“بطل” أم “خائن”.. هل يستغل بنس دوره في إحباط انقلاب ترامب للترشح للرئاسة؟
كان بنس، نائب الرئيس، يوصف بأنه “التابع الوفي تماماً” لترامب على مدى سنوات رئاسة ترامب، حتى يوم 6 يناير/كانون الثاني 2020، عندما انقلبت الأمور بالنسبة لبنس تماماً وتحول بالنسبة لترامب وأنصاره إلى “خائن” بسبب رفضه استغلال منصبه كرئيس للجنة التصديق النهائي على نتائج الانتخابات من خلال الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ (الكونغرس)، كي يرفض التصديق على النتائج، لكن بنس لم يفعل ذلك.
بنس “البطل” الذي أحبط الانقلاب
يشهد الكونغرس حالياً جلسات عامة تعرض خلالها لجنة التحقيق في أحداث اقتحام الكونغرس نتائجها على الأمريكيين، وتستمع علانية إلى الشهود، ونشرت صحيفة The Guardian البريطانية تقريراً حول تلك الجلسات، وكيف ألقت الضوء بالتفصيل على دور بنس تحديداً في منع مؤامرة ترامب للانقلاب على نتائج الانتخابات.
كانت أحداث اقتحام الكونغرس قد شهدت هجوماً غوغائياً ودامياً من أنصار ترامب على مبنى الكابيتول (مقر الكونغرس)، بينما كان الأعضاء يعقدون جلسة مشتركة برئاسة بنس للتصديق على نتائج الانتخابات. واقتحم المئات من اليمينيين المتطرفين المسلحين المبنى بالفعل، وعاثوا فساداً في أروقته ومكاتبه، بينما هرول الأعضاء، ومنهم بنس بطبيعة الحال، للنجاة بحياتهم حرفياً.
نقلت وسائل الإعلام تلك المشاهد المرعبة ليس فقط للأمريكيين، ولكن للعالم أجمع، فيما وصفت بأنها أضخم فضيحة تواجهها الديمقراطية الأمريكية، الدولة التي تقود النظام العالمي، وتعتبر نفسها حامي حمى الديمقراطية حول العالم. ورغم أن الأعضاء عادوا بعد ساعات إلى عملهم، وتم استكمال جلسة التصديق على النتائج بالفعل، فإن الكونغرس شكّل لجنة خاصة للتحقيق في تلك الأحداث، لا تزال تواصل عملها.
وكثيراً ما يُوصف مايك بنس بأنه بطلٌ دافع عن بلاده وقت الشدة، فهو الرجل الذي نهض للوقوف في وجه مؤامرة رئيسه دونالد ترامب الانقلابية، وأنقذ أمريكا من “تمرد” عنيف على ديمقراطيتها.
لكن بنس لم يكن بين صفوف أعضاء لجنة التحقيق في أحداث اقتحام الكابيتول والشهود والمراسلين ونواب الكونغرس والنساء والشباب، الذين احتشدوا الخميس 9 يونيو/حزيران للإدلاء بشهادتهم في جلسة استماع الكونغرس حول الهجوم على مبنى الكابيتول، في 6 يناير/كانون الثاني 2021، وغاب نائب الرئيس السابق عن الحضور مع أنه كان أحد الشهود البارزين على الأحداث.
والحقيقة أن بنس كان في ولاية أوهايو، الواقعة على بعد 800 كيلومتر، منشغلاً بحملة ترويجه لـ”الهيمنة الأمريكية على الطاقة”.
لماذا غاب بنس عن جلسة الكونغرس؟
تختلف فعالية الجلسة العامة للجنة التحقيق في أحداث الكونغرس عن تلك التي حضرها بنس في أوهايو، لكن الفعاليتين يمكن أن تقودا الأمور إلى الاتجاه نفسه: “بنس مرشحاً لانتخابات 2024 الرئاسية الأمريكية”. ومع أن هذا الترشح كان مستبعد الوقوع في وقت من الأوقات، فإنه الآن قد يكون فرصة لتسليط الضوء على علاقة بنس المعقدة برئيسه السابق دونالد ترامب، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
بدت من بنس أمارات كثيرة بالفعل على أنه يفكر في العودة إلى البيت الأبيض، فقد أنشأ منظمة “النهوض بالحرية الأمريكية”، وطاف بجولاته في الولايات والساحات البارزة لتأييد الحزب الجمهوري.
ومع ذلك، فلا شيء يقوله بنس في حملته الانتخابية المبكرة قد يكون له التأثير نفسه الذي بلغته تلك الساعات الثلاث التي شهدت اجتماع اللجنة المكونة من نواب البرلمان الأمريكي، الخميس 9 يونيو/حزيران، للتحقيق في أحداث اقتحام الكونغرس، أمام جمهور تلفزيوني بلغ تعداده ملايين المشاهدين.
لم يكن بنس حاضراً، لكن لجنة التحقيق امتدحته لموقفه في يوم الاقتحام، وفي الوقت الذي صبَّت فيه جام انتقاداتها على الرئيس السابق، جعلت اللجنة بنس منقذاً للجمهورية الأمريكية.
وصفت اللجنة بنس بأنه قدَّم ولاءه للبلاد على ولائه لرئيسه ترامب، وهو أمر قد يزيد شعبيته بين الناخبين الجمهوريين الراغبين في الانصراف عن تأييد الرئيس السابق. لكن الجلسة نفسها وما قيل فيها قد تثير أيضاً حفيظة كثيرين من مؤيدي ترامب، وتزيد اتهامهم لبنس بالمسؤولية عما حدث، وتُعزز وصمَه بالخائن بينهم.
كانت الجلسة العامة الثالثة للجنة التحقيق في أحداث الكونغرس تدور حول محاولات ترامب للضغط على بنس من أجل وقف التصديق على نتائج الانتخابات. واستمعت اللجنة لأقوال الشهود حول ما قيل للرئيس السابق مراراً من أن نائب الرئيس لا يملك السلطة الدستورية ولا القانونية التي تخوِّل له تلبية مطلبه بإلغاء نتائج الانتخابات.
بدأ بيني طومسون، رئيس اللجنة، جلسة الاستماع بملاحظة قال فيها: “لقد قال مايك بنس (لا)، وقاوم الضغوط، لقد علم أن الأمر غير قانوني، وكان يدرك أنه خطأ، نحن محظوظون بالشجاعة التي أبداها بنس في 6 يناير/كانون الثاني 2021. لقد كانت ديمقراطيتنا على شفا كارثة عظيمة، وقد كادت تلك الشجاعة توقع به في خطر جسيم”.
وقالت النائبة الجمهورية ليز تشيني، نائبة رئيس لجنة التحقيق: “لقد أدرك بنس أن ولاءه للمنصب أهم من ولائه لدونالد ترامب، فأدَّى ما عليه، أما ترامب فلا شك في أنه لم يفعل ذلك”.
هل بنس “خائن” أم بطل قومي؟
أظهرت شاشة عملاقة في غرفة اجتماع لجنة الكونغرس هتافات الغوغاء يوم اقتحام الكونغرس، في 6 يناير/كانون الثاني 2021، وصيحات العداء لنائب ترامب، مثل: “مايك بنس خان الولايات المتحدة الأمريكية!”، وصوت آخر يردد: “اشنقوا مايك بنس!”. وعرضت الشاشة أيضاً صورة المجسَّم المحاكي للمشنقة وفي خلفيته قبة مبنى الكونغرس الأمريكي.
بالإضافة إلى ذلك، عُرضت لقطات لإجلاء بنس من قاعة مجلس النواب، وأوضحت اللقطات أنه كان على بعد 12 متراً فقط من الغوغاء، وأنه كان عرضة لخطر كبير لو لحقوا به. كما أشارت اللجنة إلى أن مخبراً سرياً أبلغ مكتب التحقيقات الفيدرالي بأن جماعة “الأولاد الفخورون Proud Boys” اليمينية المتطرفة كانت عازمة على قتل بنس إن سنحت لها الفرصة.
جماعة “الأولاد الفخورون” واحدة من الجماعات اليمينية المتطرفة، التي كان ترامب قد طلب منها “الاستعداد”، خلال مناظرته الوحيدة مع منافسه- الرئيس الحالي جو بايدن- خلال الحملة الانتخابية عام 2020. ثم كانت تلك الجماعة على رأس المقتحمين للكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021، بغرض منع التصديق النهائي على نتيجة الانتخابات وفوز بايدن.
وشهد كريغ جاكوب، مستشار نائب الرئيس آنذاك، بأن بنس رفض الانصياع لكل ذلك، وأنه أصر على أنه لن يسمح بأن يشهد العالم “هروب نائب الرئيس من مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة الأمريكية”. ومع ذلك لم يتصل ترامب قط للاطمئنان على سلامة بنس.
تغنَّت اللجنة والشهود الحاضرون بمديح بنس وموقفه، ومع ذلك فقد أبدى البعض انزعاجهم من غيابه، وعابوا عليه عدم قدومه للشهادة على ما حدث بنفسه.
ونشر مايكل بشلوس، المؤلف وكاتب سير الرؤساء، تغريدة قال فيها: “لماذا لا يدلي بنس بشهادته أمام لجنة التحقيق في أحداث 6 يناير/كانون الثاني، ويخبرنا جميعاً بما حدث حقاً في ذلك اليوم؟”
وأشار آخرون إلى أن بنس عمل في خدمة ترامب طيلة أربع سنوات، وأنه ألقى الخُطب تلو الخُطب في مديح رئيسه وسياساته، ولم يُبد أمارةً واحدة على معارضته، بل إنه حاول تملق ترامب بأفعال غريبة، مثل تقليده في وضع زجاجة الماء على الأرض.
وكتبت آشا رانجابا، المحامية والموظفة السابقة بمكتب التحقيقات الفيدرالي، على تويتر: “بنس ليس بطلاً، بنس جبان، وخلاصة ما حدث في 6 يناير/كانون الثاني، أن خوفه من إغضاب ترامب كان (لحسن حظنا) أقل من خوفه من شيء آخر- مثل التورط في انقلاب فاشل أو المشاركة في نشاط إجرامي والتحريض عليه- لكن ذلك لا يغيِّر شيئاً من حقيقة كونه جباناً”.
والواقع أن بنس يصرح حتى الآن بأن ترامب “أخطأ” في سعيه لإلغاء الانتخابات، لكنه يحرص أيضاً على الترويج بانتظام لما يصفه بإنجازات إدارة (ترامب وبنس)، ويستنفر المعارضة اليمينية، ويهاجم بضراوة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، وما يسميه اليمينيون “صحوة” القوى اليسارية.
إذا ترشح بنس للرئاسة الأمريكية فالمتوقع أن يقدم حملة “أمريكا أولاً” في حُلَّةٍ جديدة، تُقرُّ بالحدود الدستورية والديمقراطية المعترف بها. ويصف مايكل دي أنطونيو، كاتب سيرة بنس، ذلك بالقول إن نائب الرئيس سيقول للناس: “انظروا، ها أنا ذا (مرشحكم المماثل لـ) دونالد ترامب، لكن من دون عنف”.
ومن جهة أخرى، فإن جلسة التحقيق تقبل التفسيرين، فكما قد يراها البعض في مصلحة بنس، فإن آخرين رأوها محطِّمة لآماله في بلوغ الرئاسة الأمريكية، لأنها أظهرت بوضوح وقفته في مواجهة ترامب، وقد سجلت الشهادات ذلك لأجيال قادمة.
والخلاصة أنه لو كانت أمور الحزب الجمهوري تجري في مسار منطقي لكان بنس الآن مرشحاً قوياً للرئاسة، لكونه أثبت أنه نائب رئيس مخلص للبلاد، ورجل مستعد للاستقلال برأيه حين تقتضي الحاجة.
لكن واقع الأمر أن نتائج الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري هذا الأسبوع تدل على أن الحزب لا يزال واقعاً تحت هيمنة ترامب ونفوذه، وأن كثيرين على قناعة بأن بنس يجب أن يُشنق لأنه عارض رئيسه.