الشرعية منه».

 

أهم درس

وأخيرا يمكن القول إن أهم درس مستخلص من واقعة المنقوش- كوهين، يتمثل كما نعتقد في فشل حالة كي وعي أغلبية الشعب الليبي، فيما نجحت عملية كي الوعي لدي شعوب العديد من الدول العربية والإسلامية، التي قايضت دولها العلاقة مع الكيان الصهيوني المحتل بحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية  الثابتة. وما  نأمله هو أن يشكل موقف الشعب الليبي رافعة ومثلا للشعوب العربية الأخرى في رفض صهينة دولهم كحق من حقوقهم الأساسية. عبر الانتصار لأنفسهم أولا قبل الانتصار للقضية الفلسطينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى