بعد ضرب أمريكا لمشروع خط غاز المتوسط.. كيف تسعى إسرائيل واليونان لتعزيز تحالفهما أمام تركيا؟
وزير الدفاع اليوناني في إسرائيل لـ”تعزيز التعاون المشترك”
بعد أسبوع من القرار الأمريكي، زار وزير الدفاع اليوناني نيكولاوس بانايوتوبولوس إسرائيل يوم الخميس 20 يناير/كانون الثاني 2022، والتقى بنظيره الإسرائيلي بيني غانتس. وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن الوزيرين ناقشا تطوير التعاون الدفاعي المشترك بينهما.
وقال وزير الدفاع اليوناني خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإسرائيلي: “نهدف إلى بناء بيئة مستقرة وآمنة ومزدهرة في المنطقة الأوسع من شرق البحر المتوسط، وهدفنا المشترك هو توسيع وتعميق التعاون الدفاعي بين اليونان وإسرائيل، والذي وصل في السنوات الأخيرة إلى مستوى غير مسبوق من التطور”.
وأضاف غانتس أن “إسرائيل تعتبر اليونان شريكاً إقليمياً قوياً يلعب دوراً كبيراً كشريك في الناتو في الحفاظ على الأمن والاستقرار في شرق البحر المتوسط وما وراءه.. نحن نقدر كلاً من علاقاتنا الدفاعية الثنائية وكذلك عملنا في الإطار الثلاثي، جنباً إلى جنب مع قبرص” حسب تعبيره.
اليونان تحاول التمسك بتحالفها مع إسرائيل أمام تركيا
ووقعت اليونان وإسرائيل، جنباً إلى جنب مع قبرص، اتفاقية في عام 2020 لبناء خط أنابيب بطول 1180 ميلاً من شأنه أن يشحن الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى البر الرئيسي لأوروبا عبر اليونان.
لكن يوم الثلاثاء 18 يناير 2022، ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أن إدارة بايدن أبلغت الدول الثلاث أن واشنطن لم تعد تدعم خط أنابيب الغاز الطبيعي “إيست ميد”. وكان موقع ميدل إيست آي قد ذكر في 12 يناير/كانون الثاني، أن واشنطن تخلت بصمت عن المشروع، وأرسلت إلى اليونان مخاوفها بشأنه في “مراسلات دبلوماسية غير رسمية”.
على إثر ذلك، وصفت الصحف اليونانية القرار الأمريكي بأنه “انتصار للدبلوماسية التركية”، ونقلت صحيفة Aydinlik التركية عن المجلة العسكرية اليونانية “ميليتاير”، قولها، إن الولايات المتحدة بقرارها هذا تغير الخطط القائمة في شرق المتوسط وتضع حداً لمشروع خط الأنابيب، مشيرة إلى أن “السياسة التركية انتصرت ويجب على أثينا انتظار عواقب ذلك”.
وتجاهل المحللون والمسؤولون السابقون اليونانيون الذين تحدثوا مع موقع “ميدل إيست آي” القرار الأمريكي ووصفوه بأنه غير مرحب به، ولكنه كانت متوقعة، مع الاعتراف بالصعوبات المالية التي طال أمدها حول المشروع.
وقالت أنطونيا ديمو من معهد تحليل الأمن والدفاع ومقره أثينا للموقع البريطاني: “لطالما كانت حقيقة خط الأنابيب هي الإرادة السياسية لليونان وقبرص وإسرائيل للعمل معاً في المنطقة”. وأضافت: “علاقتنا مع إسرائيل اليوم انتقلت حتى الآن إلى ما هو أبعد من خط أنابيب واحد، وهناك المزيد من العمق والعرض”.
اليونان تسعى لتطوير منظومتها الدفاعية والعسكرية بمساعدة إسرائيل
وحول اجتماع وزيري الدفاع الإسرائيلي واليوناني، تقول ديمو إن على رأس جدول أعمال الاجتماع، الجهود اليونانية للحصول على أحدث نظام دفاع صاروخي إسرائيلي من “القبة الحديدية”، والمضي قدماً في خطة اليونان لتحديث سرب من طائرات الهليكوبتر العسكرية المتقادمة من طراز Hercules.
وفي 18 أبريل/نيسان 2021، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن إسرائيل واليونان وقعتا أكبر صفقة دفاعية بينهما، بموجبها ستقوم شركة إلبيت سيستمز الإسرائيلية بتشغيل مركز تدريب للقوات الجوية اليونانية بموجب عقد قيمته حوالي 1.65 مليار دولار.
وقالت القناة الإسرائيلية 12 إن تل أبيب ستزود اليونان بطائرات تدريب جديدة من طراز إم-346، كما أنها ستتولى صيانة أسطول التدريب الكامل للقوات الجوية اليونانية، والذي يضم عشرات الطائرات من طراز إم-346 وتي-6 لمدة 20 عاماً تقريباً، بحسب ما أوردته وكالة رويترز.
وفي 5 يناير/كانون الثاني 2021، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي غانتس أنه اتفق مع نظيره اليوناني بانايوتوبولوس على توقيع اتفاقية تعاون أمني، لبناء وتشغيل وتجهيز مركز تدريب للقوات الجوية اليونانية لمدة 20 عاماً.
العلاقات التركية- الإسرائيلية بعد انتكاسة مشروع “إيست ميد”
تقول وسائل الإعلام الإسرائيلية إن وزير الدفاع اليوناني في زيارته الأخيرة لتل أبيب، سعى، وتلقى بالفعل، تأكيدات من نظيره الإسرائيلي، بأنه “حتى لو أصبح خط غاز إيست ميد مجرد حلم بعيد المنال، فإننا لا نزال ملتزمين بالتحالف القوي”.
وأيدت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مشروع خط الغاز كوسيلة لتنويع اعتماد أوروبا في مجال الطاقة بعيداً عن منافسين مثل روسيا، لكن المشروع أثار غضب تركيا، التي لطالما شهدت منافسة بحرية محتدمة مع اليونان.
في عام 2019، وقَّعت تركيا اتفاقية بحرية مع حكومة ليبيا المعترف بها من قِبَل الأمم المتحدة، والتي تقول أثينا إنها تتجاهل مطالباتها المشروعة بالمناطق الاقتصادية الخالصة (EEZ) في البحر الأبيض المتوسط، – حيث سيمر خط الأنابيب “إيست ميد” من تلك المياه المتنازع عليها.
اصطفاف اليونان وإسرائيل، اللتين كان لديهما حد أدنى من الاتصال لعقود من الزمان، ليس بالأمر الهين بالنسبة لدولة مثل تركيا، وقد انعكس ذلك في بعض النواحي الاقتصادية والسياسية التي تقودها إسرائيل في المنطقة.
وترتبط اليونان، بعلاقات تاريخية مع إسرائيل، رغم أنها كانت آخر دولة في الاتحاد الأوروبي أقامت علاقات كاملة مع تل أبيب. من جانبها، كانت إسرائيل تنظر في السابق إلى تركيا، الخصم اللدود لليونان، باعتبارها الشريك الرئيسي “ذي الأغلبية المسلمة” في المنطقة.
وتُظهر زيارة وزير الدفاع اليوناني لتل أبيب الأهمية التي توليها أثينا للعلاقات مع إسرائيل، وسط مؤشرات على أن منافستها القديمة، تركيا، بدأت تعيد المياه لمجاريها مع إسرائيل مرة أخرى، التي ظلت شريكاً تجارياً قوياً لأنقرة، على الرغم من التوتر السياسي بينهما طوال العقد الماضي.
ويقول إيتان كوهين، الخبير في العلاقات التركية- الإسرائيلية مع معهد القدس للاستراتيجية والأمن، لموقع Middle East Eye البريطاني، إن تل أبيب وأنقرة تجاوزا خط أنابيب إيست ميد بعد تقاربهما مؤخراً، مضيفاً أن “تنفيذ المشروع كان صعباً للغاية، لكنه كان بمثابة ورقة تين لتحقيق أهداف أكبر”، على حد تعبيره.
ويضيف كوهين أن “القبارصة واليونانيين قلقون للغاية بشأن التقارب الجديد بين إسرائيل وتركيا”، لذلك كانت هذه الزيارة لوزير الدفاع اليوناني.
وفي حديثه مع الصحفيين الأسبوع الماضي، قال أردوغان إن بلاده تتطلع إلى “التعاون على أساس الربح للجميع مع إسرائيل”، مضيفاً أن المحادثات جارية بشأن زيارة محتملة للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة.
مع تعداد تركيا البالغ 83 مليون نسمة وباعتبارها ثاني أكبر جيش في الناتو، يقول المسؤولون الإسرائيليون إن أنقرة لا تزال شريكاً مهماً لتل أبيب، ويقول كوهين إن بلاده “ستكون حذرة في نهجها التقاربي من أنقرة”.
وبحسب المحللين الإسرائيليين، بذل أردوغان جهداً كبيراً في إفشال مشروع “إيست ميد”، وأكد مراراً أن “خطة شحن الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا لا يمكن أن تنجح بدون تركيا”، ويبدو أن ذلك أتى أكله اليوم بالفعل بعد الضربة الأمريكية للمشروع والتخلي عنه.