أخيراً، تكشَّفَ هدف السعودية من إخفاء لوحة للسيد المسيح لـ3 سنوات بعدما اشترتها بـ 450 مليون دولار
واحد من أكبر ألغاز عالم الفن حالياً هو قيام السعودية بشراء لوحة “سالفاتور مُندي” التي رسمها ليوناردو دافنشي، بقيمة 450 مليون دولار وإخفاؤها عن الأنظار.
أثارت السعودية هذا اللغز عندما اشترت اللوحة قبل ثلاث سنوات، ومن حينها، أخفت المملكة أغلى لوحة في العالم عن الأنظار، مما أثار تساؤلات حول مصيرها.
إلا أن بعض الإجابات بدأت في الظهور الآن. إذ تخطط وزارة الثقافة الجديدة في المملكة لمواصلة تخزين هذه التحفة الفنية حتى تتمكن من بناء متحف جديد للكشف عنها، وفقاً لأشخاص مطلعين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
خطة سعودية لتصبح المملكة وجهة فنية رئيسية
وهذه الخطط -التي ظلت سرية حتى الآن- جزء من مسعى سعودي تبلغ قيمته مليارات الدولارات لتصبح السعودية وجهة فنية دولية رئيسية، لم يُكشف عن نطاقها مسبقاً.
ولكن لعل ما يدعو للدهشة أن الحكومة السعودية لا تريد أن يُنظر إلى لوحة دافنشي الشهيرة على أنها نجمة حملة الفن في البلاد. إذ يقول بعض مسؤوليها الثقافيين إنهم لا يريدون أن تطغى على الأعمال الأخرى التي يريدون عرضها، والتركيز القوي على الثقافة السعودية والفن الإسلامي.
يقول ستيفانو كاربوني، الرئيس التنفيذي لهيئة المتاحف الجديدة بالوزارة: “إنها مسألة التصور. إذا وضعنا تلك اللوحة على ملصق، فماذا ستخبرنا عن الهوية السعودية”. ويقول إنه يفكر في خطة لبناء متحف للفنون الغربية قد تُعرض فيه لوحة دافنشي، بجوار متحف آخر يركز على الفن الإسلامي.
ومحتوى اللوحة قد يثير أزمة
تصور اللوحة التي تعود إلى 500 عام مضت المسيح ويده مرفوعة، علامة على المباركة، وقد يعتبر البعض عرضها عملاً استفزازياً في بلد يفتخر بأنه مهد الإسلام. ورغم الجهود الأخيرة للتحرر الاجتماعي، أعاق انتقاد سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان بعض الجهود الأولية لجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.
يقول محمد فايز، نائب وزير الثقافة: “كنا دولة مغلقة لفترة طويلة، ولدينا الآن فرصة الآن كي يتعرف الناس علينا. لقد كُتب الكثير عن لوحة واحدة بعينها، ولكن علينا التركيز على الأشياء الضخمة التي نحاول فعلها”.
وقال جامع الأعمال الفنية أرنوت هيلب من أمستردام، الذي يحتوي متحفه Greenbox للفن المعاصر من السعودية على أكثر من 100 قطعة اشتراها خلال العقد الماضي، إنه سعيد لأن البلاد تريد أن تكون أكثر انفتاحاً أمام الأجانب المتذوقين للفن. لكنه لا يزال متخوفاً من الدعم الحكومي للفنانين.
ويقول: “إذا كنت أظن أن فناناً يصنع فناً يناسب الحكومة، فلن أشتريه. أعتقد أن العائلة المالكة لديها اهتمام حقيقي بالفن، ولكن لا يمكنك تركيز دعاية ضخمة على هذا. أنت بحاجة أيضاً إلى فنانين يمكن مناقشة أعمالهم ودعمهم”.
ورفض متحدث باسم وزارة الثقافة السعودية التطرق مباشرة للتحديات المحتملة حول المشكلات السياسية، لكنه قال إن البلاد “تنفذ العديد من المبادرات التي تهدف لدعم وتوفير منصات للمواهب الإبداعية”. وأضاف: “الانفتاح على السياحة وتنمية العلاقات مع الشركاء الدوليين في عالم الفن يشجع على أن تصبح المملكة وجهة ثقافية”.
قصة قيام السعودية بشراء لوحة “سالفاتور مُندي”
وقد كلف محمد بن سلمان الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بإنشاء وإدارة أول وزارة للثقافة في بلاده، وتعزيز العلاقات مع عالم الفن على مستوى العالم. وكان الأمير بدر يشتري اللوحات الفنية الثمينة في المزادات، وكان منها لوحات لفنانين مثل بابلو بيكاسو وجان ميشيل باسكيات ويايوي كوساما وديفيد هوكني، وفقاً لأشخاص مطلعين على مشترياته.
وكان الأمير بدر هو من قدم العطاء الأعلى لشراء لوحة دافنشي في دار مزادات كريستيز منذ ثلاث سنوات. وقد أنكر الأمير بدر في البداية أنه اشترى اللوحة. ثم قال إنه قدم العطاء بصفته “داعماً صديقاً” لمتحف اللوفر الجديد في أبو ظبي بدولة الإمارات. وقال إن هذا المتحف كان سيكشف النقاب عن اللوحة العام الماضي، لكنه لم يفعل.
وقبل أن يشتريها السعوديون، كان الغموض محيطاً بلوحة “سالفاتور مُندي” لعقود. وقد رآها اثنان من تجار اللوحات الفنية في نيويورك أثناء بيع عقار في ولاية لويزيانا الأمريكية عام 2005 وباعاها لمستشار رجل أعمال روسي ثري أعاد بيعها في وقت لاحق في مزاد كريستيز. وزادت الضجة المحيطة بتاريخ لوحة دافنشي وأصلها وسعرها الخيالي من شهرتها.
قال كاربوني، رئيس هيئة المتاحف السعودية: “إذا كانت لوحة دافنشي جزءاً من تراثنا الوطني، فإننا سنعرضها بالطبع”. لكنه يقول إن طموحات المملكة تتجاوز بكثير هذه التحفة الفنية القديمة. وقال كاربوني، الذي شارك في السابق في إدارة القسم الإسلامي في متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك وانضم إلى الوزارة السعودية في أواخر فبراير/شباط، إنه يريد أن تستقطب المتاحف السعودية مواطنيها بشكل أساسي إلى جانب السياح أيضاً.
وقال مسؤولون إن بعض المتاحف الجديدة، التي لم يعلن عن تفاصيلها من قبل، سوف تعرض العناصر الرئيسية لتاريخ البلاد، مثل النفط والبخور والبازلت والخط العربي.
وتاريخياً، تجسد الفن السعودي في مزيج من التأثيرات والزخارف البدوية والعثمانية والأوروبية. ويعتبر رائد الفن المعاصر عبدالحليم رضوى، المتوفى عام 2006، بيكاسو السعودية؛ وقد اكتسب جيله شهرة في الستينيات في رسم مشاهد تكعيبية من المدينة ومشاهد صحراوية هادئة امتزجت بعناصر العمارة الإسلامية والخط العربي.
انتقاد خفي للسلطة من الفنانين السعوديين
ويشتهر رواد الفن المعاصر في الوقت الحالي مثل أحمد ماطر وعبدالناصر غارم وأحمد عنقاوي باستخدام مواد غير عادية مثل صور الأشعة السينية والمغناطيس والطوابع والميكروفونات، وهو ما فسّره بعض النقاد بأنه انتقاد خفي للحكومة أو طريقة لمعالجة القضايا العالمية مثل ترقية الأحياء الفقيرة والبيئة.
وتبدأ المملكة أيضاً مسعى جديداً للحفاظ على التراث. وفي حين أن الدول المجاورة لها مثل قطر والإمارات اضطرتا في كثير من الأحيان إلى شراء أو استيراد الأعمال الفنية لعرضها في متاحفهما، تنطوي استراتيجية السعودية أيضاً على استكشاف وعرض الأعمال الفنية المحلية في المناطق التاريخية مثل الدرعية، وكذلك في المدن الأثرية على طول الساحل الغربي.
ويتضح هذا بشكل خاص في محافظة العلا، وهي منطقة صحراوية صخرية في شمال غرب البلاد تشتهر بمقابرها الصخرية التي تشبه البتراء. وقالت الهيئة الملكية لمحافظة العلا إنها أنفقت في العامين الماضيين مليار دولار على جهود التنشيط في المنطقة -و3 مليارات دولار أخرى- لمحاولة تحويل هذه المنطقة التي كانت مهملة يوماً إلى وجهة ثقافية وسياحية تضم متاحف عديدة.
وكانت العلا هي ما أقيم بها معرض ديزيرت إكس المثير للجدل في وقت سابق من هذا العام. وقد دعت رنيم فارسي، أحد أمناء المعرض، فنانين عالميين مثل الفنان الإماراتي محمد أحمد إبراهيم للمشاركة، لكنها قالت إن فنانين سعوديين -مثل مهند شونو ومنال الضويان- الذين يريدون عرض أعمالهم يستحقون أيضاً نظرة أكثر قرباً، بعيداً عن السياسة.
وقالت رنيم: “لماذا يجب ربط السياسة بكل شيء نبتكره؟”.
فيما يقول فنانون مثل شونو، إنهم يريدون أن يُحكَم عليهم من فنهم وليس من أي تصرفات أخرى متصلة بالحكومة.
طموحات السعودية الفنية الجديدة
تدور فكرة أحد متاحف البحر الأحمر، المقرر افتتاحه عام 2022، عن الطريقة التي ساعدت بها الثقافات المتنوعة والتجارة البحرية في تشكيل جدة، المدينة الواقعة على الساحل الغربي للبلاد التي طالما شكلت مشهداً فنياً هادئاً ولكن ذا مصداقية.
تقول منى خزندار، مستشارة وزارة الثقافة التي كانت تدير معهد العالم العربي في باريس، إن فريقها يعمل على فتح متحف آخر في منزل مستقل بجدة، سيخصَّص لطارق عبدالحكيم ملحن النشيد الوطني السعودي “الذي كان منسياً”، إلى جانب معروضات لأدواته وأزياء فرقته.
ويجري التخطيط لما لا يقل عن سبعة متاحف صغيرة في محافظة العلا، منها متاحف تستكشف الحياة القديمة في إحدى الواحات وتعرض تماثيل وأجزاء من الفخار جُمعت من مواقع حفر قريبة. وألان شوارتزمان، الذي شارك سابقاً في قيادة قسم الفنون الجميلة في شركة Sotheby، عضو في المجلس الاستشاري للهيئة الملكية لمحافظة العلا وقد اُستعين به للمساعدة في اختيار أعمال جديدة لفنانين معاصرين لعرضها في متاحف العلا.