أسباب تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر رغم نجاح منظومة الإصلاح الاقتصادي
يشهد النظام الاقتصادي المصري مؤخرًا العديد من التقلبات بالرغم من تطبيق نظام الإصلاح الاقتصادي بنجاح، ولعل من الأشياء المثيرة هو انخفاض الاستثمار الأجنبي بحسب بيانات البنك المركزي عن ميزان المدفوعات، حيث سجل الصافي المباشر خلال العام المالي الماضي نحو 5.9 مليار دولار مقابل نحو 7.7 مليار دولار خلال عام 2017 ــ 2018، بنسبة تراجع 23.5% الأمر الذي نتج عنه تساؤل حول لماذا انخفض الاستثمار الأجنبي على هذا النحو؟.
توترات تجارية
”التوترات التجارية العالمية في الغالب تقلل من تحركات رأس المال“، هذا ما أكد عليه الدكتور محسن عادل، الخبير الاقتصادي، مشيرًا إلى أن انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر جاء نتيجة لانخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا، بجانب زيادة مخاطر الاقتصاد العالمي، مع تصاعد نزعة الحماية التجارية، كحال الولايات المتحدة الأمريكية والصين مؤخرًا.
وأضاف الخبير الاقتصادي في تصريحات خاصة لـ ”إرم نيوز“ أن أفريقيا كانت من القارات الأكثر حظًا، فقد استطاعت أن تنجو من تبعات الانخفاض العالمي في الاستثمار الأجنبي المباشر، وبلغ الاستثمار الأجنبي في القارة 46 مليار دولار عام 2018، بزيادة قدرها 11% عن العام السابق.
وعن الوضع المصري، قال إن مصر ظلت الأكثر استقطابًا للاستثمارات الأجنبية بالمنطقة، وهو ما أدى لارتفاع نسبة مصر من إجمالي الاستثمار العالمي على الرغم من تراجع القيمة مع حفاظها لثلاثة أعوام متتالية على صدارة الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي في أفريقيا والمركز الثاني على مستوى المنطقة العربية.
وأوضح، أن ثمة مشكلات هيكلية كانت تقف فى طريق الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، وهي السبب في تراجعه.
وقال إن من ضمن هذه المشكلات، استمرار البيئة الحالية ذات أسعار الفائدة المرتفعة نسبيًا رغم التخفيضات الأخيرة، فالزيادات المتتالية في أسعار الفائدة أثرت على تدفقات الاستثمار بجميع أشكاله، فتلت كل زيادة في أسعار الفائدة انخفاضًا في الاستثمار الخاص، حيث إن ارتفاع تكلفة التمويل أدى إلى عزوف المستثمرين عن ضخ استثمارات جديدة.
وواصل أن ارتفاع أسعار الفائدة أدى إلى توجيه فوائض الأموال المتاحة للاستثمار لشراء أدوات الدين لارتفاع العائد وانخفاض المخاطر.
مرتبة متأخرة
وأشار إلى أن مصر كانت من بين البلدان الأكثر تحسنًا في مؤشر البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال، لكنها جاءت أيضًا في مرتبة متأخرة، كما تحتل مصر المرتبة الـ93 من بين 140 دولة في مؤشر التنافسية العالمي التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي وهو ما يستدعي جهودًا متكاملة لتحسين ترتيب مصر في هذه المؤشرات وبقوة.
وفي سياق متصل يقول الدكتور إبراهيم السيد، الخبير الاقتصادي إن قطاع النفط والغاز والتعدين الهدف الرئيسي لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على المدى القصير في ضوء الاكتشافات الجديدة، إلا أن انخفاض أسعار الفائدة وتنامي ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري من شأنه أن يدعم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى القطاعات الأخرى، ومع ذلك فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة تحتاج إلى أكثر من مجرد تحسن في أسعار الفائدة.
وأوضح لـ ”إرم نيوز“ أن الدولة المصرية تحتاج الكثير من الإصلاحات الهيكلية لمعالجة كل ما يعيق حركة الاستثمارات الأجنبية، مثل حالة جمود سوق العمل، والسعي لجعله أكثر مرونة، وكذا مكافحة صعوبة الشراكة مع القطاع الخاص.
منهج متكامل
وطالب الخبير الاقتصادي، الحكومة المصرية بتبني منهج متكامل لآليات تنشيط الاستثمار الأجنبي، عن طريق استكمال إصلاح البيئة التشريعية في مصر، والحد من التعقيدات، مع الشفافية والوضوح لكل ما يدور بحيث تصبح أقل تعقيدًا وأكثر شفافية مع توفير حوافز تشجيعية فى إطار قانون الاستثمار الجديد وإعطاء أولوية لتنمية المناطق الجديدة والتي تعد من الأماكن الواعدة لمشروعات كبيرة.
وبين الدكتور إبراهيم أنه لكي نوقف تراجع حركة الاستثمار الأجنبي لابد من بناء شبكة علاقات قوية تتضمن جميع الجهات المعنية بالاستثمار، الحكومية وغير الحكومية، تجمعات المستثمرين ورجال الأعمال فى مصر وخارجها، وغيرهم.
وأردف أن استبدال التشريعات العديدة الخاصة بالأراضي بقانون موحد ومبسط لإدارة أراضي الدولة، وزيادة مخصصات هيئة التنمية الصناعية من الأراضي لطرحها على المستثمرين وفق آليات موضوعية وشفافة من شأنه تحفيز الاستثمارات الأجنبية في مصر.
وألمح إلى أن قلة المناطق الحرة من شأنها إبعاد المستثمرين لكونها تشكل عنصرًا أساسيًا في المنظومة الاقتصادية الشاملة، فالمناطق الحرة تسهم في نمو الناتج الإجمالي، كما أنها أحد الحلول المبتكرة التي لجأت إليها الكثير من الدول، لذا فإن جذب الاستثمار يستدعي التوسع في إنشاء مناطق حرة جديدة بهدف جذب المستثمرين.
وتابع أن أغلب المستثمرين ما زالوا يخشون الاستثمار في مصر بسبب ارتفاع سعر الفائدة على الإقراض“، كما أن الغلاء الناتج عن الإصلاح ساهم بقوة في تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي، وذلك لانخفاض الطلب على السلع والخدمات نتيجة ضعف القوة الشرائية للجنيه المصري الذي أفقده قرار التعويم الكثير من قيمته.
ويرى الدكتور كريم عادل الخبير الاقتصادي أن انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر للعام الثاني على التوالي يرجع إلى عدة أسباب بعضها محلية وبعضها عالمية؛ فقد جاء ذلك نتيجة لانخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا تحت وطأة تنامي مخاطر الاقتصاد العالمي، وتصاعد نزعة الحماية التجارية؛ حيث إن التوترات التجارية العالمية عادةً ما تحد من تحركات رأس المال؛ حيث شهدت الفترة الأخيرة تصاعد التوترات التجارية مع سعي الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة موقفها التجاري وإجراء اتفاقات جديدة بينها وبين العديد من الدول والأسواق ترى أنها ستكون أكثر عدالة، وهو ما أدى أثناء ضغطها في المفاوضات بينها وبين هذه الدول إلى تصاعد نزعة الحماية التجارية وحدوث توترات خاصة مع الصين.
وتابع عادل لإرم نيوز أنه بحسب تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ”أونكتاد“، تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا بنسبة 13% خلال عام 2018، وانخفضت التدفقات الاستثمارية من 1.5 تريليون دولار في السنة السابقة عليها إلى 1.3 تريليون دولار.
جذب الاستثمار
ونوه إلى أن مصر احتفظت بمركزها على قمة قائمة أفضل 10 دول الأكثر جذبًا للاستثمار.
وكشف أنه على المستوى المحلي، فإن من بين أسباب تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، وجود اختلالات هيكلية طويلة الأمد تقف في طريق الاستثمار، ومنها استمرار البيئة الحالية ذات أسعار الفائدة المرتفعة، والترتيب العالمي المتدني لبيئة الأعمال.
وأشار إلى أن من بين أسباب تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، الظروف المحلية المتعلقة بالارتفاع المتتالي لتكلفة الطاقة، والتعديلات الضريبية المستمرة، ما من شأنه التأثير على الاستثمارات الأجنبية خاصة في قطاعات غير التعدين والغاز الطبيعي الذي حظي بتدفقات كبيرة نسبيًا نظرًا للاستكشافات الجديدة.
وألمح إلى أن الدولة المصرية جادة في العمل على إصلاحات هيكلية إضافية تعالج العوائق المزمنة للاستثمار، بما في ذلك الجهود المبذولة لتحسين بيئة الأعمال، ومرونة سوق العمل ومكافحة الفساد.