بنوك لبنان تشدد القيود وسط تنامي قلق المودعين
تغذي قيود تفرضها البنوك اللبنانية على السيولة بواعث قلق لدى المودعين الذي يخشون على مدخراتهم رغم تأكيدات الحكومة بأنها آمنة من أسوأ أزمة مالية تشهدها البلاد منذ الحرب الأهلية بين 1975 و1990.
تجتاح الاحتجاجات لبنان منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول مما يفرض مزيدا من الضغوط على النظام المالي، ويعمق أزمة عملة صعبة تمنع مستوردين كثيرين من جلب السلع، الأمر الذي يدفع الأسعار للصعود ويزيد المخاوف من حدوث انهيار مالي.
جاءت استجابة البنوك -التي قيدت حدود السحب للعملة الأجنبية وأوقفت تقريبا جميع التحويلات إلى الخارج- لتلقي بضبابية كثيفة على كثير من المودعين.
وقال منير فقيه، وهو متقاعد يبلغ 66 عاما، ومدخراته بالعملة الأجنبية هي ثمرة عمله بالخارج 17 عاما: “يوجد قلق، قلق كبير: إذا كنت ادخرت طوال حياتي لجمع مبلغ ووضعته هنا، فأين سيذهب؟”.
وتابع: “نحن في أزمة كبيرة، وأنا قلق جدا على مدخراتي”.
ووصف رئيس جمعية مصارف لبنان في مقابلة مع رويترز، الأسبوع الماضي، القيود بأنها “حاجز لحماية النظام” حتى تعود الأمور إلى طبيعتها.
وقال مصرف لبنان المركزي إن “الودائع آمنة”.
لكن القلق يتنامى، فقد شهدت القيود على السحب بالدولار مزيدا من التشديد منذ بدء تطبيقها في أول نوفمبر/تشرين الثاني.
وخفض بنك بلوم، أحد أكبر البنوك في لبنان، تدريجيا الحد الأقصى الأسبوعي للسحب من 2500 دولار إلى 500 دولار هذا الأسبوع للمودعين الذين تقل حساباتهم عن 100 ألف دولار، وفي بنك عودة يبلغ الحد الأقصى 300 دولار.
وهزت الأزمة الثقة بنظام مصرفي ظل أحد أركان استقرار لبنان ما بعد الحرب.
ودور البنوك مهم في النظام من خلال جذب الدولارات من الجاليات اللبنانية الضخمة في الخارج، واستخدامها في تمويل لبنان المثقل بالديون والعجز التجاري.
وفي ظل عدم تسمية الزعامات الطائفية المنقسمة رئيس وزراء جديدا منذ دفعت الاحتجاجات سعد الحريري للاستقالة في 29 أكتوبر/تشرين الأول، تتأخر إصلاحات ضرورية لانتشال الاقتصاد من الأزمة، ويخشى المودعون من أن أموالهم لم تعد في مأمن.
وقال مودع عرف نفسه باسم مايكل، وهو قلق على مدخراته التي جمعها على مدار 7 سنوات من العمل في أفريقيا: “لا أثق بالحكومة عندما يقولون إن أموالي آمنة في البنوك نظرا لعدم مصداقيتهم. هذا ما اكتشفناه”.
وقال مروان ميخائيل، مدير البحوث لدى بنك بلوم إنفست: “يسحب الناس المال كل أسبوع، بالقدر الذي يسمح لهم به البنك”.
“المشكلة أن البنوك لا تعرف إلى متى ستستمر هذه الأزمة، لذا تأخذ في الحسبان الرغبة في الاستمرار لأقصى وقت ممكن”.
“حيرة تامة”
قال بعض المودعين إنهم سيسحبون بقية مدخراتهم إذا استطاعوا، مبدين ندمهم على أنهم لم يفعلوا ذلك مسبقا.
وقال أنطوان بويز (42 عاما) ويعمل في الخدمات المالية: “نحن في حيرة تامة. لا أعرف ما هو آمن وما هو ليس بآمن”، مضيفا أن الحد الأقصى للسحب الأسبوعي البالغ 500 دولار لا يكاد يغطي احتياجاته.
وتسببت الاحتجاجات، التي أطلقها الغضب من طبقة حاكمة يراها المحتجون تنهب لبنان، في إبطاء اقتصاد ضعيف بالفعل. وقامت شركات عديدة بتسريح عاملين أو خفض الأجور وتشغيل العمال بدوام جزئي.
وعلى الساعين للدولارات الاعتماد على سوق موازية باهظة التكلفة، حيث الليرة منخفضة 40% عن سعر الصرف الرسمي، الثلاثاء.
وينوء لبنان بأحد أعلى مستويات الدين العام في العالم، ومن المنتظر أن تتعرض احتياطيات النقد الأجنبي لديه لمزيد من الضغوط هذا الأسبوع عندما يحل استحقاق سندات دولية بقيمة 1.5 مليار دولار.
وقال مودع كان عليه أن يُثبت أنه في حاجة لشراء دواء لوالدته ليتمكن من سحب ألف دولار: “البنك يجعلك تشعر بأنك تتسول للحصول على مالك”.
وأضاف: “أشك بأن يعود اللبنانيون إلى وضع أموالهم في البنوك”.