الجزائر تريده كاملاً وهي من تكشفه للعموم.. لماذا تستغل فرنسا الأرشيف التاريخي في أزمتها السياسية؟
ووفق مصادر خاصة لـ”عربي بوست” فإن الجزائر تضغط على باريس لتسليم الأرشيف الجزائري كاملاً دون الكشف عنه، وليس جزءاً منه فقط كما تسعى فرنسا.
وكشفت وزيرة الثقافة الفرنسية بعد زيارة وزير الخارجية جون إيف لودريان أن قصر الإليزيه قرر رفع الحظر عن الأرشيف الجزائري المتعلق بتحقيقات الجيش مع الجزائريين فقط إبان الثورة التحريرية (1954-1962).
وحسب مصدر لـ”عربي بوست” فإن الجزائر لا تحبذ التعامل مع ملف الأرشيف بالطريقة الفرنسية، وهو ما جعلها لا تعلق رسمياً لحد الآن على هذه الخطوة.
ووفق مؤرخين فإن فرنسا نقلت الأرشيف الجزائري الخاص بالحقبة العثمانية وفترة الاحتلال (1830-1962) خلال سنتي (1960-1962) بعد تأكدها أن استقلال الجزائر بات قريباً.
ويعتقد المحلل السياسي فاتح بن حمو أن فرنسا لا يحق لها الإفراج عن أي وثيقة من الأرشيف الجزائري لأنه لا يعنيها.
ويرى بن حمو أن ملف الأرشيف ملف حساس لا يمكن التعامل معه على الطريقة الفرنسية التي تتسم بكثير من الابتزاز المبطن.
أداة ضغط
لا تفوِّت فرنسا أي فرصة للضغط على الجزائر بملف الأرشيف، بحيث تقحمه في كل توتر بين البلدين، ويبدو أن إعلان الإفراج عن جزء منه قريباً قبل 15 سنة من وقته المحدد، يصب في هذا الشأن.
وتعيش العلاقات الفرنسية الجزائرية أسوأ مراحلها منذ اعتلاء عبد المجيد تبون سدة الحكم نهاية 2019، وهي الأزمة التي تحاول فرنسا إخمادها نظراً لحاجتها الاستراتيجية في الجزائر.
ووفق مصادر لـ”عربي بوست” فإن زيارة وزير الخارجية الفرنسي للجزائر مؤخراً لم تكُن ناجحة بالمستوى الذي كانت تريده باريس، وهو ما جعلها تضغط بملف الأرشيف وإعلانها فتحه بصورة مفاجئة وقبل وقته المحدد بسنوات.
وتدرك فرنسا جيداً أن ورقة الأرشيف من شأنها أن تزعج الجزائر كثيراً لعدة أسباب، أبرزها جهل الجزائريين بما يحتوي من مفاجآت، وعدم القدرة على التأكد من صحته، باعتبار تواجده في الخزائن الفرنسية منذ عقود يمكن تحريفه واللعب في سطوره بسهولة لصالح المستعمر القديم.
وعلق المحلل فاتح بن حمو عن إفصاح فرنسا على أرشيف فترة معينة من تاريخها الاستعماري غير بريء من حيث الوقت، كما أن الابتزاز الفرنسي لن يتوقف ما دامت باريس تحتفظ بالأرشيف الجزائري الممتد لقرون طويلة.
الجزائر تريده كاملاً
أصر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على تسليم فرنسا للأرشيف الجزائري كاملاً غير منقوص أو مبتور.
وقال تبون في حوار تلفزيوني إن الجزائر تريد من فرنسا تسليم الأرشيف الجزائري منذ أول يوم للاستعمار، إضافة إلى الأرشيف الذي وجدته في الجزائر والمتعلق بالحقبة العثمانية في البلاد.
وتحوز فرنسا أرشيف 4 قرون ونصف القرن من تاريخ الجزائر، ثلاثة منها مرتبطة بالتواجد العثماني، وقرن وربع من الاحتلال الفرنسي.
وكشفت مصادر أن الجزائر تسعى للحصول على الأرشيف ثم تقوم هي بكشفه للمؤرخين والمهتمين، كما ترفض الطريقة التي تتعامل بها فرنسا معه إذ تكشف عن الأجزاء والفترات التي تريدها هي وفي الفترات التي تحددها.
وشدد بن حمو على ضرورة ضغط الجزائر أكثر للحصول على الأرشيف كاملاً من فرنسا؛ لأن ذلك نوع من أنواع السيادة الجزائرية التي تدَّعي فرنسا أنها تحترمها.
ودعا المتحدث ذاته، إلى فتح قنوات ومفاوضات مباشرة فيما يخص ملف الأرشيف بالنظر إلى حساسيته.
توجس جزائري
في كل مرة لا يفتح ملف الأرشيف في الجزائر، إلا ويشعل الساحة السياسية والثقافية وحتى الجهوية في البلاد.
فرغم أن السلطات الرسمية في الجزائر، تصر على استرجاع الأرشيف، إلا أن تصديق ما يحويه سيكون صعباً على الجزائريين حكومة وشعباً.
ولا تثق الجزائر عموماً في فرنسا وتنظر إلى كل ما يأتي من لدنها بريبة وتوجس غير طبيعي، ومن المتوقع أن يُشعِل الأرشيف إن تم تسليمه فعلاً للجزائر حرباً ضروساً بين مختلف شرائح الشعب الجزائري.
ويتخوف الكثير من المختصين في التاريخ من فتح الأرشيف بطريقة عشوائية، إذ يرى البعض أن التنقيح والتدقيق سيكون إلزامياً بعد تسلمه من باريس إذا حدث قبل فتحه أمام الطلاب والباحثين والعوام.
ويقدر بن حمو التخوف الجزائري من إمكانية كشف الأرشيف بطريقة عشوائية، مؤكداً أن هذا النوع من التاريخ يجب أن يدرس بتأنٍّ، ويعالج وينقّح جيداً قبل نشر أي ورقة من أوراقه.