“الفيتو”.. أداة للانقسام     2/8

 سليم يونس

وهذا العدد من استخدام امتياز الاعتراض(الفيتو)، يخص الاستخدام الإيجابي لهذا الامتياز أي حق الاعتراض(الفيتو) (الظاهر في الممارسة). ومن ثم فهو لا يتناول امتياز الاعتراض (السلبي)، أي الخفي الذي يتمثل في التهديد باستخدام ذلك الامتياز، وهو يعد بالمئات إن لم يكن أكثر.

فمحاضر مجلس الأمن ملأى بالأمثلة القديمة والحديثة على تلك الحالات التي مورس فيها التهديد باستخدام امتياز الاعتراض من قبل الدول دائمة العضوية، ومن الولايات المتحدة الأمريكية بشكل فظ وصارخ، وفي هذا السياق يمكن ذكر ذلك المثال المتعلق باختيار الأمين العام للأمم المتحدة عام 1950، عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية على الملأ، أنها ستستخدم حق الاعتراض(الفيتو) ضد أي مرشح لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة يحل محل النرويجي تريغف هالفدان لي.

وكان ذلك التهديد كافيا لعدم وجود مرشحين آخرين، الأمر الذي لم يضطر معه

لمندوب الأمريكي لاستخدام تلك المكنة التي يخولها له الميثاق، غير أنه ما كان ليوجد حد لعدد مرات استخدام ذلك الامتياز في سبيل تأكيد سياسة الولايات المتحدة لكي تمنع أي مرشح آخر من الوصول إلى أمانة الأمم المتحدة.

فالمعيار الكمي والحال هذه، لا يمكن له أن يحيط إحاطة دقيقة بحجم المشكلة المتعلقة باستخدام امتياز الاعتراض(الفيتو)، ومن ثم فهو لا يعبر عن الواقع بأي حال من الأحوال، ذلك أنه إذا ما أمكن حصر عدد مرات استخدام امتياز الاعتراض(الفيتو) عند ممارسته، وفق المكنة القانونية التي خولها الميثاق لبعض الأعضاء، فإنه سيتعذر ذلك في إطار الأفعال الناشئة عن التهديد أو التلويح باستخدامه دون اللجوء إلى ذلك، وهو واقع مفهوم مسبقا من الاتجاهات السياسية للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

ومن جانب آخر فإن المعيار الكمي لا يوضح بشكل دقيق حجم المشكلة، ومن ثم لا يمكن قياسها قياسا مضبوطا بسرد الحالات التي مورس فيها امتیاز حق الاعتراض، وذلك بِعَدِها وتبويبها في جدول، وكمثال على ذلك فإن قرابة نصف عدد مرات استخدام الاتحاد السوفيتي لمكنة حق الاعتراض، كانت لمنع دخول أعضاء جدد للأمم المتحدة، منها على سبيل المثال خمس مرات لرفض قبول إيطاليا في الأمم المتحدة(۱).

وفي غياب المعايير التي على ضوئها يجري استخدام هذه المكنة، كان ذلك الحق عبر كل سنوات عمر المنظمة الدولية في خدمة مصالح الدول الدائمة العضوية حقا أو باطلا، وسواء مورس ذلك الامتياز بالمعنى الإيجابي أو بمعناه الخفي عبر التلويح بممارسته لمنع مجلس الأمن أو أي دولة من الدول الدائمة، أو غير الدائمة من تقديم مشروع قرار يمس أيا من تلك الدول دائمة العضوية، أو من يدور في فلكها، والكيان

الصهيوني مثال صارخ على ذلك.

ولذلك كانت مصالح الدول دائمة العضوية غالبا ما تتعارض مع مبدأ تنفيذ الالتزامات بحسن نية، المادة الثانية الفقرة الثانية من الميثاق، وهو النص الذي يعتبر من المبادئ الضرورية لتحقيق فاعلية الأمم المتحدة، لأن الفاعلية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تنفيذ الأعضاء لالتزاماتهم الواردة في الميثاق بحسن نية، وبالصورة التي تحقق إعمال نصوص الميثاق، وتنجز أغراض المنظمة، وقد تأكد هذا المبدأ كذلك في اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات الدولية عام 1969، بأن تضمنت المادة السادسة والعشرين منها، على أن كل معاهدة نافذة تكون ملزمة لأطرافها وعليه تنفيذها بحسن نية(1).

واستخدام حق الاعتراض(الفيتو) “بسوء نية” جعل منظمة الأمم المتحدة قابلة للتوظيف لصالح الدول دائمة العضوية على حساب مصالح الدول الأخرى، ولقد ساعد على ذلك نصوص ميثاق الأمم المتحدة التي تكتنفها الغموض، وربما كان غموضا متعمدا لفتح

الباب أمام تكريس سلوك التأويل، وهي سلطة تحتكرها الدول دائمة العضوية، تستفيد  منها هي وحلفائها وأتباعها، وفي إطار محاصرة ذلك التعسف أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات عديدة تهدف إلى الحد من إساءة ممارسة حق الاعتراض، ومن ذلك القرار الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 1946 الذي يحث الدول على ألا يؤدي استعمالها لحق الاعتراض (الفيتو) إلى إعاقة مجلس الأمن عن القيام بمهامه، وأن تعمل على الإقلال من استخدام ذلك الامتياز.

ومن صور الإدانة لسلوك تلك الدول قرار الجمعية العامة رقم 301 الصادر في 10/2/1971، بشأن إدانة توطيد العلاقات بين النظامين العنصريين في جنوب أفريقيا والكيان الصهيوني(1)، مع أن هناك إجماعا دوليا على عزل نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا آنذاك.

—————.

  • محمد العالم الراجحي، مصدر سبق ذكره، صفحة370.
  • د. عدنان طه مهدي الدوري، مصدر سبق ذكره، صفحة 49.
  • د. محمود صالح العادلي، مصدر سبق ذكره، صفحة 40-48.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى