آخر الأخبارتحليلات و آراء

بعد تهديدها بمصير الحوثيين.. هل ضاقت مساحة مناورة حماس؟

سليم الزريعي

في سياق عملية التفاوض، أو عقد الصفقات السياسية بين القوى التي تقر بالوجود الموضوعي إلى بعضها البعض ولو كانوا أعداء، وإنما كأشخاص معنوية قانونية معترف بها دوليا، يكون مستوى موازين القوى الإيجابية بينها، هو العامل المقرر في ذلك، ولكن بين الدول كأشخاص قانونية مع قوى لا تتمتع بذلك، تلعب بعض مفردات ميزان القوة السلبية دورا رئيسيا، ولكن ليس دائما، وفي كل الأوقات، مثال ذلك ورقة المختطفين في يد حركة حماس، مقارنة بالكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، في ظل الانقسام الفلسطيني، وبعد انفجار فقاعة محور المقاومة ووحدة الساحات التي أكدت أنها لم تكن قيمة مضافة أصيلة، في حساب ميزان القوى في مواجهة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، وأنها لم تكن سوى شعارا شعبويا انتهى مفعوله.

ويجب أن تكون هذه المقاربة في ذهن حماس، وهي تدير مفاوضات الصفقة مع الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، بعد أن عاد جيش الاحتلال لممارسة عدوانيته ضد أهل غزة العزل، حيث شهدت الأيام الأخيرة تكثيفا للغارات الجوية الإسرائيلية في غزة، بالإضافة إلى زيادة حالات إطلاق النار باتجاه المواطنين الفلسطينيين، ليرتفع عدد الشهداء منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي إلى 151 شهيدا. ولترتفع حصيلة الشهداء في قطاع غزة حتى يوم الأحد 16 مارس إلى 48,572، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023. فيما بلغت ارتفعت حصيلة الإصابات إلى 112,032، في حين لا يزال الكثير من الضحايا تحت الأنقاض، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

ومع أن حماس أعلنت استئناف المفاوضات مع الوسطاء في العاصمة القطرية الدوحة، مع الكيان الصهيوني، في حين أنه هو الذي خرق اتفاق وقف إطلاق النار بغزة من خلال عدم بدء المرحلة الثانية من الاتفاق كما هو متفق عليه، ووقفه البروتوكول الإنساني وحصار غزة للأسبوع الثاني، وردها بمقترح آخر بديل، وهو أنها مستعدة، للتفاوض من خلال الموافقة على مقترح الوسطاء الإفراج عن جندي يهودي ـــــ أمريكي و4 جثامين لمزدوجي الجنسية، وذلك لاستئناف مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى. عوض المقترح الأمريكي، الذي يتضمن الإفراج عن 5 محتجزين أحياء، بينهم الأمريكي ــــ اليهودي عيدان ألكسندر، وجثث 10 قتلى، مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين ووقف العمليات العسكرية لمدة تتراوح بين 42 و50 يوما، يتم خلالها التفاوض على إنهاء الحرب.

لكن هذا الموقف الحمساوي الذي قدمته من أجل وقف إطلاق النار في قطاع غزة، اعتبره مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف أنه “غير مقبول على الإطلاق”، ولا يمكن أن يكون أساسًا للتفاوض مشيرًا إلى أن المقترح الأميركي يتضمن إطلاق سراح 5 رهائن أحياء، بينهم مواطن أميركي.

وذهب ويتكوف إلى حد تحذير حماس بكل الغطرسة والاستقواء من دور أمريكي جديد وبشكل مباشر هذه المرة، بالقول: “أنصح حماس بأن تشاهد ما الذي نفعله بالحوثيين”. عندما قال إن الفرصة لا تزال قائمة أمام حماس لكنها “تتلاشى بسرعة”، داعيًا الحركة إلى أن تكون “أكثر عقلانية” في تعاطيها مع المفاوضات.

وقد وافق الكيان الصهيوني على المقترح الأمريكي، لكن هذه الموافقة تترافق مع استعداد لبدء عمليات عسكرية واسعة في القطاع من أجل زيادة الضغط على حماس، فقد أفادت مصادر عسكرية إسرائيلية بأن حكومة بنيامين نتنياهو قد توافق على شن عمليات عسكرية جديدة في قطاع غزة إذا لم يتم تحقيق تقدم في اتفاق تبادل الرهائن.

ووفقا لتقارير نشرتها صحيفة “جيروزاليم بوست” يوم الأحد 16 مارس، فإن جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام “الشاباك” والقيادة الجنوبية يعملون على توسيع بنك الأهداف المحتملة لحركة “حماس” في جميع أنحاء القطاع، بالتزامن مع فترة وقف إطلاق النار الحالية.

وأوضحت المصادر أن هذا التوسع في بنك الأهداف يهدف إلى تمكين الحكومة من تصعيد العمليات العسكرية بشكل تدريجي لممارسة ضغوط على قيادة “حماس”، في حال تعثرت المفاوضات الخاصة بإطلاق سراح الرهائن.

ومن بين الخيارات المطروحة كأدوات ضغط محتملة، إعادة احتلال بعض المناطق في شمال غزة، والتوجه يأتي في ظل دعم أمريكي لمثل هذا الخيار العدواني، وفق ما ذكرت هيئة البث العبري.

ومع أن مخاطر التصعيد ورادة بقوة، كون الكيان لم يتوقف عن استهداف أهل غزة طوال الفترة الماضية، يكشف ذلك عدد الشهداء والمصابين، وعودة سياسة التجويع عبر الحصار الإنساني، بعد منع المساعدات من الدخول إلى القطاع منذ أسبوعين، اجتمع وزراء خارجية السعودية وقطر والإمارات والأردن ومصر، الأربعاء 12 مارس، في الدوحة مع المبعوث الأميركي للشرق الوسط ستيف ويتكوف. للتأكيد على “أهمية تثبيت وقف إطلاق النار في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، مشددين على ضرورة إطلاق جهد حقيقي لتحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين”.

وبجث وزراء خارجية الدول الخمس مع ويتكوف الخطة العربية لإعمار غزة، وكذلك اللجنة الإدارية الخاصة بإدارة قطاع غزة. فيما وعدت الولايات المتحدة أنها ستعطي ردا كاملا ومفصلا على الخطة العربية التي تم إقرارها في قمة القاهرة الطارئة حول إعادة إعمار قطاع غزة نهاية مارس، وأنها طلبت من القاهرة الاطلاع على أسماء من سيديرون غزة مستقبلا.

كما كشفت المصادر، أن الولايات المتحدة طلبت من مصر إبعاد أي أسماء مرتبطة بحماس عن حكم غزة، كما تريد إدخال نقاط على خطة إعمار غزة بعد اجتماعات ثنائية.

نخلص من كل ذلك إلى، أن وعي ميزان القوى الموضوعي هو شرط مهم في إدارة الصراع، لأنه كفيل بمنح من يعيه القدرة على توظيف نقاط قوته الإيجابية والسلبية لصالحه، فهل تعي حماس حقا ذلك؟ وهل أدركت أن كل الأطراف العربية وغيرها تنظر إلى مستقبل غزة كشعب، وليس إلى إنقاذ حماس؟ وأن هناك اتفاق على أنه لن يكون هناك إعادة إعمار، أو مانحين في وجود سياسي أو عسكري إلى حماس في غزة، وأن أقدامها على خطوتين للخلف في هذه اللحظة، في سياق وعي لشرطها المفارق، هو مصلحة وطنية؟ ومتى تدرك حماس وغيرها، أن قطاع غزة حتى الآن محتل بالمعنى القانوني، حتى لو انسحب منه جيش الاحتلال؟ وأن أمريكا باتت عاملا مقررا في مستقبل غزة، وبالطبع إضافة للكيان الصهيوني كنتيجة إلى 7 أكتوبر، وأنه لا يوجد طرف عربي أو فلسطيني يستطيع مواجهة ذلك عبر ميزان قوة موضوعي يعبر عن إرادة عربية جامعة، وبالفعل وليس المناشدة والتوسل.. وحتى ذلك الحين ألا يجب على حماس أن تدرك أنها لن تكون مستقبل غزة ليس لموقف من حماس الفكرة، أو من مفهوم المقاومة الذي هو أوسع مما مثلته حماس، ولكن لأن نتائج 7 أكتوبر هي التي أدت إلى ذلك في المدى الراهن على الأقل..؟ وأن وعي ذلك، وهي تدير المفاوضات مهم جدا من أجلها هي، ومن أجل أهل غزة والقضية الفلسطينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى