أوسلو من إنجاز وطني .. إلى اتفاق يدعو للخجل..!

سليم ي. الزريعي

 كتب رئيس تحرير وكالة أخبار فلسطينية  ممن كانوا قد تبنوا مشروع أوسلو “لا يزال جيلنا، نحن الذين فجرنا الانتفاضة البطولية الأولى يشعر بالخجل لأننا وافقنا على خدعة السلام مع الاحتلال ووافقنا على أوسلو.. نشعر بذلك أمام أولادنا وهم ينظرون إلينا بعين الشفقة ويسألوننا (وهل فعلا صدقتم أن “إسرائيل” وافقت على السلام وأنها سوف تنسحب من كامل حدود 67 وتنفذ وعدها في العام 1988 بإقامة دولة فلسطينية لها حدود ومطار وميناء؟”.

المشكلة هل يمكن لعاقل  يمتلك الحد الأدنى من الوعي والمعرفة بطبيعة الكيان الصهيوني ومشروعه الإحلالي الذي يقوم على نظرية “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، أن يصدق أو يثق بوعود الكيان الغاصب، وهل كانت القيادة المتنفذة في حينها تعيش حالة كي للوعي جعلتها تكيف مواقفها وفق مصالحها نظرا لقصر نظرها الفكرية والسياسية وموقعها الطبقي؟ ثم ألا يشكل استمرار مكابرتها بمحاسن أوسلو رغم انكشاف بؤسه وخطورته في وقت مبكر إلا أنها أصرت على التماهي فيه، كان من نتيجته كل هذا الخراب على الصعيدين الفلسطيني والعربي وهذا التهافت الرسمي والشعبي العربي على الكيان الصهيوني، الذي أعقب أوسلو. بأن جعل المتهافتين والمتآمرين في النظام العربي دولا وأفرادا يتذرعون بأن الفلسطينيين قد اعترفوا  بالكيان الصهيوني، في حين أن مشروع أوسلو كان خيار طرف فلسطيني متنفذ واحد، كان قد استحوذ على منظمة التحرير وقرارها منذ زمن مدعوما من النظام العربي والدولي..

في حين أن جزءا كبيرا من الشعب الفلسطيني وقواه الحية كانت  قد رفضت وجرمت ذلك المسار كونه كان خطيئة ، إن لم يكن خيانة لتضحيات الشعب المكافح الممتتدة  طوال عقود  .

ومع ذلك لا يخجل المناضل إلا من فعل أو سلوك يدعو للخجل، وأوسلو كانت وفق المعيار الكفاحي مما يُخجل منه كونها خطيئة سياسية وفكرية وعارا بالمعنى الأخلاقي،  ولذلك يبقى العار عارا لا يمحى والخطيئة خطيئة لأنها ما تزال مستمرة عبر التنسيق الأمني، وغيرها من نتائج أوسلو التي  يدفع الشعب الفلسطيني ثمنها حتى الآن.

ولعل المأساة الأكبر هي في تصور أن في قدرة أصحاب مشروع أوسلو قيادة مشروع كفاحي بديل وفق مقاربات وخيارات فكرية وسياسية وكفاحية مناقضة للمشروع الذي هندسوه باعتباره إنجازا وطنيا في حينها وربما ما يزال لدى البعض، في حين أن الكيان الصهيوني وظف ذلك الاتفاق في التهام الضفة وتهويد القدس.. بل واتهام من يدينه بقصر النظر وخيانة آمال الشعب الفلسطيني في إقامة دولته في 22% من مساحة فلسطين التاريخية. متجاهلين سواء عن وعي أو بدونه أن كل الأمر منوط بما يمنحه الكيان الصهيوني لهم ليس من رأس المال ولكن من الأرباح ، وليس بناء على ميزان قوى يجبر العدو على ذلك، ولكن اعتمادا على ما اعتبروها النوايا الطبية  للكيان الغاصب، وتلك أحد أسوأ التقديرات السياسية الغبية، وذلك لأنه من الصعب على عقل سياسي واع صامد عركته التجربة أن يقع فيها،  وإنما هي في الجوهر أحد مخرجات عقل مهزوم زين ما جرى على أنه انتصار في ظل حملة ديماغوجية غير مسبوقة شاركت فيها قوى إقليمية ودولية.

ومع أنه سرعان ما انكشف هذا التضليل. فقد  أصر أصحاب أوسلو على السير فيه سرا وعمليا،  ولعْنِهِ علنا في ازدواجية سياسية وفكرية، لم تستطع الصمود أمام قوة الوقائع الملموسة عبر سياسة التهويد والضم وزرع لضفة بقطعان المستوطنين وتهويد القدس، ولعل أبرزها وأهمها هو ما يدور الآن في الأراضي الفلسطينية الممتدة  من الناقورة حتى رفح وصولا إلى أم الرشراش في أقصى الجنوب الشرقي من فلسطين التاريخية.

إن أحد بديهيات العمل السياسي ناهيك عن النضالي سواء كان هذا النضال سياسيا شعبيا أو  عنفيا، هو أن يترك أصحاب مشروع أوسلو على مستوى القيادة المتنفذة قيادة المرحلة المقبلة  لمن هم أقدر ممن لم تلوثهم أوسلو بخطيئتها، وأعتقد أن في فتح وغيرها من القوى الفلسطينية ممن فجروا الانتفاضة الأولى والثانية والراهنة، من هم قادرون على أن يواجهوا الاحتلال ومشروعه في فلسطين بدلا من أولئك المهزومين ممن ارتكبوا خطيئة أوسلو بكل الآثار الكارثية التي نتجت عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى