آخر الأخبارتحليلات و آراء

سوريا.. منظومة القمع والفساد أسقطت النظام

سليم الزريعي

إن قراءة ما جرى في سوريا، من سقوط للنظام، الذي فاجأ حلفاءه، وما يسمى بأنصار محور المقاومة، كونه لا يعكس انطباعاتهم الذهنية المستقرة عن مدى استعداده للدفاع عن نفسه، كما فعل طوال السنوات السابقة، بل إن انهيار الجيش فاجأ الرئيس السابق بشار الأسد نفسه الذي يعتبر القائد الأعلى للجيش، وفق ما نقله عنه وزير الخارجية الإيراني، وهذه أحد أهم مفارقات العلاقة بين رأس النظام ومؤسسة الجيش، الذي تسبب سلوكه العملي السلبي في انهيار النظام، مما جعل المراقبين يتساءلون ما الذي يجري، كونه لا يعكس ما عرف عن قدرات الجيش، عديدا وعتادا مقارنة بمسلحي جبهة النصرة، التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، التي غيرت لافتتها كي تلتف على توصيفها لدي عدد كبير من الدول أنها منظمة إرهابية، إلى هيئة تحرير الشام.

صدمة أنصار النظام، وكثير من القوى العربية الإقليمية، وبعض الدول من ثبات وصمود النظام في ظل عملية التجريف التي طالت، حركة حماس وحزب الله، التي أعقبت طوفان حماس، وموقف إيران السلبي، الذي أعقب تدمير قدرات حزب الله وتصفية قياداته العسكرية وأمينة العام، من أنها لن تقع في فخ جرها لحرب مع الكيان الصهيوني، كشف بشكل غير مسبوق النظام السوري، أمام تركيا اللاعب الأساسي في كل ما جرى، وكذلك أمام هيئة تحرير الشام بمسماها الجديد. لاستثمار اللحظة للإطاحة بالنظام، الذي أكد سقوطه بهذا الشكل، الذي نقدر أنه لم يكن بسبب قوة الفصائل المسلحة، ولكن لأن الجيش لم يكن موجودا، أي أنه لم يكن هناك من يدافع عن بقاء النظام، ليكون السؤال؛ ما الذي جرى؟ ولماذا؟ وما هي أبعاد كل هذا الاحتفاء بسقوطه داخل سوريا؟ وأين الحزب القائد والجبهة الوطنية؟

لكن قبل البحث عن إجابات عقلانية، يجب الانتباه إلى أنه من سوء التقدير تجاهل الدور التركي والأمريكي والصهيوني، فيما جرى، لكن يبقى السؤال الأساس، لماذا حصل هذا الانهيار، دون أي مقاومة من المؤسسة العسكرية، وبشكل أثار الاستغراب والتساؤل، لدى المراقبين والشارع العربي ونخبه التي كانت تراهن على دمشق، سيما تلك التي تنظر إلى سوريا كموقف سياسي قادر في ظل الوجود الإيراني والروسي، المحافظة على الذات وعلى دورها فيما يسمى بـ”محور المقاومة”.
هذه النظرة للأسف، هي نظرة شكلية أحادية مغلفة برغبات ذاتية غير موضوعية، كونها تتجاهل عامل الإحباط الداخلي الشعبي وبؤس الواقع الاقتصادي؛ الذي وصل حدا غير مسبوق، إضافة إلى استشراء منظومة الفساد والترهيب الأمني. وهذا الفصل التعسفي بين سياسات النظام الداخلية التي هي أساس صلابة القلعة في وجه أي استهداف خارجي، ومواقفه الخارجية هو نوع من عسر القراءة وربما التواطؤ على هذا الشعب المهان والجائع، حتى أن ذهنية الاستخفاف بالمؤسسة العسكرية، وصلت حد إصدار الرئيس السابق قرارا بزيادة مرتبات الجيش بنسبة 50 في المائة، في ما يمكن القول أنه جاء في الوقت الضائع، بمثابة رشوة مهينة، بعد انهيارات الجيش أمام تقدم المعارضة المدعومة من تركيا. وهذا يلقي ضوءا ولو خافتا على حالة فقدان الثقة في الجيش المنهك ، الذي تعاني أسر جنوده كما بقية أغلبية الشعب السوري.، من الفاقة وربما الجوع.

إن أي مقاربة لفهم ما جرى، يجب أن تبدأ بالبحث عن إجابات في الواقع السوري الداخلي، من شأنها أن تلامس السبب الحقيقي وراء هذا الانهيار، دون تجاهل بالطبع العامل الخارجي، ضمن نظرية المؤامرة، الذي يمكن القول إنه كان عاملا مقررا، لكنه ليس الأساس، كون القلعة قد انهارت من الداخل لأسباب تتعلق بالشأن السوري الداخلي، وبعلاقة النظام بشعبه، في الأمن والسياسة والاقتصاد، والحريات، وقيم المواطنة. وهذا يطرح سؤال، لماذا وكيف حدث ذلك؟

في تقديري إن أي مقاربة لفهم ما جرى، يحب أن تبحث في الأسباب التي تتعلق بعلاقة النظام بشعبه، لفهم أعمق للأسباب التي أسست لهذا السقوط، وهي أسباب تتعلق ببنية النظام، التي تراكمت أمراضها على مدى عقود، وقد توفر لها الشرط الموضوعي كي تنفجر مرة واحدة في وجه النظام، في هذه اللحظة، بعد أن بلغت ذروتها، لتسمح للعامل الخارجي أن يقرر مستقبل سوريا، وتمكن أبو محمد الجولاني بسمته الجديدة أن يعلن انتصاره من الجامع الأموي، فيما كان رأس النظام بشار الأسد يترك كل شيء ويبحث عن الخلاص الشخصي له ولعائلته.

إذا المسألة الداخلية كانت هي العنوان المقرر فيما جرى، وريما يلقي تعبير “الخوف” الذي برر به أحد أبرز نجوم الفن في سوريا والوطن العربي، تغير موقفه اليوم عنه بالأمس، وإذا كان ذلك هو حال هذا الفنان الكبير المشهور، الذي له ثقله المعنوي على المستوي المحلي والعربي، فكيف يكون حال المواطن العادي في مواجهة الأدوات المنتجة للخوف التي هي منتج ملازم لأي سلطة قمعية تتسلط فيها أدواته على الناس؟ سواء كانت هذه الأدوات مؤسسات أو أفراد. ولا شك أن مشاهد ضحايا سجن صيدنايا غير الإنسانية بكل بشاعتها، حتى أنه يصعب على العقل استيعاب حدوثها، فيما هي واقع مجسد في ضحاياه، لتكشف ثقل أدوات القمع والقهر، ومن ثم حجم هذا الخوف وبشاعة نتائجه، وأن أي شعب يعيش هذا الواقع الذي يشكل “التخويف” أحد أدوات القهر لدى أي سلطة حكم، هو غير مؤهل حتى أن ينتصر لنفسه، فكيف به أن ينتصر لغيره؟
ومن ثم فإن القهر سواء في تعبيراته المادية أو المعنوية لا يمكن أن يصنع شعبا حرا، وهذا في ظني؛ هو وراء انهيار النظام بهذا الشكل الدراماتيكي، لكن ليس الخوف وحده، وراء هذا الدور السلبي من النظام، الذي جعل الشعب يتمنى ويحتفي بانهياره، بل إن عاملا آخر، بات جزءا من البناء الفوقي للنظام، وهو الفساد.

وربما تضيف شهادة أحد أعضاء (عظام الرقبة) في النظام السابق السفير السوري في موسكو بشار الجعفري، أن ما جرى هو نهاية منطقية ومتوقعة للنظام انطلاقا من علاقاته بشعبه كونها هي المقرر، وليست مواقفه السياسية من القضية الفلسطينية، ذلك أن منظومة الفساد وفق الجعفري “ألحقت الدمار بمقدرات البلاد ومؤسساتها، وأجبرت الشعب على النزوح واللجوء والفرار إلى مصير مؤلم”، واعتبر الجعفري “أن انهيار هذه المنظومة خلال أيام يعكس افتقارها للشعبية وعدم وجود حاضنة مؤيدة لها في المجتمع أو بين صفوف الجيش”.

بل إن الجعفري حمل النظام مسؤولية عقود من الظلم والتجريف “ومحاربة الكفاءات وطرد النخب المثقفة والسياسية”، ومع أن شهادة الجعفري مجروحة كونه كان جزءا من المنظومة ، إلا أنها تكشف ليس وعيا من الشاهد، وإنما حقيقة النظام وعلاقته بشعبه، وأن هذه العلاقة هي وراء كل ما لحق بالشعب السوري طوال كل تلك السنوات، وكان بإمكان الأسد وهو يرث الحكم عن والدة لو كان صادق النية حول الإصلاح، لكان التقط مبادرة إعلان دمشق عام 2005 ، الذي ضم أطرافاً سياسية ومنظمات وشخصيات وطنية من مختلف الأديان والطوائف والمكونات الإثنية والأيديولوجية والسياسية للشعب السوري، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وعلى امتداد الجغرافيا السورية وبنيتها السكانية، وقد تألف المشروع المعلن في الوثيقة من 17 فقرة، تشكل الأسس المعتمدة للتغيير الديمقراطي المنشود، لكن الأسد الابن سار على درب والده , وأهدر الفرصة، بل وقمع معدي الإعلان، ولو فعل ربما كان جنب سوريا ما حل بها من تدمير وخراب، كل تلك السنوات وقبل حراك 2011، وجنب نفسه هذا المصير..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى