“الفيتو” والقطب الواحد 5/8
سليم يونس
ففي الفترة الممتدة من 1970 وحتى أيار/مايو 1990، تم استخدام حق الاعتراض(الفيتو) من الدول دائمة العضوية 116 مرة، كان نصيب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها 105 مرات، بينما استخدم الاتحاد السوفيتي آنذاك ذلك الامتياز عشر مرات، فيما استخدمت الصين ذلك الامتياز مرة واحدة(2).
والجدول التالي يبين عدد مرات استخدام ذلك الامتياز من قبل الدول دائمة العضوية:
الولايات المتحدة | المملكة المتحدة | الاتحاد السوفيتي | فرنسا | الصين |
64 | 25 | 10 | 16 | 01 |
عدد مرات استخدام امتياز حق الاعتراض(الفيتو)، خلال الفترة من عام 1970 وحتى 31 أيار/مايو 1990.
ويبدو واضحا من قراءة مفردات الجدول أعلاه أن تلك الدول قد استعملت تلك المكنة
بكل ذلك القدر من التعسف في ظل وجود القطب الآخر،و ذلك يشكل مؤشرا هاما على أن تلك الدول ستتمكن من تسخير مجلس الأمن دون معارضة جدية لخدمة مصالحها في حال غيابه، وهو ما تحقق لها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي ترك انهياره الساحة الدولية مفتوحة على مصارعيها لهيمنة القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي نصبت نفسها رقیبا دوليا على سلوك الدول الأعضاء في الجماعة الدولية دون ممانعة من أحد.
والثابت أن الظروف الدولية قد هيأت للولايات المتحدة في ظل ما يسمى النظام العالمي الجديد، مع امتلاكها لقدرات عسكرية واقتصادية استثنائية، مكنة استخدام مجلس الأمن كأداة لتحقيق أهدافها وتوطيد هيمنتها على آليات عمل ذلك الجهاز، الذي يؤمن له ثلاث مزايا أساسية تتمثل في:
– إضفاء الشرعية على تصرفاتها غير الشرعية.
– تجنب النقد المباشر لسياساتها والاستتار خلف غطاء قرارات المنظمة الدولية ودعم حلفائها الذين يدورون في فلكها.
– ضبط إيقاع النظام الدولي بما يحقق مصالحها وأهدافها عبر آليات المنظمة وأدواتها، بما يقلل من تكلفة تلك التصرفات ماديا وأدبيا(۱).
وفي سبيل خدمة تلك الأهداف والمصالح كانت حرب الخليج الأولى، التي لم تكن سوى ذريعة لتأمين وجود شرعي وقانوني للولايات المتحدة في منطقة خزان النفط الأهم في العالم، هذا من جانب وفي الجانب الآخر تدمير بنى العراق الاقتصادية والعسكرية والعلمية باعتباره قوة ناهضة لها تطلعات قومية تتعارض والمصالح الأمريكية في المنطقة.
ولأن إدارة بوش الأب لم تتمكن من استكمال تلك المهمة قام جورج دبليو بوش الابن باستكمال ذلك المخطط بالتدمير الكامل للعراق من خلال الغزو المباشر، ولكن في هذه المرة بعيدا عن الشرعية الدولية، عندما عجز أمام فجاجة المنطق الأمريكي وانعدام الأسباب الجوهرية في تأمين غطاء من الشرعية الدولية لذلك الغزو من مجلس الأمن.
فالأطماع والمصالح هي التي كانت وراء الحملات العسكرية المتتابعة في المنطقة العربية، ولعل ما نشر في دراسة صدرت عام 1977 عن معهد الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، ما يلقي الضوء على خلفية والأسباب الكاملة وراء ما جرى في العراق منذ علم 1990 وحتى الآن، بأن جری تدمير منهجي للعراق المقدرات والإنسان وصولا إلى الاحتلال العسكري المباشر للعراق ولدول الجوار تحت ذرائع متعددة.
لقد أفادت تلك الدراسة بأن على الأمريكيين احتلال منابع النفط مباشرة حتى يكون في استطاعتهم تأمين حاجاتهم النفطية، بحلول عام ألفين، وتؤكد تلك الدراسة أن الولايات المتحدة لا تستورد حاليا من منطقة الخليج سوى 15 في المائة من حاجاتها النفطية، ولكن في القرن الحادي والعشرين سوف تتصاعد تلك النسبة لتصل إلى 65 في المائة،
كما ستزداد نسبة احتياجات أوروبا واليابان النفطية إلى أكثر من ذلك المعدل، إن الحل هو في وجود أمريكي مباشر لضمان مصالح واشنطن في منطقة الخليج(1).
أما قائد قوات التحالف في الحرب ضد العراق1990، الجنرال رومان شوارزكوف فقال في تقرير إلى لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي في 20 نیسان/أبريل 1989، بحلول عام 2000 يتعرض الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة لانخفاض في نسبته تصل إلى 20 في المائة، مما سيزيد من اعتمادنا على المصادر البترولية
للمنطقة (العربية). كذلك فإن المنطقة تقوم على ملتقى الطرق البحرية الرئيسية التي
تربط الشرق الأوسط وأوروبا وجنوب آسيا وشرقها ونصف الكرة الغربي(2).
فالمصالح الأمريكية إذن هي المحرك الأساس للحرب الدموية عام 1990 التي شنت ضد العراق، رغم ” لافتة ” الأمم المتحدة، عندما تمكنت أمريكا من تسخير مجلس الأمن للقيام بذلك الدور، وهو ما عبر عنه الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويیار آنذاك بقوله “إن مجلس الأمن هو الذي صرح بالعدوان وليست الأمم المتحدة، فالحرب ليست حرب الأمم المتحدة، ليس هناك خوذات زرقاء، ولا علم لهيئه الأمم المتحدة، وأنا ببساطة تصلني أخبار عن سير الحرب عن طريق تقارير الحلفاء، لا يمكن القول أن الأمم المتحدة مسؤولة عن هذه الحرب”(1)
إن هذا الإصرار المسبق فيما يخص تحطيم قدرات العراق الاقتصادية والعسكرية والبنية التحتية، يبدو واضحا من خلال عدد القرارات التي اتخذتها أمريكا في مجلس الأمن، ذلك أن مجلس الأمن أخذ اثنا عشر قرارا في الفترة من 2/8/1990 تاريخ كارثة الغزو العراقي للكويت وحتى 29/11/1990″(2).
إن كل تلك الشواهد تؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت في السيطرة على مجلس الأمن وتوظيفه لصالح دعم سيطرتها على النظام الدولي وتكريس نفسها زعيمة للعالم رغم إرادته، الأمر الذي جعل العديد من الشعوب ومنها الشعب العربي أن تدفع
ثمنا باهظا نتيجة الهيمنة الأمريكية سواء في فلسطين أو العراق أو غيرها من الدول، ولذلك فإن المصطلح الذي جرى تداوله وأصبح يطلق على مجلس الأمن هو: “مجلس
الأمن الأمريكي” فيه ما يقارب الحقيقة، والوقائع الملموسة طوال السنوات الماضية وحتى الآن شاهد على ذلك.
—————————–
1–باتريك هيرمان، مصدر سبق ذكره، صفحة34-50.
2–ويكيبيديا “الموسوعة الحرة” شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت”.
(1) د. محمد عاشور مهدي، مصدر سبق ذكره، صفحة 386.
- كابي طبراني، خريف الغضب، منشورات الأفق، دار الجيل، الطبعة الثانية 1991، صفحة 31.
- 1-المصدر السابق، صفحة 49.
1-باتريك هيرمان، مصدر سبق ذكره، صفحة35.
2-المصدر السابق، صفحة 35.