برلمان الجزائر يصادق على قانوني”القطيعة” مع نظام بوتفليقة

ولم يبق أمام دخول القانونين حيز التنفيذ إلا مصادقة نواب مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) في إجراء شكلي، لتدخل الجزائر مرحلة جديدة “من القطيعة مع ممارسات النظام السابق” وفق قراءات مراقبين للقانونين وتوقيت إعلانهما.

وأشار وزير العدل حافظ الأختام الجزائري بلقاسم زغماتي إلى أن القانونين “سيعززان المنظومة القانونية بأحكام قادرة على مواجهة مختلف الوضعيات و الأزمات”، في إشارة إلى سعي إدارة تبون “بسط نفوذها” لتفادي الثغرات القانونية التي خلفتها استقالة الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، والقوانين المثيرة للجدل التي سنت في عهده.

وأقر زغماتي بأن القانونين الجديدين يستهدفان “القضاء على تركة بوتفليقة القانونية الثقيلة”، مشيراً إلى أنهما سيعملان على “سد الفراغ التشريعي الذي تعاني منه المنظومة القانونية للبلاد في مجال تسيير الأزمات الكبرى والتصدي للجرائم الناتجة عنه”.

وحدد الوزير 3 أهداف من سن القانونين في كلمة له أمام نواب الغرفة السفلى للبرلمان، ولخصها في “أخلقة الحياة السياسية من خلال القضاء على السلوكيات التي قال تبون إنها “شوهت الحياة السياسية”، وتحقيق الأمن والاستقرار، وكذا العدالة الاجتماعية.

وأشار إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي في تفشي ظاهرة الكراهية والتمييز في المجتمع الجزائري، والتي وصفها بـ”المجال الخصب لمختلف أشكال الكراهية والتمييز”، والتي تؤدي إلى “استهداف استقرار المجتمع ونشر العنف وثقافة عدم التسامح” وفق تصريح وزير العدل.

وسيبدأ تطبيق قانون العقوبات الجديد على “المخالفين” للتدابير الاحترازية التي اتخذتها الجزائر لمنع تفشي فيروس كورونا “بشكل رادع” كما قال زغماتي.

نواب البرلمان الجزائري يصادقون على قانوني العقوبات وتجريم الكراهية

شعرة بين “القمع” وضرورة فرض “هيبة” الدولة

وتباينت ردود أفعال النشطاء الحقوقيين والسياسيين لما ورد في مشروعي القانونين الجديدين، بين من رأى بأنها “تؤكد صدق نوايا السلطة الجديدة في إحداث القطيعة مع ممارسات النظام السابق”، وتعيد في الوقت نفسه “هيبة الدولة” التي يقول الجزائريون “إنهم افتقدوها” في العقدين الأخيرين، بهدف “وضع حد لأي انزلاقات قد تحدث تحت غطاء الحريات العامة”.

ودعا عدد منهم إلى “ضرورة التطبيق الصارم لمحتوى القانونين”، مرجعين ذلك إلى بعض “الأطراف المعارضة المدعومة من الخارج والتي حاولت خلال المظاهرات توجيه مطالب الحراك الشعبي لإعادة الدولة العميقة إلى المشهد السياسي”.

غير أن أطراف أخرى اعتبرت بأن تعديلات قانون العقوبات ومواد قانون مكافحة التمييز والعنصرية “تكريس للمزيد من قمع الحريات وتراجع كبير عن حق حرية التعبير والتظاهر التي يكفلها الدستور الجزائري”.

ولم يخف بعض الحقوقيين “إحباطهم” مما أسموه “ضربة موجعة تكبح مجال الحريات في الجزائر بعد إقرار قانونين في وقت واحد لا يتوافقان مع مطالب الحراك الشعبي بالتغيير الجذري للسياسات”.

ودافع وزير العدل الجزائري عن القانونين الجديدين، وأكد بأنهما يعملان على “مكافحة بعض التصرفات غير النزيهة التي تتعارض مع أخلاق الحياة الاجتماعية وتمس بسياسة الدولة في دعم الفئات الهشة بمحاربة الممارسات التي تمنع وصول هذه المساعدات لمستحقيها”.

ويتضمن قانون “مكافحة خطاب التمييز والكراهية” الجديد الذي صادق عليه مجلس الوزراء الجزائري نهاية فبراير/شباط الماضي على “تحديد مسؤوليات كل مواطن وكل مجموعة اجتماعية أمام الواجب المقدس المرتبط باحترام التماسك الاجتماعي وقيم الوحدة الوطنية والأخوة التي عززت تلاحم الأمة عبر تاريخها”.

وزير العدل الجزائري في البرلمان

ردع “التخابر والشائعات”

وجاءت تعديلات قانون العقوبات بـ”3 محاور جديدة” تتعلق بـ”تجريم بعض الأفعال التي تمس بأمن الدولة وبالوحدة الوطنية”، و”تجريم بعض الأفعال التي من شأنها المساس بالنظام العام والأمن العموميين”، وتجريم أفعال نشر أو ترويج أنباء كاذبة للمساس بالنظام والأمن العموميين”.

وبرر وزير العدل بلقاسم زغماتي العقوبات الواردة في التعديلات الجديدة بـ”تلقي أشخاص أموالاً من جهات داخل وخارج البلاد”، وعدها “أفعالاً لا تشكل جريمة مستقلة بذاتها وإنما تنطوي تحت أوصاف أخرى واردة في قانون العقوبات” في إشارة إلى “جرائم التخابر والخيانة والتجسس”.

وسن القانون الجديد عقوبة السجن من 5 إلى 7 سنوات ضد “المتخابرين مع أطراف أجنبية” وغرامات مالية تصل إلى 5400 دولار أمريكي بـ”مجرد تلقي الأموال من جهات داخلية أو خارجية بغض النظر عن تحقق الجريمة التي تلقى الأموال لأجل ارتكابها أو للتحريض عليها” وفق قانون العقوبات الجديد.

على أن تضاعف العقوبة إذا تعلق الأمر بـ”جمعية أو منظمة مهما كان شكلها أو تسميتها” تلقت أموالاً “مشبوهة”.

وشمل القانون أيضا ما أسماه “إذا تمت الافعال تنفيذاً لخطة مدبرة داخل وخارج الوطن”، فقد حددت عقوبة بالسجن تصل إلى 7 سنوات، وغرامة مالية تصل إلى 7700 دولار أمريكي.

وأرجع قانونيين تشديد العقوبات على “متلقي الأموال من جهات داخلية أو خارجية” إلى التحقيقات التي باشرها الأمن الجزائري منذ العام الماضي، والتي كشفت عن وجود “شبكات ومنظمات تتلقى الدعم السياسي والمالي من رجال أعمال جزائريين ودول أجنبية سعت لفرض أجندتها بالفوضى أو الضغط على السلطات الجزائرية للإفراج على أركان الدولة العميقة ونظام بوتفليقة” وفق تصريحات سابقة لمسؤولين جزائريين.

وللمرة الأولى، تسن الجزائر “عقوبات صارمة” على الشائعات ومروجيها، حيث أقر القانون الجديد عقوبة السجن تصل إلى 3 سنوات، وغرامات مالية معتبرة لـ”كل من ينشر أو يروج عمدا بأي وسيلة أخبار كاذبة بين الجمهور من شأنها المساس بالأمن والنظام العموميين”.

إضافة إلى عقوبات أخرى بالسجن والغرامات المالية على “كل من يحل محل المترشح في الامتحانات والمسابقات” والمعتدين على الأئمة، وتزوير وثائق والتصريح الكاذب للحصول على الإعانات والمساعدات الحكومية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى