بـ12 خطوة إنعاش.. الجزائر تتحرك لحماية اقتصادها من “الثالوث المفلس”

قررت الحكومة الجزائرية “التحرك بالسرعة القصوى” لمجابهة التداعيات السلبية على اقتصادها المثقل أصلا باختلالات هيكلية تفاقمت منذ 2014 عقب الأزمة النفطية العالمية.

وتواجه إدارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منذ توليه الحكم ما بات يعرف بـ”الثالوث المفلس”، ويتعلق ذلك بقضايا فساد النظام السابق وجائحة كورونا وتراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية.

خسائر كبيرة

ومنذ 2019، لازال القضاء الجزائري يتابع ملفات قضايا فساد نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة التي ورثها خلفه عبد المجيد تبون، وكشفت المحاكمات “بعضا” من حجم الخسائر الاقتصادية المتابع فيها رؤساء وزراء ووزراء سابقون ورجال أعمال والتي كبدت خزينة الدولة خسائر “أولية” فاقت الـ20 مليار دولار في قضيتي مصانع تركيب السيارات الأجنبية وتعبيد الطرقات “فقط”.

بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط الذي يعد المورد الأساسي لخزينة الدولة الجزائرية بنحو 97 %، إذ توقعت وزير الطاقة الجزائري عبد المجيد عطار أن تبلغ خسائر اقتصاد بلاده مع نهاية العام إلى نحو 10 مليارات دولار جراء تذبذب أسعار النفط، وسط توقعات بعائدات تقارب 24 مليار دولار مع نهاية 2019.

وزادت جائحة كورونا من متاعب الاقتصاد الجزائري، إذ بلغت خسائرها منذ مارس/أذار الماضي 8.4 مليار دولار وفق إحصائية رسمية وذلك في عدة قطاعات أبرزها النفط والصحة والبنوك والطيران والري والسياحة والفنادق.

ونجم عن ذلك تراجع حاد في احتياطي البلاد من العملات الأجنبية، إذ انخفض إلى 57 مليار دولار خلال الأشهر الـ6 الأولى لهذا العام بحسب ما أكده الرئيس الجزائري، مقترباً بذلك من المنطقة الحمراء، وسط توقعات بوصوله إلى 44 مليار دولار نهاية العام الحالي.

كما تراجعت قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية في التعاملات البنكية الرسمية، وانخفض إجمالي الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 3.9 %، مع توقعات بأن يرتفع معدل البطالة مع نهاية العام إلى نحو 20 % وهو أعلى معدل تسجله البلاد منذ أكثر من 3 عقود.

وأقر رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد بـ”خطورة الوضع” الذي يمر به اقتصاد بلاده واصفاُ ذلك بـ”الأزمة غير المسبوقة”، وأرجعها إلى “الأزمة الهيكلية للحكومات السابقة وانهيار أسعار النفط والأزمة الصحية”.

الرئيس الجزائري خلال لقائه المتعاملين الاقتصاديين

إجراءات إنقاذ

ورغم الأرقام الرسمية عن حجم الضغوط الكبيرة التي يواجهها اقتصاد هذا البلد العربي النفطي، إلا أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أبدى تفاؤلاً بإمكانية تجاوز بلاده مرحلة “الثالوث المفلس”، ووصف الوضع الاقتصادي لـ”القابل للتحمل”.

وأرجع ذلك إلى “سرعة تدارك” حكومته موازنة 2020 بأخرى تكميلية اعتمدت على سعر مرجعي للنفط بـ30 دولاراً للبرميل، بعد حددته الحكومة السابقة بـ50 دولاراً، مقابل أسعار تقارب 44 دولاراً للبرميل، وهو المؤشر الذي اعتبره تبون “مريحاً”.

ويبدو أن تبون يحاول استثمار خلفيته وتكوينه الاقتصادي وكذا درايته بخبايا أسباب الأزمة الاقتصادية، حيث أصدر في الشهرين الأخيرين عدة قرارات اقتصادية، تهدف بحسب الرئاسة إلى “إخراج اقتصاد البلاد من عنق الزجاجة” من خلال خطة اقتصادية سميت “الانعاش الاقتصادي”، وهو المشروع الذي تعول حكومة تبون على أن يوفر للبلاد ما قيمته 20 مليار دولار.

الاستثمار والصادرات

ومن أبرز القرارات المتخذة، تحويل بين 10 إلى 12 مليار دولار من احتياطات الصرف لفائدة تمويل الاستثمار، وإحداث تغييرات على قانون الاستثمارات لجلب رؤوس الأموال الأجنبية في عدة قطاعات، بعضها تقرر فتحه للمرة الأولى أمام الخواص مثل النقل الجوي والبحري.

كما تعول الحكومة الجزائرية على رفع صادرات البلاد خارج المحروقات إلى 5 مليارات دولار وتقليص الاعتماد على عائدات النفط إلى نحو 80 %.

وإعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة العربية الحرة، ومراجعة الميزان التجاري للجزائر مع عدة دول، للحد من خسائر العجز في الميزان التجاري الذي يقارب الـ30 مليار دولار.

وباشرت الجزائر أيضا إحصاء احتياطاتها من موارد طاقوية ومعدنية أخرى غير مستغلة بغرض الاستثمار فيها، بينها الذهب والفوسفات والنحاس والحديد وغيرها، للمرة الأولى في تاريخها، وفتح المجال أمام شراكات كبرى للمستثمرين الأجانب في معظم مناجم البلاد.

وتقرر كذلك البدء في استغلال منجم الحديد بمنطقة “غار جبيلات” التابعة لمحافظة تندوف (جنوب غرب) وبعد من أكبر احتياطات العالم من الحديد، وكذا منجم الزنك والرصاص بمنطقة “واد أميزور” في محافظة بجاية (شرق)، ومشروع آخر للفوسفات بولاية تبسة (شرق)، مع الترخيص أيضا للمستثمرين المحليين باستغلال مناجم الذهب بمنطقة “جانت” (أقصى الجنوب).

وأعلن عن وقف عمليات استيراد الوقود والمواد المكررة خلال الربع الأول من 2021 لتعزيز الانتاج المحلي وخفض فاتورة الواردات، بشكل قد يوفر نحو 3 مليارات دولار.

وقرر الرئيس الجزائري إعداد مراجعة شاملة ومعمقة لعملاق النفط “سوناطراك” وحصر ممتلكاتها وخفض عدد مكاتبها وموظفيها بالخارج وتقليص مناصب المسؤولية مع تخفيض موازنتها بـ50 % لبلوغ 7 مليارات دولار إضافية في خزينة الدولة.

كما قرر مجلس الوزراء الجزائري إعداد دفتر شروط جديد في مجال صناعة السيارات أو استيرادها والصناعات الكهرومنزلية وإنتاج قطع الغيار واستيراد لتحفيز الاستثمار المحلي.

وأمر الرئيس الجزائري حكومته باسترجاع احتياطات الذهب المحلية التي باتت أموالاً مجمدة على مستوى الجمارك منذ أكثر من 4 عقود في الموانئ والمطارات، وإدراجها كاحتياطات وطنية محلية.

النظام المصرفي

بالإضافة إلى إعداد خطة لإصلاح النظام المصرفي للبلاد، والتوجه نحو الصيرفة الإسلامية بعد طرح 9 منتجات مالية بهدف جذب رؤوس أموال الجزائريين المودعة خارج البنوك الحكومية، وإدماج الاقتصاد غير الرسمي والسوق الموازية في النظام المالي.

ومن أبرز التحديات التي تراهن إدارة تبون على كسبها، استعادة الأموال المنهوبة من رموز النظام السابق، خصوصاً بعد الأحكام النهائية الصادرة بحق عدد كبير منهم بمصادرة أملاكهم وسط توقعات بأن يتم استعادة نحو 60 مليار دولار كعقارات وأموال وشركات في الداخل، وحصر أملاكهم في عدة دول أوروبية وآسيوية تمهيداً لتأميمها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى