مرافعة أميركا أمام العدل الدولية..وقاحة وعنجهية وتجاهل للقانون
سليم الزريعي
لم يمض على الفيتو الذي رفعته واشنطن في وجه المجتمع الدولي الذي كان يطالب عبر مشروع قرار قدمته الجزائر بوقف إطلاق النار في حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني بدعم مباشر من الولايات المتحدة على غزة، حتى وقفت تترافع أمام محكمة العدل الدولية دفاعا عن الاحتلال الصهيوني للضفة الغربية، بتبرير ساذج ليس له علاقة بالقانون أو العدالة وقرارات مجلس الأمن، أو حتى بالأخلاق في بعدها الإنساني .
ومع أن الولايات المتحدة تعي تماما أن محكمة العدل الدولية خارج نطاق السيطرة الأميركية، الأمر الذي لن يمكنها من ممارسة “امتياز حق الاعتراض” ، المكرس لها في مجلس الأمن، غير أنها لا تستطيع أن تتخلي عن عنجهيتها التي هي من مكونات الثقافة والسلوك الأمريكي، مما جعل ممثلها يخاطب محكمة العدل باستعلاء، بأنه “لا ينبغي صدور قرار بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة فوراً.” في تجاهل فظ في أن الاحتلال فعل مخالف للقانون، وأن استمراره، هو انتهاك صارخ للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
فنو احتلال استيطاني لا تخفي حكومة الاحتلال طبيعته، الكولنيالية ، كونه يستهدف الاستيلاء على الأرض والمياه ويقطع أوصال الضفة الغربية، وكان قرار الجمعية العامة واضحا، وهو أن تنظر المحكمة في شرعية الاحتلال، فيما تكشف المعطيات على الأرض أن الاحتلال يغير طبيعة الأراضي المحتلة بما يخالف القرارات الدولية، التي كانت قد أكدت بشأن القدس : أن قواعد القانون الدولي لا تجيز لقوات الاحتلال الإسرائيلي أن تضم أو تعلن ضم المناطق التي احتلتها كلها أو بعضها بأي شكل من الأشكال، وكل إجراء من هذا القبيل تتخذه القوات المحتلة تحت أية اعتبارات من جانب واحد هو إجراء باطل ولا يترتب عليه أي اثر قانوني أو شرعي أو دولي وفق المادة 43 من لائحة لاهاي الرابعة لسنة 1907م ، وان الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن يرتب لسلطاته أية حقوق أو آثار على حق السيادة الأصلي للمناطق الفلسطينية المحتلة بل يبقى حق السيادة قانونا للدولة الأصلية صاحبة الإقليم المحتل، وان الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس لا يؤدي إلى نقل السيادة للقوات المعتدية لان الاحتلال مؤقت ومحدود الأجل بحسب قراري مجلس الأمن 242 لسنة 1967 و 338 لسنة 1973 ، ويجب أن ينتهي الاحتلال إما بعودة القدس المحتلة إلى سيادتها الفلسطينية الأصلية أو بتسوية النزاع بالطرق السلمية التي حددها ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة الأولى من المادة 33 منه أو بالتدابير اللازمة القسرية التي يجب أن يتخذها مجلس الأمن انسجاما مع صلاحياته المنصوص عليها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في المواد 39، 40، 41، 42.”
ومع هذا التأكيد على أنه لا يجوز للاحتلال أن يضم الأراضي المحتلة أصر ريتشارد فيسيك، القائم بأعمال المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأميركية في مرافعته أمام أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة تنظر في شرعية الاحتلال الإسرائيلي، بتجاهل أن الأمر يتعلق بمشروعية وانعدام هذه الشرعية، وهذا الانعدام يَجُبُ كل ما ترتب على الاحتلال من ممارسات ديمغرافية أو قانونية تتعلق بصفة وطبيعة تلك الأراضي حالا.
في حين أن الولايات المتحدة، لم تنفك تمارس سلوكها المفارق عندما تقول للمحكمة” “أي تحرك نحو انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وغزة يتطلب مراعاة الاحتياجات الأمنية الحقيقية لإسرائيل”.
هذا السلوك الوقح بالمعني القانوني والسياسي يعتبر أن احتياجات الكيان الصهيوني الأمنية فوق القانون والشرعية الدولية والعدالة ، في حين يتجاهل أن من يحتاج الأمن والحماية هو الشعب الواقع تحت الاحتلال، وأن من مارس العدوان واحتل الأراضي منذ عام 1948 هي الحركة الصهيوني وأداتها العسكرية الكيان الصهيوني ، في عام 1956، و1967،و1973، 1982،و 2006، ثم محارق غزة المتتابعة منذ عام 2008 حتى الآن
ووصل الأمر حد توجيه المحكمة لعدم الأخذ باقتراح البعض بالنظر بأفعال طرف واحد فقط. هذا السلوك غير القانوني يتجاهل أن لا سلطان لأي دولة على ضمير محكمة العدل الدولية ولا على قضاتها، سوى موضوعية القضية محل النظر، ومن هنا فإن قضاء محكمة العدل الدولية سيمثل انتصارا لقواعد القانون الدولي وللشرعية الدولية في مواجهة الهيمنة والتسلط الأميركي، الذي شكل ولا يزال سياج حماية لكل التصرفات غير الشرعية للكيان الصهيوني على امتداد الستة وسعين عاما الماضية. مما يجعل منها عدوا أساسيا للشعب الفلسطيني.