الأسئلة الأساسية تاهت في التفاصيل.. متى وكيف بدأ صراع الغاز في شرق المتوسط؟
لا أحد يعرف إلى أين قد يصل التوتر القائم حالياً في منطقة شرق المتوسط بعد أن اختلط الحابل بالنابل وتداخلت الخيوط وتشابكت المصالح ولم تعد القصة مرتبطة فقط باكتشافات الغاز والنفط في المنطقة، فالتاريخ والجغرافيا والأيديولوجيا نسجت شبكة يبدو أنها تحتاج لمعجزة كي لا تصل لنقطة الصدام العسكري، وهذا ما يجعل العودة لأصل القصة وبدايتها أمراً حتمياً لمن يريد الفهم، فمتى وكيف بدأت تلك الضجة؟
متى بدأت مياه شرق المتوسط في اكتساب تلك الأهمية؟
إذا كان التوتر الحالي في منطقة شرق المتوسط مرتبطاً باكتشافات الموارد الطبيعية في قاع المياه، فلماذا لم تصل الأمور لما وصلت إليه اليوم منذ إظهار المسح الجيولوجي عن تلك الموارد قبل أكثر من نصف قرن؟ نعم، اكتشافات الغاز والنفط في منطقة شرق المتوسط ليست وليدة السنوات القليلة الماضية، فحتى قبل عام 2010، كانت مصر وقبرص وإسرائيل تمتلك بالفعل حقولاً للغاز الطبيعي في المنطقة.
لكن بداية من عام 2010 بالتحديد، اتخذت منطقة مياه شرق المتوسط أهمية خاصة بعد أن أظهر معهد المسح الجيولوجي الأمريكي أن المنطقة تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي حول العالم، مقدرة ذلك الاحتياطي بأكثر من 3500 مليار متر مكعب من الغاز، إضافة لأكثر من مليار و700 ألف متر مكعب من النفط، وهو ما يمثل فرصة ضخمة أمام الدول المطلة على شرق المتوسط لتحسين ظروفها الاقتصادية من ناحية، ويمثل أيضاً فرصاً استثمارية مغرية للشركات الدولية العاملة في مجال الطاقة وأبرزها إكسون موبيل وشل الأمريكيتان وتوتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية من ناحية أخرى.
متى بدأت اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية؟
وقد يتبادر للذهن أن اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها بعض الأطراف أواخر العام الماضي وخلال العام الجاري هي السبب المباشر في التوترات الحالية، لكن الحقائق أيضاً تدحض هذه الفرضية؛ فقد وقعت مصر وقبرص اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الخالصة بينهما منذ 17 عاماً، أي عام 2003، كما وقعت قبرص اتفاقية مشابهة مع إسرائيل عام 2005 وبعدها بعامين وقعت قبرص أيضاً نفس الاتفاقية مع لبنان – عام 2007 – رغم أن لبنان لم يصدق عليها رسمياً حتى اليوم، كما وقعت إسرائيل والأردن اتفاقاً ثنائياً أيضاً – رغم أن الأردن ليس من الدول التى لها شاطئ أو مياه إقليمية على البحر المتوسط.
ولم تحظَ تلك الاتفاقيات بالزخم أو الضجة التي صاحبت – على سبيل المثال – توقيع اليونان وإيطاليا اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة بينهما في بحر إيجه في الأسابيع الماضية، وهو دليل آخر على أن ما تتم الإشارة إليه حالياً على أنها “حرب الغاز في منطقة شرق المتوسط” ليس بالضرورة توصيفاً دقيقاً، أو على الأقل لا يعتبر الغاز والنفط السبب الوحيد للتوترات الحالية، كما سيتضح لنا من مسار الأحداث منذ 2010 وحتى اليوم.
ضربة البداية جاءت من قبرص
الدول التي تمتلك مياهاً إقليمية في منطقة شرق المتوسط هي مصر وليبيا وفلسطين وإسرائيل ولبنان وسوريا وتركيا وقبرص واليونان وإيطاليا، ويختلف طول شواطئ ومساحة كل دولة، وهذا الاختلاف يمثل نقطة جوهرية في الطرح القانوني الذي تنطلق منه كل دولة في الصراع الجاري حالياً.
وتعتبر قبرص هي حجر الزاوية في التوتر الحاصل حالياً لأسباب تاريخية بالأساس؛ فمنذ عام 1974 تنقسم قبرص إلى جمهورية قبرص الرومية – بحسب التوصيف التركي – وجمهورية قبرص التركية (معترف بها من جانب أنقرة فقط)، ولا تزال محادثات إعادة توحيد الجزيرة (قبرص) تراوح مكانها، وعندما أظهر المسح الجيولوجي وجود كميات ضخمة من الغاز والنفط، بدأت قبرص الرومية توقيع اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع الدول التي تشترك معها في مياه شرق المتوسط، مثل مصر وإسرائيل ولبنان، وأجرت مناقصات لشركات عالمية للتنقيب عن الطاقة في مياه اعتبرتها ملكية خاصة بها.
ويمكن القول إن ضربة البداية الفعلية للصراع الحالي في شرق المتوسط جاءت من قبرص، إذ إنه منذ اكتشاف أول حقل للغاز الطبيعي في المنطقة حول شواطئ قبرص عام 1999، حاولت تركيا ثني الإدارة القبرصية عن اتخاذ أي خطوات أحادية في هذا الشأن دون أخذ حقوق قبرص التركية في الحسبان، حيث كانت تدور مفاوضات بإشراف الأمم المتحدة لإعادة توحيد قبرص، وفي عام 2004 قدم كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة وقتها خطة لتنفيذ إعادة توحيد قبرص بالفعل كانت تحظى بموافقة مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، لكن أثينا تدخلت وأفشلتها.
وبالتالي فإن تركيا تعتبر أن تلك التحركات التي قامت بها قبرص الرومية فيها تعدٍّ على حقوق قبرص التركية وتركيا ذاتها في المنطقة، اعتماداً على نقطتين؛ الأولى تتعلق بحق القبارصة الأتراك، والثانية تتعلق بأن ما تعتبره قبرص اليونانية أو الرومية (عضو في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) حقها في المياه الإقليمية فيه تجاهل لحقوق تركيا في جرفها القاري.
ولتوضيح وجهة نظر الطرفين في هذه النقطة، نجد أن قبرص ومعها اليونان بطبيعة الحال (رغم أن الدولتين لم توقعا بعد معاهدة ترسيم الحدود البحرية فيما بينهما) تلجآن لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقعة عام 1982، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1994، وتنص على أن المياه الإقليمية لأي بلد تمتد 12 ميلاً في البحر، وأن المنطقة الاقتصادية الخالصة يمكن أن تمتد 200 ميل، حيث باستطاعة الدولة المطالبة بحقوق الصيد والتنقيب والحفر، وعندما تكون المسافة البحرية بين بلدين أقل من 424 ميلاً، عليهما تحديد خط فاصل متفق عليه بين منطقتيهما البحريتين، لكن تركيا، التي لم توقع على اتفاقية قانون البحار، وتستند في المطالبة بحقوقها في المنطقة إلى جرفها القاري، ووقعت بالفعل اتفاقية للجرف القاري مع جمهورية شمال قبرص.
اليونان ومشاكل التاريخ والجغرافيا مع تركيا
ويمكن القول إن الصراع الثنائي بين اليونان وتركيا يمثل بؤرة التوتر الحالي، فعلى الرغم من كون أنقرة وأثينا عضوين في حلف الناتو، فإن التاريخ الطويل من الحروب بين الطرفين يلقي بظلاله على مشكلة الصراع في شرق المتوسط بصورة واضحة، وبالتالي تعتبر اكتشافات الغاز والنفط في مياه شرق المتوسط فصلاً من ذلك الصراع وليست بدايته أو سبباً وحيداً له.
والقصة هنا تتلخص في جزيرة رودس اليونانية التي تبعد عن شواطئ الأناضول التركية نحو ميلين بحريين فقط، بينما تبتعد عن شواطئ اليونان عشرات الآلاف من الأميال البحرية، وهو ما يعني – من وجهة النظر اليونانية – أن تركيا لا تمتلك حقوقاً في المياه في تلك المنطقة، وهو ما ترفضه أنقرة على أساس أن الجزر الصغيرة ليست دولاً ولا يمكن معاملتها كدولة عند حساب المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة.
ومشكلة تلك الجزر والتي تتواجد في القلب منها مشكلة قبرص أيضاً هي التي فجرت الإشكال الحالي، خصوصاً بعد اكتشافات الغاز في المنطقة، وحاولت تركيا مراراً إقناع اليونان بضرورة التوصل لحل عادل لتوزيع حصص المناطق البحرية في المنطقة، لكن إصرار أثينا على تفسيرها الخاص – القائم على معاهدة لوزان التي أجبرت تركيا على توقيعها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى – تسبب في عدم التوصل لحلول مرضية للطرفين.
وانقسمت أوروبا بين تركيا واليونان، ومؤخراً دخلت فرنسا على خط المواجهة بالوقوف في صف أثينا – لأسباب متعددة – بينما تحاول ألمانيا إقناع أثينا بالحوار والوصول لحلول دبلوماسية وكان آخر تلك المحاولات في يوليو/تموز الماضي وفشلت بعد توقيع أثينا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع القاهرة، في خطوة تصعيدية ردت عليها أنقرة باستئناف عمليات التنقيب في المنطقة المتنازع عليها.
وعودة إلى الخطوات التصعيدية، حيث جاءت خطوة تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، والذي تم الإعلان عنه في القاهرة في كانون الثاني/يناير من العام الماضي 2019، أحد أهم أسباب بلورة التوتر في شكله الحالي، حيث ضم إسرائيل ومصر والأردن واليونان وقبرص وإيطاليا والمناطق الفلسطينية، فيما تم استبعاد سوريا ولبنان وتركيا من المعادلة، على الرغم من أن الأردن ليس لها شواطئ على المتوسط من الأساس، وهو ما يشير بوضوح إلى أن التكتل له أهداف سياسية وليست فقط اقتصادية.
واللافت هنا هو دعوة فرنسا أيضاً للانضمام لمنتدى شرق المتوسط، وكذلك دعوة الولايات المتحدة لتأخذ صفة المراقب في المنتدى، وهو ما جعل أنقرة تعلن رفضها الاعتراف بأي مخرجات قد تنتج عن التجمع الذي يستبعدها ودول أخرى لها مصالح مباشرة من خلال شواطئها الممتدة، وفتح الباب لدول ليست مطلة على شرق المتوسط.
التحرك التركي تجاه ليبيا
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن توقيع أنقرة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الحكومة الليبية المعترف بها دولياً ومقرها طرابلس في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي يأتي في إطار سعي تركيا لكسر الحصار الذي تسعى اليونان لفرضه عليها من خلال تحالفاتها في المنطقة.
وكان رد الفعل اليوناني على توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا هو الأعنف على الإطلاق، حيث قامت أثينا بطرد السفير الليبي لديها وتقدمت بشكاوى إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ويأتي رد فعل فرنسا في المرتبة الثانية من حيث الصخب، على الرغم من عدم وجود مصلحة مباشرة لباريس في القصة، بينما لم تعترض القاهرة – على سبيل المثال – على تلك الاتفاقية، وهو ما يؤكد أن التوتر في شرق المتوسط في ظاهره مرتبط بقصة الغاز والنفط لكن جذوره أكثر عمقاً وتنوعاً.
وترى أنقرة أن أثينا تسعى منذ سنوات إلى محاصرة تركيا في برها الرئيسي وتقليص نفوذها في البحر المتوسط عبر محاولات تعزيز التعاون مع كل من إسرائيل ومصر والإدارة القبرصية الجنوبية، لهذا قرأت تركيا الرسالة اليونانية، وبدأت على الفور القيام بأنشطة دبلوماسية وعسكرية، تهدف إلى حماية حقوقها المشروعة، في إطار ما يتيحه القانون الدولي، حسب التفسير التركي.
وقصة القانون الدولي وتفسيراته نجدها حاضرة في خطابات جميع أطراف التوتر في شرق المتوسط، ولكل طرف أدواته وتفسيراته التي تجعل من المستحيل إصدار حكم قانوني قاطع في القصة؛ فهناك قانون البحار وهناك قانون الجرف الجاري، وهناك أيضاً ترسيم الحدود البحرية انطلاقاً من نقطة المنتصف أو الترسيم انطلاقاً من مبدأ العدالة والإنصاف القائم على حساب طول شاطئ كل دولة ومساحة برها الرئيسي وإذا ما كانت الدولة عبارة عن جزر.
لذلك نجد أن رد فعل تركيا على إعلان مصر واليونان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما قبل أيام يشبه إلى حد كبير رد فعل اليونان على اتفاقية أنقرة وليبيا؛ فعلى مدى سنوات عديدة، خاضت اليونان نزاعاً مع تركيا بشأن مناطق جزر في بحر إيجه وشرق المتوسط، وزعمت أثينا أن جرفها القاري يمتد إلى جزر لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن البر الرئيسي لتركيا، حيث تسعى اليونان إلى انتزاع صلاحيات بحرية على 40 ألف كيلومتر مربع من المساحة البحرية، متذرعة بجزيرة “ميس” (كاستيلوريزو)، التي تبلغ مساحتها 10 كيلومترات مربعة فقط، وتبعد 580 كيلومتراً عن برها الرئيسي.
لكن أثينا تراجعت عن موقفها هذا في الاتفاقية التي أبرمتها مع مصر، عبر تقييد “الجرف القاري للجزر”، الذي كانت تدافع عنه لسنوات طويلة.
أين وصل منتدى غاز شرق المتوسط؟
فقد أعلنت توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية في أواخر أبريل/نيسان الماضي عن وقف التنقيب في حقل بابيلوس اللبناني بعد أن اتضح أنه لا يحمل مؤشرات على وجود غاز – رغم إظهار المسح الجيولوجي توقعات مبشرة من قبل – كما يبدو أن خطط التنقيب في حقل آخر مجاور هذا العام تبدو غير محتملة، وبحسب تقرير لموقع petroleum-economist.com بعنوان “غاز شرق المتوسط بلا مستقبل”، فإن الأنباء السلبية من التنقيب في السواحل اللبنانية تطابق أجواء التشاؤم المحيطة بشرق المتوسط ككل.
فقد انهارت الآمال العريضة لقبرص بشأن عام 2020، فقد أجلت إكسون موبيل التنقيب في بئرين بغرض تقييم الاكتشافات في منطقة جلوكوس حتى العام المقبل، كما علقت شركتا إيني وتوتال أعمال التنقيب في 6 مواقع، والأمر نفسه ينطبق على شركة نوبل للطاقة الأمريكية وشركائها شل وديليك الإسرائيلية والتي تعمل في حقل أفروديت وكان المفترض أن يصل إنتاج الغاز منه إلى مصر عام 2025، لكن ذلك أصبح مؤجلاً أيضاً.
ويرى مراقبون أن التصعيد الحاصل حالياً في منطقة شرق المتوسط له دور كبير أيضاً في تراجع فرص الاستثمار، فوجود عدد كبير من سفن التنقيب التي تصاحبها فرقاطات حربية وطائرات مقاتلة تتبع أطرافاً متصارعة لا يساعد على وجود بيئة مناسبة لاستثمار مستدام، فخطأ واحد قد يؤدي لاشتعال الأمور وفتح أبواب الجحيم دون سابق إنذار، ورأس المال جبان، كما يقال.
أين تقع مصر في صراع شرق المتوسط؟ ولماذا؟
المتابع للمشهد، خصوصاً من جانب القاهرة، يعتقد أن مصر وتركيا تتصارعان على الموارد الطبيعية في شرق المتوسط وخصوصاً الغاز، لكن بالعودة إلى عام 2013 نجد أن أنقرة والقاهرة كانتا أقرب لبعضهما البعض من القاهرة وأثينا بشكل لافت، وكانت هناك اتفاقات بإجراء تدريبات بحرية مشتركة بينهما في مياه شرق المتوسط، لكن الأحداث السياسية التي شهدتها مصر وأدت لإطاحة الجيش بالرئيس الراحل محمد مرسي وحكم جماعة الإخوان المسلمين، وتولي وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي الرئاسة في العام التالي ورفض تركيا الاعتراف بشرعيته قلب الأمور رأساً على عقب.
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت تحركات مصر في ملف شرق المتوسط نابعة من الخلاف السياسي مع أنقرة، وفي هذا السياق تقاربت القاهرة وأثينا وأجريت التدريبات البحرية بين الجانبين بعد أن كان مخططاً إجراؤها بين البحرية التركية والمصرية، وتواصل التصعيد وصولاً إلى إقدام الإدارة المصرية على توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان، وهي الاتفاقية التي رفضت القاهرة مراراً وتكراراً توقيعها منذ أيام حكم الرئيس المعزول حسني مبارك، وهو ما ترى فيه أنقرة خطوة مخالفة للقوانين الدولية على أساس عدم وجود حدود بحرية بين أثينا والقاهرة.
واللافت هنا أن مصر، من خلال اتفاقية تحديد الصلاحيات البحرية التي أبرمتها مع اليونان، خسرت حوالي 6 آلاف كيلومتر مربع من المساحة البحرية، كانت ستربحها عبر اتفاق مقترح قدمته تركيا وليبيا، بعد أن كانت قد تنازلت أيضاً عن أكثر من 11500 ميل بحري لصالح قبرص عند توقيع اتفاقية مشابهة عام 2014، وهو ما يثير انتقادات من المعارضة داخلياً وصلت إلى حد رفع قضايا أمام المحاكم المحلية لوقف الاتفاقيات.
هل تصل الأمور إلى نقطة الصدام؟
الخلاصة هنا هي أن اكتشاف الغاز الطبيعي في شرق المتوسط قد أدى لبروز تكتلات وتحالفات تخطت الحدود الجغرافية لدول شرق المتوسط وتشابكت فيها مصالح شركات الطاقة العالمية والدول التي تنتمي لها تلك الشركات، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن ما إذا كانت الثروة الجديدة وسيلة لخدمة السلام أم لتأجيج الصراعات؟
وكان التنافس الاقتصادي على الغاز الطبيعي قد فتح – في بدايته – المجال للحديث عن عامل جديد قد يؤثر على طبيعة العلاقات السياسية بين دول المتوسط، لاسيما ضمن الصراع العربي الإسرائيلي والأزمة التاريخية المتراكمة بين اليونان وتركيا (وبينهما قبرص بشقيها)، وكان البعض يرى أن الغاز يمكن أن يؤسس قاعدة لتحقيق “السلام الاقتصادي”، بينما رأى آخرون فيه سبباً إضافياً لمزيد من الصراعات، ويبدو أن أصحاب الرأي الأخير كانوا على حق.
وفي هذا الإطار، نجد أن مجريات الأمور حتى الآن تشير إلى استبعاد وصول الأمور لنقطة الصدام العسكري، فقد علقت أنقرة في يوليو/تموز الماضي أنشطة سفينة التنقيب “أوروتش ريّس”، التابعة للبحرية التركية، في شرق المتوسط، بطلب خاص من المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ومسؤولين في الاتحاد الأوروبي، كبادرة حسن نية لإعطاء فرصة للدبلوماسية.
ولم تقرر أنقرة أن تستأنف السفينة أنشطتها في شرق المتوسط إلا بعد اتفاقية الصلاحيات البحرية التي وقعتها مصر واليونان في 6 أغسطس/آب الجاري، لفرض أمر واقع في البحر المتوسط يستثني تركيا، ووفقاً لمصادر دبلوماسية تركية، فإن هذه الاتفاقية سمحت لليونان بمد صلاحياتها في البر الرئيسي إلى شمال أفريقيا، ما يشكل انتهاكاً لمبادئ المشاركة القائمة على الإنصاف والمساواة في القانون الدولي، بحسب تفسير أنقرة.
لكن في الوقت نفسه، تدعو تركيا المجتمع الدولي، وخاصة دول المنطقة، إلى تعاون شامل لإيجاد تسوية عادلة من خلال المفاوضات، وأبدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تصريحات الإثنين 10 أغسطس/آب، استعداد بلاده لحل القضايا العالقة في المنطقة عبر الحوار القائم على العدل، مشدداً على أن تركيا لا تطمع بحقوق جيرانها البرية ولا البحرية، وقال أردوغان: “دعونا نجتمع نحن وجميع البلدان المتشاطئة على البحر المتوسط لإيجاد صيغة مقبولة للجميع وتحمي حقوق الجميع”، وتابع: “أولئك الذين يغلقون آذانهم عن نداء بلدنا، يظلمون مستقبلهم بأيديهم من خلال مشاريع ومبادرات أكبر من طاقتهم”.
وأعرب عن رفض أنقرة محاولات إقصائها عن موارد المنطقة قائلاً: “لن نقبل حبسنا في سواحلنا من خلال بضع جزر صغيرة، متجاهلين مساحة تركيا الشاسعة البالغة 780 ألف كيلومتر”.
وعلى الرغم من طبول الحرب التي تتعالى ضرباتها حالياً، يرى الخبير في صندوق الأمن القومي للطاقة في روسيا، إيغور يوشكوف، أن نشوب صراع عسكري بسبب منابع الطاقة ربما يكون سيناريو مستبعداً: “لا أعتقد أن حرباً حقيقية ستبدأ على موارد شرق البحر المتوسط، لأن من الخفة اعتبار أن هذه المواقع يمكن احتلالها، ثم تطويرها وبيع منتجاتها، والحد الأقصى الذي يمكن القيام به هو تدمير البنية التحتية ومنع الآخرين من بيع الغاز، فإذا انتشرت الفوضى، فلن يحصل أحد على هذه الاحتياطيات”.