التنسيق الأمني مع الاحتلال..أي دور وظيفي لأمن السلطة
سليم يونس
واقعة اعتقال محمد الزبيدي، نجل الأسير زكريا الزبيدي قائد كتائب شهداء الأقصى في جنين التابعة لحركة فتح، وأحد أبطال عملية “نفق الحرية” في أحد شوارع مخيم جنين، شمالي الضفة، والاعتداء عليه بالضرب بطريقة وحشية بالهراوات والعصي، أمام المارة، ربما أعطى مشهد الاعتداء لأول وهلة نوعا من الالتباس، وانطباعا بديهيا أن من قام بذلك الاعتداء هي أجهزة سلطة الاحتلال الصهيوني؟ لكن الصدمة كانت؛ عندما تبين لكل من شاهد الواقعة أن من مارس هذا الفعل الوحشي، هي ويا للعار أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وليس الاحتلال.
هذا السلوك المدان يضع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في حيز التساؤل؛ حول الفرق بين ما قامت به تلك الأجهزة، وبين ما تقوم به أجهزة أمن الاحتلال الصهيوني؟ ومن ثم هل أجهزة السلطة هي لحماية الشعب الفلسطيني حتى في ظل خطيئة أوسلو، أم لحماية الاحتلال وقطعان مستوطنيه؟
لكن الأخطر بالمعنى الفكري والسياسي والوطني، له علاقة بأن هذا السلوك هو محصلة عقيدة أمنية كأحد تجليات أوسلو التي أرادت أن تجعل من السلطة شرطة لحماية الاحتلال، عبر جريمة التنسيق الأمني، من خلال هذا الدور الوظيفي، والإصرار على استمراره، مع أن هناك موقفا وطنيا جامعا قرره المجلس المركزي في 5 مارس 2015 بـ“وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين“.
لكن على مدى سنوات أكدت تجربة تعامل السلطة مع الاحتلال أنها تناور بقرار المجلس المركزي، كون موافقتها على القرار لم يكن يعكس إرادة سياسية وطنية صادقة لدى فريق القوى المتنفذة في منظمة التحرير، ولذلك بقي التنسيق الأمني مستمرا لحفظ أمن الاحتلال، مع أن هناك إرادة سياسية فلسطينية جامعة بوقف التنسيق الأمني.
بل وصل الأمر بالقوى المتنفذة في السلطة حد التضليل والكذب في الممارسة للتغطية على مواصلة جريمة التنسيق الأمني، عندما نشر عضو مركزية فتح روحي فتوح عبر صفحته الرسمية على الفيسبوك بأن “التنسيق الأمني توقف منذ 2019 ولا داعي لاستمرار التمسك بهذا الشعار وترديده”. في حين أن عضو مركزية فتح السابق ومؤسس الملتقى الوطني الديمقراطي ناصر القدوة وجه اتهاما صريحا للسلطة “في مقابلة مع ميدل إيست آي” البريطانية، عبر تساؤله عن الدور الذي تؤديه الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية، بأن وصف ما يجري بأنه ليس تنسيقا أمنيا بقدر ما هو ارتباط مباشر لجزء من الأجهزة الأمنية الفلسطينية بأجهزة الأمن الإسرائيلية.
وهذا يكشف إلى حد بعيد عقيدة هذه الأجهزة الأمنية التي تعيش حالة انفصام وطنية، مما دفع مسلحون بالأسلحة الرشاشة، بعد الاعتداء على الزبيدي الابن لمهاجمة مقر المقاطعة الذي اعتُقل فيه نجل الزبيدي بمدينة جنين، فيما تجمهر المئات من المواطنين أمام المقر استنكارا لما جرى.
ليأتي اجتماع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس مع وزير الحرب الصهيوني بني غانتس في بيته بالقرب من تل الربيع، الذي شكل صدمة لدى قطاع واسع من الفلسطينيين، ليكشف حجم الخداع الذي مورس على الشعب الفلسطيني، ليس لأن اجتماع جرى في ذروة حالة الاشتباك الشعبي مع جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين، وإنما للجرأة في الكذب والتضليل فيما يتعلق بالتنسيق الأمني، وفي كونه حقا بات دورا وظيفيا في خدمة الاحتلال.
وما كشفه رئيس أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي،لقناة 12 الصهيونية يبين إلى أي مستوى وصل هذا التنسيق، ومن ثم طبيعة هذا الدور الوظيفي عندما قال : إن جيشه كان يستعد لشن عملية أمنية واسعة في جنين قبل ثلاثة أشهر، لكن إسرائيل مارست ضغوطا على السلطة الفلسطينية حتى نفذت العملية بنفسها.
ونقلت القناة عن كوخافي قوله إن إسرائيل “حفزت أجهزة السلطة الأمنية، عبر التنسيق الأمني المستمر، وهم في نهاية المطاف من دخلوا جنين وعملوا ضد المنظمات الإرهابية هناك (هكذا يوصِّف الإرهابي كوخاغي مناضلي فتح وغيرهامن الفصائل)، وصادروا وسائل قتالية، واعتقلوا ناشطين كثيرين”.
ووفقا للمراسل العسكري للقناة، نير دفوري، فإن “هذه القصة تبرز أهمية الحفاظ على التنسيق الأمني مع الفلسطينيين. هذا هو الموضوع الرئيسي الذي بحثه غانتس وعباس، لفحص كيفية العمل سوية”. وعلى ضوء ذلك، تبدو واضحة طبيعة هذا التاريخ الذي صنعة وسيصنعه رئيس السلطة محمود عباس مع وزير الحرب الصهيوني، في جنين وغيرها من مدن الضفة، كما تباهي بذلك وزير التنسيق الأمني حسين الشيخ عضو مركزية فتح.
إن هذا الدور الوظيفي ينزع مهما كانت النوايا عن الكيان الصهيوني توصيف أغلبية الشعب الفلسطيني له ككيان عدو باستثناء على الأقل الفريق المتنفذ في السلطة، لأنهم جعلوا من افرد أمن السلطة قوات أمن لحماية جيش الاحتلال ومستوطناته في مواجهة أي فعل وطني شعبي أو فصائلي.
بل ويصل الإيغال في التضليل في محاولة لاستغباء المواطن الفلسطيني في ظل ما يجري في الضفة المحتلة والقدس والأقصى، أن ادعى وزير الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ، أن السلطة الفلسطينية تسعى إلى صنع التاريخ مع بيني غانتس أو أي شخص آخر في حكومة إسرائيل، كما كان الحال مع إسحاق رابين“.
وتابع الشيخ في تصريحاته: ”في النهاية، فقط الأبطال هم من يصنعون السلام، وأن الشخص الذي يؤمن بالسلام يجب أن يكون شجاعا، وعلينا أن نقاتل من أجل ذلك حتى اللحظة الأخيرة“.
وبدو أن صناعة التاريخ والشجاعة لدى الفريق الذي يمثله حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ووزير التنسيق الأمني، ترجمتها السياسية والفكرية هي في تعهد عباس إلى وزير الحرب الصهيوني غانتس أنه “لا ينوي تغيير سياسته بشأن التنسيق الأمني مع إسرائيل”، وفق ما أفادت القناة “13” الصهيونية.
والمؤسف أن يصل البعض إلى هذا القدر من التزوير وحرف بوصلة النضال الشعبي الفلسطيني ضد الاحتلال، بأن بات مناضلو الشعب الفلسطيني بين مطرقة الاحتلال وسندان أمن السلطة، ويصب في هذا التوصيف ما وثقته مجموعة “محامون من أجل العدالة” تنفيذ أمن السلطة أكثر من 45 حالة اعتقال سياسي في الضفة المحتلة منذ بداية ديسمبر الماضي.
وهي الاعتقالات التي تأتي ضمن حملة مستمرة تصاعدت وتيرتها بعد اغتيال قوة من جهاز الأمن الوقائي المعارض السياسي نزار بنات بتاريخ 24 يونيو2021.
وحسب المجموعة، فإنها وثقت 200 حالة اعتقال سياسي في الفترة بين أبريل- نوفمبر2021. وذكرت أن دوافع هذه الاعتقالات سياسية بامتياز، ويوجه قضاء السلطة للمعتقلين تهم “إثارة النعرات الطائفية، وإقامة التجمعات، وتلقي وجمع الأموال، وحيازة السلاح، وغيرها”.
إن دوافع أجهزة أمن السلطة تفضح عن سلوكها ودوافعها، وربما تسمح للبعض أن يضعها في الخندق الآخر، عندما تكيف مواجهة الاحتلال من قبل أبناء الشعب الفلسطيني بمن أبناء فتح، باعتباره فعلا تجرمه، في حين أنه واجب وطني على كل فلسطيني، إلا إذا نزعت السلطة وفريقها المتنفذ عن الكيان الصهيوني صفة العدو!
وارتباطا بذلك يمكن فهم الاعتداء على نجل الزبيدي بذلك التوحش؛ الذي يمكن وضعه في سياق الترجمة السياسية والفكرية لهذا الخيار المدان الذي لا يعبر بالتأكيد عن أبناء حركة فتح الذين فجروا الثورة وكانوا قادتها ووقودها، وموقف الشعب الفلسطيني بكل أطيافه السياسة والفكرية وتاريخه وإرثه الكفاحي.