بعدما انفجرت قنبلة بولتون، هل تنهي شظاياها أسطورة ترامب الذي لا يُقهر؟
لم يكن أحد يتصور أن يكشف كتاب جون بولتون أسراراً أو فضائح تخصّ مديره السابق الرئيس دونالد ترامب لاعتبارات كثيرة، لكن المقتطفات التي تم نشرها بالفعل من الكتاب خيّبت ظن الكثيرين لأنه جاء بمثابة “قنبلة صادمة”، فهل ينجو ترامب من شظاياها في الانتخابات الرئاسية؟
صحيفة الغارديان البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: “كتاب بولتون الصاعق يبين أن رئاسة ترامب لا تزال تحمل في جعبتها مزيداً من الصدمات”، تناول كيف كان الاعتقاد السائد في واشنطن قبل ظهر الأربعاء 17 يونيو/حزيران 2020 أنه بات من الصعب تصور أي شيء آخر قادر على إثارة صدمة جديدة بشأن دونالد ترامب ورئاسته.
فضائح تفوق التصور
ثم بدأت وسائل الإعلام تنشر التسريبات الأولى من مذكرات جون بولتون، وما تضمنته من ذكريات عن الفترة التي قضاها مستشاراً للأمن القومي في إدارة ترامب، لتكشف أن ثمة مزيداً من الفضائح التي تفوق كل تصور.
وفقاً لبولتون، أخبر ترامب الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الاحتجاز الجماعي للإيغور “هو بالضبط الشيء الصحيح الذي يجب القيام به”، وطلب من الزعيم الصيني مساعدته في إعادة انتخابه. وقال ترامب إنه يجب إعدام الصحفيين. ورأى أنه سيكون من “الرائع” غزو فنزويلا. كما أنه لم يكن مهتماً بنزع سلاح كوريا الشمالية، لكنه ظل مهووساً لشهور بالحصول على قرص “روكيت مان” موقعاً من المغني البريطاني إلتون جون لتقديمها هديةً لكيم جونغ أون.
ويقول بولتون في مذكراته إن ترامب كان يعتقد أن فنلندا جزء من روسيا، وإنه دافع عن السعودية في مواجهة الانتقادات التي طالتها بشأن الاغتيال البشع للصحفي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، لتشتيت الأنظار عن الفضيحة الخاصة باستخدام ابنته إيفانكا ترامب لحساب بريد إلكتروني خاص لمتابعة وتسيير أعمال رسمية في البيت الأبيض. وهذه هي المقتطفات الأولى فقط من مذكرات بولتون.
جاءت الاستجابة حتى الآن سعاراً جماعياً للدفاع عنه من مؤيديه على تويتر وشبكات التلفزيون، وهو ما حدث من قبل مع مئات من التغريدات الفاضحة والتسريبات من الداخل. ففي نهاية الأمر، هذا رجل اقترح إلقاء قنبلة نووية للقضاء على إعصار جوي.
هل يحدث اختراق لحمى التأييد اليميني لترامب؟
لكن السؤال الأهم الآن هو: ما إذا كانت التسريبات الجديدة حول حجم الفوضى التي يشهدها البيت الأبيض من الداخل، والتي جاءت من شخصية محافظة متشددة تحظى بموثوقية وتأييد في أوساط المحافظين، ستخترق حمى التأييد الأعمى لعصر ترامب وتحدث تغييراً ما في الأصوات المناصرة له.
في لغة استطلاعات الرأي، فإن الجنون بات بالفعل “اعتقاداً ضمنياً” عندما يتعلق بإصدار رأي حول إدارة ترامب. ومع ذلك، فإن الخط الفاصل الآن هو ما إذا كان الأمريكيون يملؤهم الرعب من هذا الجنون أم يهابونه إعجاباً به.
هل يبالغ ترامب في تصوير شعبيته؟
ترامب نفسه تفاخر بأنه يستطيع “الوقوف في منتصف شارع الجادة الخامسة في نيويورك وإطلاق النار على شخص ما”، ومع ذلك “عدم فقدان أي ناخب له”. لكن الواقع بيّن أنه أكثر رعباً. فقد توفي أكثر من 117 ألف أمريكي بفيروس كورونا، وكثير منهم توفي بسبب أن تعامل الإدارة الأمريكية مع الوباء كان أسوأ من أي دولة أخرى على وجه الأرض، باستثناء البرازيل. ومع ذلك، فإن ما يقرب من 40% من الناخبين لا يزالون يعتقدون أن ترامب قام بعمل جيد في محاربة ما يسميه “الوباء القادم من الصين”. كما واصل كل أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين تقريباً التصويت لصالح قرارات ترامب.
تذهب ويندي شيلر، أستاذة العلوم السياسية في جامعة براون، إلى “أن مؤيدي ترامب المتشددين لن يمثل لهم كتاب بولتون والتسريبات بشأن المتاجرة بالأمن الاقتصادي الأمريكي لمساعدته في الانتخابات، أو يحدث أي فرق”، وأن “مؤيديه سيظلون يمشون فوق لهيب الجمر وتحمل أي شيء في سبيل التصويت له”.
ومتعصبو ترامب المؤيدون له إلى الأبد لديهم عديد من الطرق لتخفيف ألم الصدمات بشأنه، وستنطلق وسائل الإعلام الموالية لترامب لمهاجمة بولتون باعتباره مرتداً مليئاً بالحقد وساعياً إلى الترويج لنفسه، ولديهم كثير من المواد للاستعانة بها.
على سبيل المثال، بولتون لم يخرج من منصبه أو الأشهر التي تلت ذلك رمزاً للفضيلة العامة. ولو وافق من قبل على الإدلاء بشهادته في جلسات مجلس النواب الخاصة بعزل ترامب، لكان أمامه فرصة لدقّ ناقوس الخطر بشأن الانتهاكات الرئاسية التي يقول الآن إنها أقلقته بشدة، ولربما فعل شيئاً حقيقياً حيال ذلك حينذاك. وليس من الصعب القول إن رفضه الإدلاء بشهادته كان رغبة منه في الاحتفاظ بأفضل المواد والتسريبات لكتابه الذي بلغت صفقة نشره مليوني دولار.
كما سيقول مؤيدو ترامب إن بولتون ظل إلى جانب ترامب، حتى بعد فترة طويلة من رؤية الرئيس يلتمس المساعدة من القيادة الشيوعية في إعادة انتخابه، وإن “نقطة التحول” جاءت فقط عندما غير ترامب رأيه بشأن الشروع في قصف إيران، وهو الذي كان هدفاً لبولتون منذ أمد طويل.
ومن ثم، فإن هناك الكثير من الأشياء التي يمكن التفلت بها وكبت تسريبات بولتون، ومع ذلك لا يزال هناك سبب للاعتقاد بأن رسالته قد تبقى حية تستنزف تأييد ترامب شيئاً فشيئاً.
إذ حتى مع هذا القدر من الافتقار إلى المساواة التي يتسم بها النظام الانتخابي الأمريكي، ستظل نسبة الأمريكيين المؤيدين لترامب البالغة 40% غير كافية لإعادة انتخابه. فهو يحتاج إلى بعض المستقلين، وهؤلاء تحديداً هم الثغرة التي قد يعمّقها كتاب بولتون ويُفاقم من تآكل تأييدها لترامب.
تقول شيلر: “فيما يتعلق بالمستقلين والجمهوريين الأكثر اعتدالاً الذين صوّتوا لصالح ترامب في عام 2016 في الولايات المتأرجحة الرئيسية، مثل ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا ونورث كارولينا وأريزونا، قد تزيد من (إنهاك ترامب) واستنزافه. وبالنظر إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 من المتوقع أن تحددها الفروق البسيطة في هذه الولايات، فإنه في حال بقى هؤلاء الناخبون في منازلهم، أو صوتوا لغريمه بايدن، فإن ترامب سيخسر”.
كما أن مذكرات بولتون وتسريباتها تُضعف نقطة الهجوم المركزية التي تستعين بها حملة ترامب ضد خصمها الديمقراطي [الموقف من الصين].
وقد كانت مهاجمة الصين خلطةَ ترامب الأساسية لتشتيت الأنظار عن الوباء وتداعياته الاقتصادية الكارثية، وكذلك لتشويه منافسه. أما الآن، فقد بات استخدام هذه السردية أصعب من ذي قبل.
يتساءل توماس رايت، مدير “مركز شؤون الولايات المتحدة وأوروبا في معهد بروكنغز”، منتقداً: “إذا كان ترامب خضع لشي، ودمر الاقتصاد، وترك الفيروس يتفشى في البلاد، فماذا تبقى؟”
ومع ذلك، لا يزال هناك أكثر من 4 أشهر قبل الانتخابات الرئاسية، ويبدو أن تلك الأشهر ستكون طويلة، كما أن ترامب، بحسب بولتون، هو سيد الإلهاء وسيفعل أي شيء للفوز.
كتب بولتون في أحد مقاطع الكتاب: “إن رئاسة ترامب ليست قائمة على فلسفة أو استراتيجية كبرى أو سياسة ما. إنها رئاسةٌ قائمة على ترامب نفسه”.