صدمة الروح
تغطيني خيوط الشمس الذهبية كل صباح لأصبح جزءاً منها ، أنتعش بدفئها ونسائم الربيع الحريرية تلامس وجهي ، فأرمي بنفسي على كرسيّ الهزاز وأدخل في عالم من الأحلام التي لا تنتهي .
هكذا كانت حياتي أصاحب الشمس منذ طلوعها من مخبئها في كهف الظلام ، أمارس الرياضة وأشرب شراب الورد ، ثم أنطلق خارج المنزل محلقة مع أفكاري لأجهز ما سأفعله بعد عودتي من عملي، بعد يوم تعب طويل ، أمر عند بائع الأجبان اللذيذة في شارع اليرموك على زاوية الشارع العام وأكمل طريقي إلى البيت متجهة نحو شارع صفد وأشتري خبز (الصمون) المحمّر الذي يخرج للتو من حمام شمسي بلون ذهبي ساحر ، تستقبلني حين أدخل البيت رائحة طعام ساحر وتجذبني نحو مطبخ السعادة وبأنامل الحب تشبعني دفئاً وحناناً ،
ومع ضحكات المساء تحت أضواء قناديل السماء أرمي بنفسي على كرسيّ الهزاز فوق سطح شقتنا مع أنغام الموسيقى الهادئة …. وأسافر في رحلة سماوية تنقلني إلى عالم الإبداع الإلهي ، بين السحب والمجرات الكونية لأنسج أحلاماً أسطورية جميلة، وهكذا تتأرجح أيامي بين نغمات ضوء النهار وعتمة المساء .
وفجأة زحف الظلام ليغشى على أحلامي البسيطة وأيامي الهادئة، ليتحول السحر الوردي إلى كابوس كالح ، حقد وسواد حطم كل ما أحاط بي ، وسطا على حمام الشمس الدافئ و المساء الهادئ ، تاركاً نهراً من الدموع يحرق عيوني ويمزق قلبي ، ويجبرني على مغادرة آخر مكان لجوء لي منذ أن حرق الظلام أرضي الأم وهُجّرت مجبرة قبل ولادتي إلى مكان عشت فيه كأنه وطني الذي غادرته عنوة.
لم أستطع استيعاب ما حصل مشيت ومشيت من فندق إلى فندق ثم إلى بيت وسط حي لم يكن يشبه حيي ولا طباع أهله تشبه طباعي لكني حاولت أن أتعايش وأستقر، ضاع خيالي وكل شي تاه ، ما عدت أرى إلا أشباح الظلام تحيط بي من كل جانب ، حاولت تغيير أفكاري وتجديدها بالدراسة والصحبة الطيبة ،و رغم كل محاولات التعايش مع من حولي إلا أن الطفلة في داخلي لم تزل في غابة الظلام تحاول إيجاد بقعة من النور ، الرجوع إلى أيام الأحلام ، لكن لا جدوى لا مكان لإعادة ما كان ، ما عدت أسترجع تلك الأحلام ما الذي أصابني من كل هذا الظلام…؟ كيف له أن يمر …؟ مجرد أيام ويختفي من ذاكرتي كل ما كان !!!! يعود الظلام كلما حاولت استرجاع الأيام وتذكر لحظات الحنان والطريق الذي كنت أجد فيه سعادتي وفرحي ، حاولت وحاولت ولكن … الظلام أبى أن يخرج .
وبينما كنت أجلس في إحدى حدائق دمشق وقعت عيني على طفلة تقفز على كرسيّ هزاز وأمامها أطباق ملونة من الطعام وخبز (صمون) لوّنته شمس الربيع وتحيط بها شرفة تكلّلت بأزهار ياسمين متناثرة كحبات ألماس مرصع على سوار معصم عروس ليزيدها بهاء ..فجأة يزورني عبق الياسمين قادماً من شرفة الطفلة ويتسلل إلى داخلي فأطير من مقعدي الحجري الذي أجلس عليه إلى تلك الشرفة وأبخث عن كرسيّ الهزاز وخبز (الصمون)….
وفاء حميد.. كاتبة فلسطينية.. سورية