اختبار رئيس الحكومة التونسية الجديد.. “الباغيت” أولا
لمواجهة أزمة اقتصادية خانقة، جاء تعيين رئيس الحكومة التونسية الجديد أحمد الحشاني ليخلف حكومة نجلاء بودن التي عجزت عن حلحلة المشاكل.
والحشاني الذي تم تعيينه يوم 1 أغسطس/آب الجاري، كان يشغل منصب المدير العام للشؤون القانونية في البنك المركزي التونسي، قبل أن يحال على شرف المهنة في عام 2018 (متقاعد منذ خمس سنوات)، وتأتي مهمته في خضم أزمة اقتصادية واجتماعية ومالية خانقة لم تشهدها تونس منذ الاستقلال سنة 1956.
وتنتظر رئيس الحكومة الجديد أحمد الحشاني ملفات عدة كما يواجه تحديات اقتصادية مهمة، في وقت لم تستطع حكومة بودن من التقدم في ملف الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار، في حين نجحت في الملفات السياسية من ناحية إنجاح الانتخابات التشريعية والدستور الجديد.
ولم تتمكن حكومة نجلاء بودن على مدى عامين من تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد بل تعمق أكثر بتسجيل نسب تضخم قياسية تجاوزت 10 في المئة في أواخر 2022، مع تراجع لافت لقيمة الدينار التونسي أمام اليورو الذي وصل إلى مستوى قياسي، إذ صار واحد يورو يساوي 3.4 دينار تونسي منذ بضعة أيام.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد خلال موكب تنصيب رئيس الحكومة الجديد، وهو يخاطبه، دعا التونسيين إلى العمل والكفّ عن الإضرابات وتعطيل العمل من أجل مطالب قطاعية لخلق الثروة والخروج من الأزمة، وفُهم من ذلك أنها رسالة مباشرة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل وتكليف جديد مناط بعهدة الحكومة الجديدة.
وعاشت تونس على وقع إضرابات في جميع القطاعات أبرزها قطاع التعليم والفوسفات وغيرها من القطاعات.
تحديات الحكومة الجديدة
وأكد حسن عبد الرحمن الخبير الاقتصادي التونسي أن رئيس الحكومة الجديد سينكب على ملفات معقدة ومهمته عسيرة جدا في هذا الوقت بالذات.
وأوضح في تصريحات أنه خلافا لمشاكل الهجرة غير النظامية وتداعياتها، يتعين على هذا الرجل إيجاد حلول سريعة لمشكلة توفر المواد الأساسية وخاصة الخبز وما يتعلق به من مشاكل عدم توافر الحبوب في تونس ومشاكل الأزمة الأوكرانية الروسية.
وأشار إلى أن توفير الخبز أصبح الهدف الأول المعلن لحكومة الرئيس سعيّد وهو بمثابة الخط الأحمر الذي يمنع تجاوزه، فتاريخيا ارتبط فقدان الخبز أو الترفيع في أسعاره، باضطرابات خطيرة حصلت في الماضي بتونس أشهرها ثورة الخبز في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
والخبز يطلق عليه التونسيون اسم “الباغيت” (التسمية الفرنسية) وهو مادة أساسية ترافق جميع الأكلات، إضافة إلى رمزيته في تاريخ تونس الحديث.
وفي تلميح لتلك الأحداث، يردد الرئيس سعيّد بشكل متواتر في خطاباته بضرورة حماية “السلم الأهلية” حتى لو أدى ذلك إلى رفض اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي المعلق منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، لتفادي أي شروط تهدد نظام الدعم الذي يمكن أن يطال منتجات العجين ومن بينها الخبز.
وتابع “كما يتعين عليه العمل على إصلاح مسائل عدة أهمها تحسين الوضعية المالية للبلاد وتقليص نسب المديونية كما يتوجب عليه إصدار حزمة من الإجراءات والقرارات المهمة لتسهم في تحسين مناخ الأعمال في البلاد المتعثر”.
وزاد” قرض صندوق النقد الدولي يجب أن تتحصل عليه تونس بالرغم من قيمته الضئيلة إلا أنه سيفتح البلاد على تمويلات أجنبية أخرى”.
وأضاف “هذا الملف يظل الأصعب أمام رئيس الحكومة الجديد في ظل رفض رئيس الدولة قيس سعيد إملاءات الصندوق في خصوص رفع الدعم بشكل خاص وبخصوص التفويت في المؤسسات الحكومية التي تعاني أزمات مالية “.
ملف الديون
من جهة أخرى، قال الخبير الاقتصادي التونسي عز الدين سعيدان إن ملف الديون الخارجية يعتبر من أبرز الملفات التي تواجه رئيس الحكومة الجديد أحمد الحشاني.
وأكد في تصريحات أن تونس مطالبة خلال هذا العام بسداد ديون خارجية مقدرة بنحو 14 مليار دينار (4.6 مليار دولار).
وتابع أن “آخر تقرير للمؤسسة المالية للدولة أشار إلى عدم قدرة الوفاء بسداد ديونها الخارجية بداية من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل.”
وأشار إلى ضرورة الشروع في الإصلاحات الاقتصادية وإرجاع الاقتصاد للقيام بدوره الأساسي من خلال خلق النمو والثروة ومواطن الشغل.
وأكد أن تونس تمر بوضع صعب جدا من ناحية المالية العمومية، قائلا “الدولة التونسية مبذرة وتلتهم قرابة نصف الناتج الإجمالي لتغطية نفقاتها دون أي جدوى اقتصادية مع شلل كامل للاستثمار العمومي وهذا يضر بمصلحة البلاد”.
وقد سجلت مستويات التضخم بالبلاد، في يونيو/حزيران الماضي، 9.3 بالمئة، بتراجع طفيف عن شهر مايو/أيار الذي سجل 9.6 بالمئة، وفي ثاني انخفاض للتضخم على التوالي.
بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء، فقد بلغ معدل التضخم 10.1 بالمئة في أبريل/نيسان، وسجل أعلى مستوى عند 10.4 بالمئة في فبراير/شباط.
وخفّضت وكالة فيتش، منتصف العام الجاري، تصنيف تونس الائتماني من CCC+ إلى CCC- بسبب تأخيرات في المفاوضات للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.
ووفقا لفيتش، تعتمد خطة التمويل الحكومية على أكثر من 5 مليارات دولار من التمويل الخارجي، كان يُعتقد أن يتم توفير غالبيتها من صندوق النقد. وذلك في وقت وصلت فيه المفاوضات بين تونس والصندوق إلى طريق مسدودة.