الحرب الباردة الجديدة.. درس ريغان لترامب
كانت الحملة الانتخابية لدونالد ترامب تكرارا لصدى حملة رونالد ريغان في عام 1980 المعتمدة على شعار “السلام من خلال القوة”.
هذا التشابه ينبغي لترامب أن يستخدمه لصالحه السياسي والاستراتيجي، متذكرا ما الذي يعنيه بالضبط “السلام من خلال القوة” وإذا كان المألوف نسب نهاية الحرب الباردة إلى الزعيم السوفييتي ميخائيل جورباتشوف، إلا أن إدارة ريغان هي التي أجبرت موسكو على السير على مسار الإصلاح الذي أدى في النهاية نهاية الاتحاد السوفياتي.
وبدأ ريغان حملته برفض قوي للشيوعية كأيديولوجية والتوسع السوفييتي كاستراتيجية، وبادر في الوقت نفسه إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي سعيا إلى استغلال التفوق التكنولوجي الأمريكي، لكن عندما حان الوقت المناسب، تحول ريغان إلى عقد اجتماعات مع جورباتشوف أفضت إلى اختراقات مذهلة في كل من نزع السلاح والأمن الأوروبي، وفقا لما ذكرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية.
ويعتقد ترامب أنه يجب أن يكون المرء قويا في المفاوضات مع خصم قوي، على أن يسعى بعد ذلك إلى اللحظة الحاسمة للتسوية.
واليوم، تجد الولايات المتحدة نفسها في السنة السادسة على الأقل من الحرب الباردة الثانية التي تخوضها مع الصين والتي أصبحت أكثر خطورة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن.
وفي ولايته الأولى، أدرك ترامب الحاجة الأمريكية لاحتواء صعود الصين وأقنع النخب السياسية بأن ذلك الأمر يتطلب حربًا تجارية وتكنولوجية، وفي ولايته الثانية، يجب أن يبدأ الرئيس المنتخب مرة أخرى بتكثيف الضغوط عن طريق استعراض جديد للقوة الأمريكية.
لكن لا ينبغي أن يكون هذا الاستعراض للقوة غاية في حد ذاته، حيث يجب أن يكون الهدف النهائي مثل هدف ريغان وهو التوصل إلى اتفاق مع الخصم الرئيسي لواشنطن.
وبالطبع، هناك اختلافات كبيرة بين ترامب وريغان فترامب من دعاة الحماية في حين كان ريغان من دعاة التجارة الحرة، كما أن ترامب معاد للهجرة غير الشرعية بقدر ما كان ريغان منفتحا عليها.
كما كان السياق الاقتصادي عند انتخاب ريغان أسوأ بكثير من اليوم ففي عام 1980، كان معدل التضخم، 12.6٪. ومعدل البطالة 7.5٪ ووبلغ ذروته عند 10.8٪ في 1982 كما كانت أسعار الفائدة مرتفعة للغاية وعلى النقيض من ذلك كان التضخم في 2024 2.6٪، والبطالة 4.1٪.
ومع ذلك، فقد تعرض ريغان للسخرية والاستخفاف أكثر من أي سياسي كبير آخر في عصره وهذا هو حال ترامب اليوم.
وفاز ريغان في عام 1980 بهامش أكبر كثيراً من ترامب حيث فاز في 44 ولاية وانتُخِب رئيساً بأغلبية 489 صوتاً في المجمع الانتخابي وهامش تصويت شعبي بلغ 9.7% في حين فاز ترامب في 31 ولاية، و312 صوتاً في المجمع الانتخابي، وهامش تصويت شعبي بلغ نحو 1.6%.
وتحت إدارة ترامب سيسيطر الحزب الجمهوري، على مجلسي الكونغرس، في حين سيطر الحزب في عهد ريغان على مجلس الشيوخ فقط ونقل ترامب المحكمة العليا إلى اليمين بشكل حاسم بتعييناته الثلاثة خلال ولايته الأولى، في حين كانت المحكمة خلال ولاية ريغان أكثر ليبرالية.
ومثلما تعرض ريغان لمحاولة اغتيال بعد شهرين فقط من تنصيبه، نجا ترامب من محاولة اغتيال خلال حملته وتعهد الرجلان أيضا بتقليص حجم الحكومة الفيدرالية وخفض الإنفاق.
ويميل المؤرخون إلى الحكم على الرؤساء المعاصرين من خلال نجاحاتهم وإخفاقاتهم في السياسة الخارجية أكثر من إنجازاتهم المحلية.
أزمات خارجية
ومثل ريغان، سيرث ترامب العديد من أزمات السياسة الخارجية من سلفه ففي عام 1980، كانت إيران والعراق في حالة حرب وغزا السوفييت أفغانستان واليوم، تخوض إيران حربًا مع إسرائيل وتخوض روسيا حربا في أوكرانيا.
لكن الوضع حاليا يبدو أكثر خطورة من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة فقد حلت الصين محل الاتحاد السوفييتي باعتبارها المنافس الرئيسي للولايات المتحدة، وتتعاون بكين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية علناً على المستويين الاقتصادي والعسكري.
وربما يشارك ترامب ريغان حظه المبكر؛ ففي غضون دقائق من خطاب تنصيبه أطلقت إيران سراح الرهائن الأمريكيين الـ53، وربما يتلقى ترامب أخباراً طيبة في وقت أقرب من الشرق الأوسط.
وعلى النقيض من ذلك من غير المرجح أن تكون الأخبار الواردة من أوكرانيا جيدة، رغم تعهد ترامب بإنهاء الحرب فورا وهو أمر صعب تحقيقه.
وينبغي لترامب أن ينظر إلى نموذج ريغان الذي صعّد سباق التسلح مع السوفيات فارتفعت نفقات الدفاع الأمريكية بنسبة 54% بين عامي 1981 و1985 ونشر صواريخ نووية متوسطة المدى في أوروبا الغربية، وأطلق نظام الدفاع الصاروخي لمبادرة الدفاع الاستراتيجي في عام 1983، بمعنى آخر، لم يتردد ريغان في استخدام القوة العسكرية عندما رأى المصالح الأمريكية مهددة.
لكن ريغان لم يكن دائماً من الصقور فلم يفعل الكثير رداً على فرض الأحكام العرفية في بولندا في 1981 ووافق على خفض مبيعات الأسلحة إلى تايوان في 1982، ولم يرد عندما قصف مسلحون شيعة مدعومون من إيران ثكنات عسكرية أمريكية في بيروت في 1983.
سياسة حافة الهاوية
ولم يكن هناك ما يعبر عن هذه المرونة أكثر من تحول ريغان من سياسة حافة الهاوية إلى الانفراج مع جورباتشوف ففي محادثات في ريكيافيك في عام 1986، اقترب الاثنان من الاتفاق على إلغاء جميع أسلحتهما النووية وتعهدا في النهاية، بخفض الصواريخ النووية متوسطة المدى بشكل كبير.
وكانت خطوات ريغان في ولايته الثانية جذرية إلى الحد الذي جعله يتعرض لانتقادات شديدة من قِبَل المهندسين الأصليين للانفراج الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير الخارجية هنري كيسنغر، لتجاوزه الحدود.
في ولايته الأولى، كانت الأولوية الأكثر أهمية للسياسة الخارجية لترامب هي التنافس مع الصين، ولم يكن ينوي بدء حرب باردة ثانية إلا أنها كانت قد اندلعت بالفعل.
إن التزام ترامب هو تجنب توريط الولايات المتحدة في المزيد من “الحروب الأبدية”، وقبل كل شيء، منع حرب عالمية ثالثة.
الصفقة الكبرى
وفي نظر ترامب، قد تكون “الصفقة الكبرى” هي السبيل الوحيد لتجنب الاضطرار إلى بدء حرب قد لا تفوز بها الولايات المتحدة ويجب أن تكون هذه الصفقة هي الهدف النهائي لترامب في ولايته الثانية.
ولن تكون هذه الصفقة هبة مجانية، لكن المنطقي، مثلما حدث في الثمانينيات، أن تسعى القوتان العظميان إلى نزع السلاح، ويجب أن يكون العنصر الحاسم في أي اتفاق أمريكي صيني هو العودة إلى إجماع السبعينيات بشأن تايوان حيث تقبل واشنطن وجود “صين واحدة” ولكنها تحتفظ أيضًا بخيار مقاومة أي تغيير قسري للحكم الذاتي الفعلي لتايوان.
ومع ذلك، لا يمكن التوصل إلى اتفاق بين ترامب وشي إلا بعد أن تستعيد الولايات المتحدة موقفها القوي.