تحليلات و آراء

الاستعمار والمؤسسة الملكية في خدمة المشروع الصهيوني

سليم الزريعي

لما كانت الدول الاستعمارية الغربية جزءا من المؤامرة التي استهدفت فلسطين، فإن وكانت بداية تلك المؤامرة  عندما دعا امبراطور فرنسا  نابليون بونابرت في  20/4/1799، اليهود للالتحاق بجيشه من أجل دخول القدس ضمن الحملة الفرنسية نحو الشرق، وأذا كان ذلك يبدو مفهوما من دول استعمارية مسيحية ، فإن السؤال هو: لم يمارس المغرب العربي الإسلامي دور أن يكونوا صهاينة عبر حكامهم؟

ولا نخال أننا قد نجانب الصواب عندما نوصف كل من ساهم في جريمة تهجير اليهود المغاربة إلى فلسطين بأنه صهيوني، ذلك أن تعريف الصهيوني ينطبق على المسيحي واليهودي والمسلم أيا كان مذهبه، ذلك أن الصهيونية تعرف بأنها:  مجموعة من المعتقدات التي تهدف إلى تحقيق برنامج بازل الذي وضع في عام 1897م تحقيقاً عملياً وعلي ذلك فالصهيونيون هم أولئك الذين يعدون الطائفة المعروفة باسم اليهود شعبا قوميا مستقلا ينبغي إعادة توطينه في كيان سياسي مستقل في فلسطين، لكي يقيم فيها دولة قومية خاصة باليهود وحدهم (الدولة اليهودية) تحت ثوابت ثلاث لا اختلاف عليها وهى:

أ. إن اليهود هم شعب الله المختار !

ب. إن الله وعد اليهود وملكهم أرض الميعاد، أرض كنعان من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات .

ج. إن ظهور الماشيح مرتبط بقيام صهيون (يسرائيل) وبتجميع اليهود من شتاتهم بأنحاء العالم في أرض الميعاد (أرض يسرائيل) حتى يتحقق ظهوره (1). وبهذا المعنى تجلت صهيونية حكام المغرب بذلك الدور المتآمر المستمر حتى الآن، عبر التآمر على فلسطين الشعب والأرض والمقدسات.. من خلال دوره في تهجير اليهود المغاربة في فلسطين وعلاقته الآن مع الكيان الغاصب المجرم.  

وكانت الحركة الصهيونية في المغرب قد انتعش دورها منذ عهد الحماية، خصوصًا مع الحكومة الفرنسية الثالثة التي عملت على ترجمة وعد بلفور منذ سنة 1918، فسمحت للمنظمات الصهيونية وعبر شبكاتها من التوغل في المغرب والقيام بالدعاية للمشروع الصهيوني، وكان من نتائج ذلك هو تأسيس مجموعة مدارس عبرية في كل من تطوان و طنجة، تحت إشراف الوكالة الدولية للطائفة اليهودية، وخلال ثلاثة عقود استطاعت هذه المدارس ومن دعم الحماية الفرنسية من تشكيل نخب اقتصادية وسياسية وعسكرية، وانطلقت عملية سريعة من تهجير اليهود المغاربة إلى فلسطين، التي عرفت بعض الفتور خلال الحرب العالمية الثانية ،نتيجة تطبيق قوانين العزل والاضطهاد النازية في عهد حكومة فيشي.(2)

ويسجل أن هجرة اليهود المغاربة وتهريبهم إلى فلسطين حدثت على ثلاث مراحل، الأولى قبل استقلال المغرب وكانت علنية بموافقة السلطات الفرنسية، والثانية بعد الاستقلال وكانت سرية، أما المرحلة الثالثة والأخيرة فقد بدأت صيف عام 1961   واستمرت 4 سنوات وتمت بشكل منتظم. وهي العملية التي حملت اسم “ياخين”، وهي مفردة مأخوذة من التوراة وتعني أحد الاعمدة الذي يستند عليه الهيكل.(3)

ذلك أن النظام المغربي  منذ تشكل سنة 1956، لم يتوانَ عن تسهيل وتشجيع هجرة اليهود المغاربة نحو فلسطين المحتلة؛ منسجمًا مع الدور الذي كانت تقوم به السلطات الاستعمارية إبان الحماية .(4)

ويمكن ملاحظة أنه بعد  وفاة محمد الخامس، وتسلم خلفه ابنه الحسن الثاني مقاليد السلطة؛ ختى بدأت  مرحلة جديدة من هجرة المغاربة اليهود عبر “صفقة” بين الأمريكيين والفرنسيين والإسرائيليين من جهة، والمغرب من جهة ثانية.(5)

ذلك أن الحسن الثاني لم يضيع وقتاً. وما بين 1961 و1964 بدأ العمل مع “إسرائيل” سراً، فساعدها على تهجير ونقل 100 ألف من اليهود المغاربة – عبر أوروبا – بعد أن عقد صفقة مع الموساد الإسرائيلي يتقاضى بموجبها مبلغاً يراوح بين 50 و100 دولار أميركي نظير كل يهودي مهاجر. وفي المقابل قدّم الموساد للملك والجيش والأمن المغربي خدمات استخبارية وأمنية مهمة.(6)

وقد بلغ مجموع اليهود المغاربة الذين شملتهم عمليات التهجير منذ “الاستقلال” (210900) نسمة، وهو العدد الذي يفوق عدد المهاجرين من أي بلد، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي سابقًا (197100)، وبذلك حققت الحركة الصهيونية أكبر نجاحاتها في هذا المجال، هذا فضلًا عن التعامل مع الاتحاد الإسرائيلي، وبالتحديد مع الفرع الذي أسسه في المغرب؛ تحت اسم (اتحاد المغرب) وإخضاع تعليم اليهود المغاربة للإيديولوجية الصهيونية والعمل على التشبع بها كمرحلة أولى قبل تجنيدهم لخدمة المشروع الصهيوني، كما بدا جليًا احتلال النخبة الاقتصادية منذ جلاء الاستعمار، لأدوار طلائعية في تسيير الأملاك التي تركها المعمرون وشركاتهم، وسيطرتها على التجارة الخارجية، كما نشط الرأسمال “اليهودي” في استثمار خيرات البلاد وتزويد الصهيونية بكل ما تحتاج إليه من موارد.(7)

فيما هُرب عام 1967، عقب الحرب العربية الإسرائيلية، نحو 30 ألفاً من يهود المغرب إلى “إسرائيل”، بذريعة الخوف والخشية من الانتقام العربي. وفي السبعينيات والثمانينيات استمرت هجرة اليهود، ولكن بوتيرة بطيئة، وعلى أساس فرديّ. وحالياً، فإن أكثر التقديرات تفيد بأنه لم يبقَ من يهود المغرب سوى نحو خمسة آلاف.(8)

وكمثال على عمل الأجهزة الصهيونية في المفرب أن وصل في نهاية عام ، 1960   إلى المغرب أليكس غاتمان، وهو ضابط استقال من سلاح وكان قد الجو الإسرائيلي وتم تعينه ممثلاً لـ “الموساد” في المملكة. وانتحل غاتمان صفة مدير معمل لصنع الخشب، وكنت ترافقه زوجته ويحملان جوازي سفر بلجيكيين. وقد استقر العميل في مدينة الدار البيضاء تحت اسم “آرمون”، وبدأ ينشط لتهريب اليهود إلى إسرائيل.(9)

بعد عودته من إحدى رحلات التهريب، قال غاتمان لزوجته:” لا يمكن إكمال المشوار على هذا النحو، اذ لا نستطيع في كل مرة تهريب عشرات أو مئات فحسب، علينا تغيير طريقة عملنا”(10). فبدأ بدأ بإجراء الاتصالات ببعض ذوي التأثير داخل الحكم. وحاولت زوجته التردد على صالونات الحلاقة الراقية لتحتك بالنساء وزوجات الحلقة العليا من المتنفذين وتجمع المعلومات عن ازواجهن.(11)

استطاع غاتمان، بمساعدة ضابط شرطة يهودي ـ فرنسي من أصل مغربي، الاتصال بشخصية مغربية مرموقة واجتمعا في باريس ست  مرات. وخلال تلك اللقاءات توصل الاثنان إلى اتفاق بأن يهاجر اليهود المغاربة إلى الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وسويسرا وإيطاليا، لا إلى إسرائيل، على أن تكمل معاملاتهم منظمة يهودية أميركية ولا تتدخل الوكالة اليهودية بذلك. وتم تحديد عدد المهاجرين بـ 50 ألفاً. كما اتفق الاثنان على أن توقف منظمة “النطاق” نشاطها لتهجير اليهود المغاربة سراً.(12)

في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 1961 منح مكتب وزارة الداخلية المغربي أول جواز سفر جماعي وقعه محمد أفقير الذي كان، حينذاك، مديراً للأمن الوطني. وحمل الجواز أسماء 105 اشخاص من الذين سيسافرون إلى خارج المغرب. وكانت مدة صلاحية الجواز سنة واحدة، ويسمح بالسفر به الى جميع الدول ما عدا إسرائيل.(13) في اليوم التالي سافرت المجموعة الأولى من الدار البيضاء إلى مدينة نيس الفرنسية. ومن هنا بدأت عملية “ياخين”.(14) التي قررت “النطاق” أن تسرع في إتمام العملية قبل أن يصدر أي تغيير عن الحكومة المغربية. وكان عدد اليهود الذين ظلوا في المغرب آنذاك 164 ألف شخص، موزعين على 200 مدينة وقرية. وقرر غاتمان أن يجمع اليهود القاطنين في القرى البعيدة، ومن ثم المدن الكبيرة.(15 )

سافر معظم اليهود بواسطة الطائرات أو في السفن. وأقامت شركة الطيران الفرنسية جسراً جوياً من الدار البيضاء الى نيس، حيث كانت طائرات إل ـ عال الإسرائيلية في انتظارهم لنقلهم مباشرة الى إسرائيل وفي 20 حزيران / يونيو 1962 أوقفت الهجرة بسبب استمرار المنظمات اليهودية بتهريب اليهود المغاربة سراً. وكان ذلك بعد يوم واحد من زيارة الرئيس المصري جمال عبد الناصر الى المغرب ولقائه بالملك الحسن الثاني. انتهت عملية “ياخين” في ربيع عام 1964. وكانت منظمة “النطاق” قد نجحت بتهريب نحو من 100 ألف يهودي مغربي.(16)

ويجب التذكير هنا أن الجنسية المغربية لم تسقط عن اليهود الذين هاجروا إلى “إسرائيل”، كما لم تصادر أموالهم ولا ممتلكاتهم في المغرب.(17 )

وهكذا تواطأ النظام العائلي في المغرب ممثلا برأس العائلة الحاكمة ومع سبق إصرار على رفد الكيان الصهيوني المحتل بالمادة البشرية ليساهم في اغتصاب الأرض الفلسطينية، وبمنتهى الوقاحة السياسية والفكرية يباهي النظام الملكي  الآن بمهاجري الأمس الذين يعتبرهم جالية مغربية. ليكشف عن صهيونيته وانحيازه لأعداء الشعب الفلسطيني.


الهوامش

1- أشرف بدر، الخلاص، الهيكل، وصعود الصهيونية الدينية( 18-05-2022)، https://alqudscenter.info/articles

2- حسن الصعيب، نشاط الحركة الصهيونية في المغرب: منذ وعد بلفور حتى مجزرة أيلول، 12/12/2020، https://hadfnews.ps/

3- وهيب أبو واصل، عملية “ياخين”:هجرة يهود المغرب السرية إلى إسرائيل،3/1/2021، https://www.mc-doualiya.com/

4- حسن الصعيب، مصدر سبق ذكره.

5- عدنان أبو عامر، يهود المغرب بالمجتمع الإسرائيلي.. الخلفية السياسية وأدوارهم، https://arabi21.com/

6-  حسام عبد الكريم، دور الحسن الثاني في هجرة اليهود المغاربة إلى “إسرائيل”، 21/2/2022، https://www.almayadeen.net/

7-  حسن الصعيب، نصدر سبق ذكره.

8-  حسام عبد الكريم،  مصدر سبق ذكره.

9-  وهيب أبو واصل، مصدر سبق ذكره.

10-  وهيب أبو واصل، المصدر السابق.

11-  وهيب أبو واصل، المصدر السابق.

12-  وهيب أبو واصل، المصدر السابق.

13- وهيب أبو واصل، المصدر السابق.

14-  وهيب أبو واصل، المصدر السابق.

15- وهيب أبو واصل، المصدر السابق.

17- وهيب أبو واصل، المصدر السابق.

18- حسام عبد الكريم، مصدر سبق ذكره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى