تسجيل سري يكشف لغز إخفاء روسيا ملكية أسطولها “الظل” في دبي

فندق “ميدان” الفاخر في دبي، والذي يوصف كمدينة مصغرة لما يضمه من مرافق تشمل المطاعم وملاعب التنس والجولف ومضمار سباق الخيل، يخفي سرًا يتجاوز كونه وجهة سياحية تقليدية؛ إذ تبين أنه مركز محوري لأسطول “الظل” الروسي.
يضم الفندق مقرًا لأكثر من 60 شركة مالكة ومديرة لسفن “الظل” الروسية، كما تم تسجيله عنوانًا للشركة المالكة للناقلة “إيجل إس”، المشتبه بتورطها في قطع كابلات بحرية بخليج فنلندا. ويُعرف أسطول “الظل” بناقلات النفط التي تستخدمها روسيا للالتفاف على العقوبات الغربية.
فريق برنامج التحقيقات “MOT” سافر إلى دبي لكشف الأسباب التي جعلت من هذه المدينة العالمية ملاذًا آمنًا لهذا الأسطول. وقد تناول الفيلم الوثائقي الأخير للبرنامج، “سفن الظل الروسية”، والمخاطر البيئية المحتملة لهذا الأسطول، وهو ما يتناوله الملخص التالي.
(عنوان مالك “إيجل إس” يقود إلى مكتب افتراضي):
يقع فندق “ميدان” خارج مركز مدينة دبي، ويطل على برج خليفة الشهير. عند الوصول إلى بهو الفندق، طلب فريق التحقيق من موظف الاستقبال المساعدة للوصول إلى مركز الأعمال، وهو عنوان شركة “كارافيلا” المالكة للناقلة “إيجل إس”.
تبين أن عنوان الشركة هو منطقة “ميدان الحرة”، وهي منطقة تجارة حرة رقمية تقع داخل الفندق، وتجذب الشركات بمزايا ضريبية. هذه المنطقة هي إحدى نحو 50 منطقة مماثلة في الإمارات، حيث تم تسجيل “إيجل إس” وعشرات السفن الأخرى التابعة لأسطول “الظل”.
كما تبين أن شركتين مدرجتين على قائمة العقوبات الأمريكية تتخذان العنوان نفسه، حيث تورطتا في تجارة النفط الروسي بالمخالفة للعقوبات. وقد انتقلت منطقة التجارة الحرة لاحقًا إلى مساحة أكبر في جناح آخر بالفندق، وهو مبنى مكاتب حديث يضم ناديًا ليليًا في الطابق العلوي.
وعلى الرغم من المظهر الخارجي لمنطقة التجارة الحرة، فإنها في الواقع مجرد مكتب في الطابق السادس من مبنى المكاتب.
(آلاف الشركات “على الورق” في طابق واحد):
بهدف الحصول على معلومات أكثر تفصيلًا حول سبب إقبال الشركات الروسية على تأسيس مقرات لها في دبي، تواصل فريق التحقيق مع شركة استشارية تعمل في منطقة “ميدان الحرة”. وبحجة طلب نصائح حول الاستثمار العقاري، التقى الفريق بمستشارين في المساحات المشتركة بالمنطقة، والتي يمكن حجزها كمكاتب وقاعات اجتماعات.
وخلال لقاء استمر نحو ساعة، كشف المستشارون أن آلاف الشركات مسجلة في عنوان المكتب، ولكن “على الورق” فقط، حيث يقتصر دور المكتب على تقديم خدمات البريد والهاتف والعنوان. كما أكدوا على مرونة القوانين في دبي، مشيرين إلى إمكانية تحويل مبالغ كبيرة من المال دون رقابة من السلطات.
وقال أحد المستشارين “يمكنك تحويل عشرة أو خمسين أو مائة مليون يورو إلى حسابك المصرفي هنا إذا كنت ترغب في ذلك، ولن تسألك السلطات عن أي شيء”،
كما أشار إلى علاقاته الجيدة بالبنوك الكبرى، والتي تسهل فتح الحسابات للعملاء وشركاتهم.
فريق التحقيق لم يكشف عن أسماء المستشارين أو شركاتهم، إذ لا توجد معلومات تربطهم بأسطول “الظل” الروسي. علمًا بأن هناك العديد من الشركات الاستشارية التي تقدم خدمات مماثلة في دبي، دون مخالفة القوانين المحلية.
(دبي توفر ملاذًا آمنًا للشركات):
المحادثات مع المستشارين كانت صريحة، حيث روجوا لمزايا دبي الضريبية، وسهولة الحصول على تأشيرات إقامة طويلة الأجل، وإمكانية تأسيس وإدارة الشركات عن بعد.
(السرية المشددة للشركات: الورقة الرابحة الأساسية لدبي في دعم أسطول الظل الروسي)
وصرح أحد المستشارين الذي إلتقى بهم فريق برنامج mot، مؤكدًا على السرية التي تحيط بالشركات في دبي. قائلا “فقط مواطنو دولة الإمارات العربية المتحدة يمكنهم الاطلاع على المعلومات الأساسية للشركات، مثل العنوان والقطاع الذي تعمل فيه الشركة. ولكن حتى هم لا يمكنهم رؤية المالكين”،
وأكد صحفيا البرنامج إن هذا الادعاء غير صحيح. فالمعلومات الأساسية لمالك الناقلة “إيجل إس” متاحة في السجل التجاري بدبي، وإن كانت محدودة للغاية. فهي تكشف فقط عن تأسيس الشركة المالكة في صيف 2023، وأن نشاطها التجاري هو إدارة وتشغيل السفن من الخارج.
هذا وقد قوبلت محاولات البرنامج لإجراء مقابلة مع مالك “إيجل إس” عبر محامٍ فنلندي استأجرته الشركة بالرفض.
وفي نهاية الاجتماع، اصطحبنا المستشارون في جولة داخل مرافق المكتب، وسمحوا لنا بالتصوير. ومع ذلك، لم نعثر على أي مكتب أو مقر فعلي للشركات الكامنة وراء أسطول الظل، مما يشير إلى أن عملياتها تدار عن بعد، ربما من موسكو.
شبكة معقدة من الشركات الوهمية:
يتضح أن الروس أنشأوا شبكة معقدة من الشركات الوهمية لإخفاء الملكيات الحقيقية للناقلات المستخدمة في أسطول الظل. وقد تم تسجيل العديد من هذه الشركات في منطقة فندق فاخر، حيث تم العثور على ما يقرب من 80 شركة تابعة لشركة الشحن الروسية ” Sovcomflot “.
إجمالاً، يتم إدارة ما يقرب من 150 سفينة من أسطول الظل الروسي من دبي. ويبدو أن هذه السفن لا تزال تحت السيطرة الروسية.
وقد أشارت التحقيقات إلى أن مدير ” Sovcomflot ” في دبي، والذي يذكر في حسابه على “لينكد إن” أنه يقيم في المدينة، قد لعب دورًا في ترتيب هذه العمليات.
وقد تكون إحدى شركات إدارة الناقلات في دبي مسؤولة عن العديد من سفن أسطول الظل. كما تم إنشاء شركة مالكة منفصلة لكل سفينة، وغالبًا ما يتم تسجيل هذه الشركات في ملاذات ضريبية أخرى بالإضافة إلى دبي، مما يزيد من صعوبة تتبعها.
دبي: ملاذ آمن للتهرب من العقوبات:
وقد أكد إسحاق ليفي، الباحث في معهد أبحاث الطاقة ” CREA “، على أهمية دبي للروس في هذا الصدد، مشيرًا إلى سهولة تأسيس الشركات وانخفاض التكاليف الإدارية، فضلاً عن عدم فرض الإمارات عقوبات على روسيا.
“العديد من هذه الشركات موجودة في الإمارات العربية المتحدة، لأنه من السهل تأسيس الشركات هناك بتكاليف إدارية منخفضة. كما يمكن للشركات الروسية التسجيل باسم مختلف في الإمارات العربية المتحدة وبالتالي تجنب العقوبات”، كما قال ليفي.