بعد تعليق الدراسة في الجامعات وركود الاقتصاد.. هل تعود هونغ كونغ كما كانت؟
تغيرت الحياة في هونغ كونغ بشكل جذري، بعد 6 أشهر تقريبًا من بداية الاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي تسببت بإغلاقات للمتاجر واحتلال الطرق الرئيسة ومسارات السكك الحديدية والجسور والأنفاق، وتعليق الدراسة الجامعية.
ومع استمرار الاحتجاجات في هونغ كونغ، بات اقتصادها يعاني من الركود، مما أدى إلى فقدان الثقة في السلطات وانقلاب الفرقاء المحليين على بعضهم البعض.
جراح دائمة
وتسببت هذه الاضطرابات بقلب مدينة معروفة منذ زمن بعيد بنقلها عالي المستوى وأبراجها المتلألئة وسمعتها العالمية، حيث أصبح من الممكن أن تتغير طبيعتها، بشكل عميق وربما دائم.
ووفقًا لصحيفة ”نيويورك تايمز“ الأمريكية، أدت المواجهات العنيفة مع الشرطة والاعتقالات الجماعية للمتظاهرين إلى تآكل الثقة في النظام، وهي ما كانت يميز المدينة التي تعتمد سياسة ”دولة واحدة ونظامين“، بموجب تعهد صيني عشية استرداد المدينة من بريطانيا العام 1997.
وعززت القرارات التي اتخذتها قيادة المدينة، مثل مشروع قانون تسليم المجرمين الذي أشعل الاحتجاجات وحظر قناع الوجه، المخاوف من أن سلطة بكين تمتد إلى هونغ كونغ، فهي تذكير صارخ بأن هونغ كونغ يمكن أن تصبح مجرد مدينة صينية أخرى عندما ينتهي تعهد بكين في العام 2047.
ندوب مؤقتة
ووفق الصحيفة يتُوقع أن يعود الطلاب إلى المدارس مرة أخرى مع مرور الوقت، وأن يتم إصلاح مراكز التسوق المُخربة ومحطات المترو المحطمة والأرصفة المدمرة.
وسيعود المتسوقون من البر الرئيس للصين في نهاية المطاف إلى شراء مجوهرات تيفاني وحقائب شانيل، التي تتميز بأسعارها المنخفضة بسبب الإعفاءات الضريبية.
ويُرجح أن يتعافى الاقتصاد ببطء أيضًا، فعلى الرغم من أن العديد من الشركات العالمية قد وضعت إستراتيجيات للخروج، إلا أن معظمهم لا يخطط للرحيل، فبصفتها جسر الصين تصعب مغادرة هونغ كونغ أو استبدالها.
ومع ذلك، لا يمكن أن تبدأ عملية التعافي حتى تنتهي الاحتجاجات، ومع كل تصعيد، يتباعد الجانبان أكثر، وتصبح النتيجة السلمية مستبعدة أكثر.
وقالت ”ريجينا إيب“، عضو مجلس الوزراء في هونغ كونغ:“لا أحد يريد أن يلطخ يديه بالدم، ولكن هذا التأخر في اتخاذ القرارات والإجراءات الحاسمة تدمر هونغ كونغ“.
ومع تجذر عدم الثقة، أصبحت المظاهرات، التي كانت ذات يوم سلمية ومحصورة في عطلة نهاية الأسبوع، تمتد إلى أيام العمل، ويتحدث الناشطون عن الشرطة كأداة وحشية لحكومة هونغ كونغ بدلًا من إلقاء اللوم على الحزب الشيوعي الصيني.
وتعزز رواية خروج الشرطة عن السيطرة صور ومقاطع الفيديو يتداولها المواطنون في مجموعات الدردشة وتظهر الضباط يضربون المتظاهرين، ويستخدمون رذاذ الفلفل والغاز المسيل للدموع على المارة.
وفي الأيام الأخيرة، انضم المصرفيون والمحامون الذين يرتدون البدلات للمتظاهرين الذين يرتدون ملابس سوداء خارج مكاتبهم في وقت الغداء ليصيحوا ويسبّوا الشرطة، كما حدثت مناوشة هذا الأسبوع بين رجل ومجموعة من ضباط شرطة مكافحة الشغب على بُعد أمتار فقط من بورصة هونغ كونغ، وفي واقعة منفصلة تم اعتقال مصرفي من شركة ”سيتي غروب“، التي تعد إحدى أكبر شركات الخدمات المالية الأمريكية.
ويذكر أنه عندما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي في الحرم الجامعي في هونغ كونغ هذا الأسبوع، رأى الناس أنها انتهكت حرمة المؤسسات التعليمية، مما أدى إلى اندلاع مواجهات أعنف، ويقول المسؤولون وأساتذة الجامعة الآن إنهم يستعدون للمعاناة لفترة طويلة جراء هذا الأمر.
وهذا الأسبوع انضم مئات الباحثين الجامعيين في جميع أنحاء العالم إلى أقرانهم المحليين في توقيع عريضة تدعو الشرطة إلى وقف الهجمات على الحرم الجامعي وتحذرهم من أنهم قد يعيدون النظر في الشراكات الأكاديمية مع هونغ كونغ ”إذا كانت سلامة الطلاب في خطر واستمر هذا الانتهاك الصارخ للحرية الأكاديمية والفكرية ”.
مأزق في الخدمات اللوجستية
وفي حرم جامعة هونغ كونغ الصينية، تعاون الطلاب في الأيام الأخيرة لعرقلة أقدم خط سكة حديد في المدينة وأحد أكبر الطرق السريعة فيها، وخلقت متاريسهم نقطة اختناق، مما صعّب على مليون من سكان هونغ كونغ والشاحنات التي تنقل البضائع المصنوعة في جنوب شرق الصين مثل مكيفات الهواء والهواتف المحمولة والمجوهرات والقمصان، الوصول إلى بقية المدينة
وأدت الاحتجاجات إلى تراجع الجهود الرامية لتحويل هونغ كونغ إلى عاصمة ثقافية آسيوية، كما تم إلغاء الفعاليات والعروض، بما في ذلك بطولة هونغ كونغ المفتوحة للتنس. ويتساءل الناس حاليًا ما إذا كان سيتم عقد معرض ”آرت بازل“ السنوي في مارس المقبل في هونغ كونغ.
وعلى الرغم من أنه لا يزال من المقرر إقامة العروض في منطقة ”غرب كولون الثقافية“، إلا أن القائمين عليها اضطروا لإلغاء بعض العروض وتأجيل البعض الآخر في الأسابيع الأخيرة.
وكل ذلك يهدد بجعل الاقتصاد المتدهور في حالة أسوأ، إذ دفعت الاضطرابات اقتصاد هونغ كونغ إلى الركود وتركتها في أسوأ وضع تشهده منذ الأزمة المالية العالمية، بينما تخيف الأنباء المرتبطة بالعنف، السياح ورجال الأعمال.