التطبيع أمر محسوم لكن متى؟ السعودية على وشك الاعتراف بإسرائيل، لكن هناك عقبة واحدة فقط
أوضحت المملكة العربية السعودية، موقفها الرسمي بشأن أطول صراع مستمر في المنطقة: لا يمكن أن تكون علاقات كاملة بين المملكة وإسرائيل إلا بعد التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين.
مع ذلك، تشير وسائل الإعلام ورجال الدين السعوديين المدعومين من الدولة إلى تغيُّر جارٍ بالفعل مع إسرائيل، وهو الشيء الذي لا يمكن حدوثه إلا بتوجيهات وريث العرش القوي في البلاد، ولي العهد محمد بن سلمان، بحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
تعكس الرسائل المتضاربة بشأن إمكانية إقامة علاقات سعودية مع إسرائيل ما يقول المحللون والمُطَّلِعون إنَّه اختلاف بين الكيفية التي ينظر بها الأمير صاحب الـ35 عاماً ووالده صاحب الـ84 عاماً، الملك سلمان، للمصالح الوطنية.
“صراع أجيال”!
فقال الحاخام مارك شناير، وهو مستشار لملك البحرين وأقام مباحثات في السعودية وبلدان خليجية أخرى للترويج لعلاقات أقوى مع اليهود وإسرائيل: “ليس سراً أنَّه صراع أجيال”.
تتطلَّع العواصم الخليجية على نحوٍ متزايد إلى إسرائيل باعتبارها حليفاً للدفاع في مواجهة الخصم المشترك إيران وسط مخاوف صامتة بشأن توجه السياسة الخارجية الأمريكية وحالة عدم اليقين التي تحيط بالانتخابات الرئاسية المقبلة. لكنَّ التصدي لإيران ليس هو العامل الوحيد الذي قرَّب بين الدول العربية وإسرائيل في السنوات الأخيرة.
فقال الحاخام إنَّ السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، الأمير خالد بن سلمان، أخبره أنَّ الأولوية الأولى لشقيقه، ولي العهد، هي إصلاح الاقتصاد السعودي.
وقال شناير: “قال لي بالضبط: (لن نتمكَّن من النجاح بدون إسرائيل). لذا فبالنسبة للسعوديين، الأمر ليس مسألة (ما إن كانوا سيقيمون علاقات أم لا)، بل مسألة (متى). ولا شك أنَّهم سيقيمون علاقات مع إسرائيل”.
هذا ويُصِرُّ عضوٌ بارز بالأسرة الملكية السعودية، الأمير تركي الفيصل، على أنَّ “أي حديث عن خلاف بين الملك وولي العهد مجرد تكهنات”.
يقول محللون ومراقبون إنَّه من المستبعد أن تضفي السعودية الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل طالما بقي الملك سلمان يتمتع بالسلطة. وفي حين سلَّم الملك السيطرة على الإدارة اليومية للشؤون السعودية لنجله، فإنَّه تقدَّم في بعض المناسبات ليتدخَّل، بل وحتى ليقاوم، من خلال بيانات دعماً للفلسطينيين.
مع ذلك، خالف ولي العهد التقاليد بحسمٍ غير مسبوق. والأمير محمد أيضاً حريص على إعادة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة بعد قتل الصحفي السعودي المنتقد جمال خاشقجي في 2018.
الصمت المريب
وحين أعلن البيت الأبيض الشهر الماضي أنَّ الإمارات وإسرائيل اتفقتا على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة -وهي الخطوة التي قامت بمثلها البحرين بعد أسابيع- امتنعت السعودية عن انتقاد الاتفاق أو استضافة قمم تدين القرار، على الرغم من طلبات الفلسطينيين لعمل ذلك.
وأشادت وسائل الإعلام السعودية التي تسيطر عليها الحكومة بالاتفاقيتين باعتبارهما تاريخيتين وجيدتين من أجل السلام الإقليمي.
ووافقت المملكة كذلك على استخدام رحلات الطيران الإسرائيلية المتجهة للإمارات المجال الجوي السعودي.
ونقلت مجلة The Atlantic الأمريكية عن الأمير محمد بن سلمان خلال آخر زياراته إلى الولايات المتحدة في أبريل/نيسان 2018، قوله إنَّ إسرائيل تمثل اقتصاداً كبيراً و”هناك الكثير من المصالح التي نتشاركها مع إسرائيل”. وقال إنَّ الفلسطينيين والإسرائيليين لديهم الحق في أراضيهم، قبل أن يضيف أنَّه يتعين التوصل إلى اتفاق سلام لضمان الاستقرار ووجود علاقات طبيعية.
فُسِّرَت تصريحاته على أنَّها دعم لإقامة علاقات كاملة في نهاية المطاف بين المملكة وإسرائيل، وهو ما من شأنه أن يقضي على ما تبقى من التوافق العربي على أنَّ الاعتراف بإسرائيل لا يمكن أن يأتي إلا بعد إقامة دولة فلسطينية.
لكنَّ الأمر الأكثر دلالة كان إعلان الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الماضي بأنَّ دولة الجزيرة الصغيرة البحرين ستقيم علاقات مع إسرائيل. ويقول المحللون إنَّ الخطوة ما كان لها أن تتم بدون موافقة سعودية.
فقال حسين إبيش، وهو كبير باحثين مقيم بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، إنَّ الخطوة تشير بقوة إلى أنَّ السعودية منفتحة على فكرة إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل.
وأضاف: “ينبئني هذا بأنَّهم (السعوديون) مستعدون للنظر في هذا (إقامة العلاقات) هم أنفسهم في المستقبل ربما. هناك شعور بأنَّ هذه قد تكون خطوة جيدة للغاية بالنسبة للسعودية، لكنَّهم لا يريدونها أن تكون تعبيراً عن الضعف السعودي. هم يريدون ضمان أن تكون تعبيراً عن القوة السعودية أو عاملاً مساهماً فيها”.
ويقول الأمير تركي إنَّ الدول العربية عليها المطالبة بثمن أكبر لقاء تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال إنَّ إسرائيل تظل “حجر عثرة في كل تلك الجهود”.
وقالت راغدة درغام، وهي كاتبة عربية منذ زمنٍ طويل ورئيسة مُشارِكة مع الأمير تركي في قمة “بيروت إنستيتيوت” في أبوظبي، إنَّ الأجيال الشابة في الشرق الأوسط تريد الحياة الطبيعية بدلاً من مصادرة الطموحات والأحلام.
وأضافت: “إنَّهم يريدون حلولاً وليس استمراراً للرفض”.
ممنوع الانتقاد العلني
حين أُعلِن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي في أغسطس/آب الماضي، كان الهاشتاغ المتصدر على تويتر في السعودية ضد التطبيع مع إسرائيل. مع ذلك، كان الانتقاد العلني في السعودية والإمارات والبحرين مكتوماً إلى حدٍ كبير، جزئياً بسبب قمع تلك الحكومات لحرية التعبير.
قالت ياسمين فاروق، الباحثة الزائرة بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “من الصعب جداً الحصول على بيانات دقيقة، حتى حين تُستَطلَع آراء الناس”.
وأضافت فاروق أنَّ الرأي العام في السعودية متنوع ومعقد بشأن إسرائيل، وتختلف الآراء بين الفئات العمرية المختلفة وبين الليبراليين والمحافظين. وقالت إنَّ هناك جهوداً لتهيئة الجمهور السعودي للتغيير وصياغة النقاش العام بشأن إسرائيل.
وفيما تستعد السعودية للاحتفال بيومها الوطني التسعين غداً الأربعاء، 23 سبتمبر/أيلول، جرى توجيه رجال الدين في مختلف أرجاء البلاد لإلقاء خطب بشأن أهمية طاعة ولي الأمر من أجل الحفاظ على الوحدة والسلام.
وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، ألقى إمام المسجد الحرام في مكة، الشيخ عبدالرحمن السديس، خطبة أخرى مدعومة من الدولة بشأن أهمية الحوار في العلاقات الدولية والإحسان إلى غير المسلمين، وذكر على وجه التحديد اليهود.
واختتم بقوله إنَّ القضية الفلسطينية لا يجب أن تُنسى، لكنَّ كلماته أثارت ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، ونظر الكثيرون إلى تصريحاته باعتبارها دليلاً آخر على تمهيد الأرضية للعلاقات السعودية الإسرائيلية.
وغيَّرت صحيفة “Arab News” السعودية اليومية الصادرة باللغة الإنكليزية، والتي نشرت مقالات رأي لحاخامات، شعارها على موقع تويتر الجمعة الماضية، 18 سبتمبر/أيلول، لتقول “Shana Tova”، وهي تهنئة السنة اليهودية الجديدة.