التطبيع الخليجي يؤذي لبنان.. هل يقوى ميناء حيفا على حساب مرفأ بيروت بعد تعاقد شركة إماراتية على تطويره؟
دور مرفأ بيروت مُهدد من ميناء حيفا الإسرائيلي بعد التطبيع الخليجي مع الدولة العبرية، الذي كان إحدى ثماره تعاقد شركة إماراتية لتطوير الميناء الإسرائيلي.
ولعب مرفأ بيروت، المدينة التي يسميها أهلها “ست الدنيا”، دوراً بارزاً خلال العقود الماضية، في تاريخ لبنان الاقتصادي والمنطقة، حتى وصف لبنان برمته بأنه ميناء ركب له دولة، للتعبير عن دور مرفأ بيروت في تاريخ هذا البلد.
وازدادت أهمية مرفأ بيروت بعد النكبة والمقاطعة العربية لإسرائيل، حيث أصبح منذ ذلك الوقت ميناء بحرياً أساسياً، يخدم العمليات التجارية كافة، من النفط وحركات الركاب والبضائع، وربط الدول الأوروبية والشرق أوسطية والخليجية في آن واحد.
إلا أنه في الفترة الأخيرة، تكالبت عليه الأزمات، لاسيما بعد وقوع الانفجار الكارثي، في 4 أغسطس/آب الماضي، الذي قُدرت خسائره بأكثر من 15 مليار دولار، بحسب أرقام رسمية غير نهائية، ما أثّر بشكل مباشر على سير العمل فيه.
إضافة إلى ذلك، طرحت تغيرات طرأت في الآونة الأخيرة علامات استفهام عدة، لاسيما بعد توقيع الإمارات اتفاقية للتطبيع مع إسرائيل، ما أثار خشية من سحب البساط من تحت مرفأ بيروت، لمصلحة ميناء حيفا، في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 (إسرائيل).
تطوير ميناء حيفا عبر شركة إماراتية
في 16 سبتمبر/أيلول الجاري، وقعت شركة موانئ دبي العالمية سلسلة اتفاقات مع شركة “دوفرتاور” الإسرائيلية، تشمل التقدم بعرض مشترك لخصخصة ميناء حيفا، المطل على البحر المتوسط، وهو واحد من ميناءين رئيسيين في إسرائيل.
وقالت موانئ دبي، في بيان، إنها ستدخل في شراكة مع مجموعة إسرائيلية لتقديم عرض من أجل أحد الميناءين الرئيسيين في إسرائيل، وستدرس فتح خط شحن مباشر بين الإمارات وإسرائيل.
إعلان الشركة، المملوكة لحكومة دبي، جاء بعد يوم من توقيع الإمارات وإسرائيل اتفاقاً تاريخياً لتطبيع العلاقات، ما يُمهّد لتعاون تجاري واقتصادي كبير بينهما.
وتغطي مذكرات التفاهم مجالات تعاون تشمل قيام “موانئ دبي العالمية” بتقييم تطوير الموانئ الإسرائيلية، وكذلك تطوير مناطق حرة، وإمكانية إنشاء خط ملاحي مباشر بين ميناءي إيلات وجبل علي.
كما تشمل مساهمة “جمارك دبي” في تسهيل التجارة بين المؤسسات الخاصة من الجانبين، واستكشاف فرص العمل مع أحواض بناء وإصلاح السفن الإسرائيلية على مبدأ المشاريع المشتركة.
دور مرفأ بيروت مُهدّد من ميناء حيفا
النائب عن كتلة القوات اللبنانية في البرلمان، العميد وهبة قاطيشا، يرى أن “المصالحة بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية قادرة على أن تفتح الباب على ميناء حيفا، خاصة أنه أقرب جغرافياً إلى الدول الخليجية”.
ويقول قاطيشا للأناضول، إن “إسرائيل لديها إمكانات واسعة لناحية تجهيز ميناء حيفا وطرقاته والتعامل معه، من خلال الشركات الأجنبية وتسهيل تبادل الحاويات، هذه التسهيلات تقابلها تعقيدات وخلافات في لبنان وسط غياب أي رؤية مستقبلية”.
ويشدد على أن “هناك احتمالاً أن يتراجع دور مرفأ بيروت، في حال قررت الدول العربية أن تأخذ مرفأ حيفا لها باباً ثانياً، لاسيما أن واجهة المشرق العربي محصورة بثلاثة مرافئ، وهي حيفا وبيروت وطرابلس (شمال لبنان)”.
واتفق مع هذا الرأي المحلل في الشؤون الشرق أوسطية سامي نادر، بقوله إن “التطبيع الذي حصل بين الدول الخليجية وإسرائيل سيشكل تحدياً، وإن هذه المنافسة يجب أن تدفع لبنان إلى إعادة تحديد دوره”.
ويضيف نادر أنه “سيترتب على وضع مرفأ بيروت الحالي خسائر، إذا لم تُحدد له وجهة جديدة، وانطلاقة خطط اقتصادية جديدة”.
المسألة سياسية وليست تجارية.. مرفأ بيروت جاهز للعمل
أما الخبير الاستراتيجي ناجي ملاعب فيعتبر أن تضرر مرفأ بيروت، بسبب الانفتاح العربي على إسرائيل والتطبيع معها “هو سياسي بامتياز”.
ويقول ملاعب، للأناضول، إن “المرفأ تضرّر جرّاء الانفجار، لكنه أُعيد للعمل بنسبة 70%، لأن غالبية الحاويات والحاملات لم تتضرر، والرصيف المهم مازال عاملاً”.
الأزمة من وجهة نظر ملاعب هي “الانفتاح العربي على إسرائيل وبداية التطبيع، وهذا ما قد يتضرر منه مرفأ بيروت، خاصة إنْ حلَّ مكانه ميناء حيفا”.
ويعتبر أن الأزمة يُضاعفها عمل إسرائيل على إنشاء سكة حديد بين تل أبيب وإيلات، قائلاً: “هذه السكة تعيد النمو إلى ميناء حيفا بشكل كبير”.
وتستهدف إسرائيل من إحياء ميناء حيفا بالشراكة مع الإمارات، بحسب ملاعب، “مد خطوط النفط البرية من الإمارات عبر السعودية، والأردن إلى إسرائيل، حيث سيكون ميناء حيفا هو الذي ينقل هذا النفط”.
واستدرك ملاعب: “يمكن إعادة إحياء مرفأ بيروت بعد التفجير، لاسيما أن دولاً كبرى تبرعت لإعادة إعماره، بينها تركيا، فإذا أعيد إعمار المرفأ فسوف يعود إلى وضعه الطبيعي، لكن العوائق التي تحول دون ذلك سياسية”.
“مرفأ ست الدنيا” لن يتأثر كثيراً
في المقابل، يرى المدير العام لإدارة واستثمار مرفأ بيروت باسم القيسي، أن المرفأ سيتأثر إيجابياً من تطوير ميناء حيفا، لأنه ستكون هناك منافسة.
ويقول القيسي للأناضول: “مرفأ بيروت هو العاشر في حوض البحر المتوسط، وهو لن يفقد قيمته رغم الاتفاقيات (بين الإمارات وإسرائيل)، لأنه لا أحد يستطيع الاستغناء عنه”.
ويوضح: “لدينا ميزات في مرفأ بيروت، وأسعارنا جيدة ومناسبة ومنافسة، وهناك خطط لتطوير المرفأ وتوسيعه في الوقت المناسب”.
من جهته، يتفق رئيس مجلس الأعمال اللبناني- السعودي رؤوف أبو زكي، على أن “تطوير ميناء حيفا قد لا يكون له تأثير كبير على مرفأ بيروت”.
ويقول أبو زكي للأناضول، إن “السلوك العربي حيال إسرائيل من الممكن أن يطغى عليه الطابع السياسي، وأَلَّا يأخذ أي أبعاد تجارية كاملة”.
ويضيف: “شهِدنا على اتفاقيات خليجية- إسرائيلية، ولم يكن لها مردود اقتصادي كما هو متوقع، لذلك من السابق لأوانه الحديث عن مدى الانعكاس على مرفأ بيروت”.
بل هو قادر على المنافسة
من جهته، يُقرّ الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، بأن “عملية التطبيع تعطي منفذاً لدول الخليج على التجارة عبر المتوسط، عن طريق ميناء حيفا، الذي يشكل المنافس الأبرز لمرفأ بيروت ولقناة السويس”.
ويذكر مارديني للأناضول، أن “ميناء حيفا قادر على تأمين خدمات التبادل التجاري لدول المنطقة، خاصة مع العمل على سكة حديد تربط ميناء حيفا بدول الخليج”.
لكنه حمّل مسؤولية تراجُع مرفأ بيروت إلى “سوء إدارته”، عازياً ذلك إلى “الفساد المستشري والتعقيدات (في المرفأ)، رغم عمقه والأحواض الممتازة فيه”.
ويضيف أن “لبنان يحتل المرتبة الـ143 دولياً، من أصل 190 دولة، على مقياس سهولة التجارة الدولية (لعام 2020)، وبالتالي أحد أهم أسباب تخلفه في التجارة الدولية هو سوء الإدارة”.
وعن الحلول الاقتصادية المطروحة، يرى مارديني أنه “على الدولة أن تفتح المرافئ اللبنانية على نظام الـBOO”.
و”BOO” اختصار لعبارة “BUILD OWN AND OPERATE”، وتعني “البناء/ التملك/ التشغيل”، وهو نظام يتيح للحكومة إنشاء مشروعات بالشراكة مع مستثمرين من القطاع الخاص.
ويختم مارديني حديثه بالقول إن “هناك شركات أجنبية مهتمة جداً بشرائه (مرفأ بيروت)، خاصة أن المرفأ في الأساس أسَّسته شركة خاصة، وعام 1960 استعادته الدولة وقررت أن يكون قطاعاً عاماً”.