تجربة عمرها 17 عاما… خطط تجهز في الرياض لمواجهة تهديد خطير
تبدأ في العاصمة السعودية الرياض، جهود لرسم جملة من الخطط لمواجهة واحد من أخطر وأكبر التهديدات التي تواجه العالم، محاولة الاستفادة من تجربة عمرها 17 عاما.
نشرت وكالة “رويترز” تحليلا مطولا حول اجتماع مسؤولي البنوك المركزية على مستوى العالم في قمة مجموعة العشرين في العاصمة الرياض المقرر انطلاقها يومي 22 و23 فبراير/ شباط الجاري، محاولتهم استدعاء تجربة وباء سارس عام 2003، التي مر عليها 17 عاما، لاستنباط تحليل يبعث على الاطمئنان لمواجهة فيروس “كورونا” الجديد.
ولكن التقارير أشارت إلى أن مسؤولي البنوك المركزية يسعون إلى رسم “خطط” جديدة لأن الاستعانة بتجربة “سارس” بصورة كاملة، لن تفلح في مواجهة التهديدات الاقتصادية الخطيرة لتفشي الفيروس.
وقالت الوكالة إن اجتماع مسؤولي القطاع المالي في العالم بالعاصمة الرياض، ربما يشكل أملا جديدا لمواجهة كل من استبد بهم القلق بسبب التأثيرات الاقتصادية السلبية لتفشي الفيروس.
وتتمثل تلك الخطط في متابعة معدلات استهلاك الفحم والسفر المحلي في الصين لاستقاء أي دليل مستقل على عودة ثاني أكبر اقتصاد في العالم لطبيعته.
كما ستتابع تلك الخطط إحصاءات المرض خارج الصين، باعتبارها المؤشر الأفضل لآفاق احتواء الفيروس.
وفي اليابان، يجري المسؤولون مسحا على الشوارع الخاوية في حي جينزا التجاري، ويحصون عمليات إلغاء الرحلات الجوية والبحرية في مسعى لمعرفة ما إذا كان الانتعاش الاقتصادي المتوقع في وقت لاحق هذا العام والذي يعولون عليه سيذهب أدراج الرياح.
وفي الولايات المتحدة، يسعى مسؤولو مجلس الاحتياطي الاتحادي للتواصل مع الشركات المحلية ويستمعون إلى أصحاب الأعمال المصدومين من نقاط الضعف في شبكات الإمداد لديهم.
وقال رئيس بنك ريتشموند الاحتياطي الاتحادي توماس باركين في مقابلة يوم الأربعاء إن الشركات “لها سلاسل إمداد وثيقة الصلة بالصين على نحو لا يعرفونه في بعض الأحيان”، مشيرا إلى محادثة مع مصنّع في القطاع الطبي “كان له مورد له بدوره مورد كان جزء من أعماله في الصين.”
ويسعى كبار القطاع المالي في العالم خلال تواجدهم بالرياض إلى النظر في الطبيعة التطورية والعصية على التنبؤ لأي تفشي فيروسي، التي لا تجعل أمام المحللين أي طريقة مجربة ومضمونة لصياغة نموذج للحدث.
ويقول صناع سياسات ومحللون إن الأمر بالوضوح التالي: “كلما زاد حديثهم مع الناس، زاد إدراكهم لدور الصين العميق في سلاسل الإمداد العالمية. ويعني ذلك أنه ما ظل التفشي خارج نطاق الاحتواء، فستزيد احتمالات تحوله إلى مشكلة شاملة”.
وقال رئيس بنك ريتشموند الاحتياطي الاتحادي إن من بين الأشياء التي لا يمكن معرفتها الوضع الدقيق لمخزونات المكونات لدى الشركات قبل أن تبدأ الصين عمليات الحجر الصحي وإغلاقات الشركات لوقف انتشار الفيروس، أو كيف يمكن للشركات التحول بشكل مرن إلى موردين آخرين.
وتابع بقوله
“هذه مسائل ليست متأصلة في أي نموذج اقتصادي، مما يجعل مسؤولي البنوك المركزية عالميا يسعون جاهدين للإلمام بها”.
ولكن يبدو أن خبراء التوقعات اتجهوا إلى رسم تصورات تتمحور حول تأثير محدود، يتمثل أغلبه في تراجع نمو الصين في الربع الأول.
وأشارت “رويترز” إلى أنهم يضيفون أيضا إمكانية حدوث انكماش في الاقتصاد العالمي أو في أسوأ الأحوال ركود أوروبي وأمريكي في ظل تراجع الطلب العالمي.
ولكن الوكالة قالت إن تلك ليست القضية الأساسية لدى مجلس الاحتياطي الاتحادي أو البنك المركزي الأوروبي أو بنك اليابان المركزي، إذ أنه ليس هناك بعد أي مسعى نحو تغيير في السياسة أو تخفيضات لأسعار الفائدة لتخفيف صدمة اقتصادية غير مرحب بها. وقالت الوكالة “صناع السياسات يقرون بأنهم يسيرون إلى حد ما بغير هدى”.
وقال باركين
“قراءتي هي أنه إذا انتهى كل شيء سريعا خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فسيكون الضرر طفيفا بما لا يمثل أزمة. إذا كان أمامك شهور، فسيكون التأثير أكبر على الأرجح وبما يشمل عشرة إلى 15% من الاقتصاد، الذي يعتمد على الموردين الصينيين أو الصادرات إلى ذلك البلد”.
وتم طرح تقييمات مشابهة معتمدة على التوقيت في دول أوروبا واليابان، حيث تجعل الروابط الوثيقة لتلك الدول مع الصين المسؤولين قلقين على وجه الخصوص.
وقال مسؤول من بنك اليابان غير مخول بالحديث عن الأمر علانية لوكالة “رويترز”: “الصورة تغيرت تماما عنها قبل التفشي.”
خطر التداعيات
عادة ما ينظر الاقتصاديون لأحداث مثل هذه بعين التفاؤل. فهي تضر بالاقتصاد في اللحظة الراهنة، لكن بعض الخسائر تدوم: إذ قد يظل بوسع مستهلك شراء تلك السيارة بعد شهر أو اثنين، لكن ما يضيع من رحلات أو وجبات مطاعم لا يعوَض بالضرورة.
لكن بشكل عام، فإن العودة المحتومة للتعافي تعوض أثر الصدمة.
غير أن بعض الأحداث يثبت أنها ذات تأثير شامل. ويشير صناع السياسات والمحللون إلى مدى الضرر الذي ألحقه زلزال وفيضانات 2011 بالمفاعل النووي في منطقة فوكوشيما باليابان والذي دفع الشركات العالمية إلى إعادة التفكير في شبكات الإمداد لجعلها أقل اعتمادا على أي مصدر بعينه.
ودرس باحثون من مجلس الاحتياطي الاتحادي في ورقة بحثية العام الماضي نتائج حدوث “هبوط حاد” في الصين – بمعنى مزيج من الضغوط المالية وتراجع حاد في الناتج المحلي الإجمالي – على الاقتصادين الأمريكي والعالمي.
فقد تنبأ البحث “بتداعيات تراتبية ستنتج عن ذلك على الاقتصاد الأمريكي والعالمي من خلال الروابط التجارية الحقيقية والقنوات المالية على حد سواء.” ويقول المسؤولون الأمريكيون إنه من المسلم به عموما أن نزول نمو الصين نقطة مئوية واحدة يقتطع 0.2 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي – وهو قدر ملحوظ لكن من المستبعد أن يسبب ركودا ما لم تكن الصدمة هائلة.
ومن منظور أوروبا، لم يحن بعد وقت القلق – لكن ينبغي البقاء في وضع المراقبة.
وقال كبير اقتصاديي البنك المركزي الأوروبي فيليب لين في برلين للوكالة: “التاريخ يشير إلى أنه قد يكون هناك تأثير كبير على المدى القصير لأحداث مثل هذه، لكن لن يكون لها تأثير طويل الأمد.. فهذا هو خط الأساس. دعونا نرى – الأمر يعتمد على مدى سرعة احتوائه.”
المتضرر الأكبر
من جانبها، قالت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية إن كبار اقتصاديات آسيا هي “المتضرر الأكبر” من تفشي فيروس كورونا، وبسبب تأثيرها على الاقتصاد العالمي يمكن أن تسبب في أزمة اقتصادية كبرى.
وقال هاروهيكو كورودا محافظ البنك المركزي الياباني، في تصريح نقلته صحيفة “ذا ستريت تايمز” إن تأثير تفشي فيروس كورونا الجديد على النمو العالمي سيكون قضية رئيسية في اجتماع نهاية هذا الأسبوع لزعماء المالية لمجموعة العشرين، مما يؤكد على القلق المتزايد بشأن تداعيات الوباء.
وقال كورودا إنه “لم يحن الوقت بعد لمناقشة ما إذا كانت هناك حاجة لتيسير نقدي إضافي، لمنع تفشي الفيروس من الإضرار بالانتعاش الاقتصادي في اليابان”.
لكن رئيس البنك المركزي الياباني قال إنه على استعداد لاتخاذ خطوات إضافية “دون تردد” حسب الحاجة، حسبما قال للبرلمان الياباني مساء يوم الجمعة 21 فبراير/شباط قبل مغادرته لحضور اجتماع مجموعة العشرين المالية في الرياض الذي يبدأ يوم السبت.
وتابع بقوله
“سيكون الموضوع الأكبر على جدول أعمال اجتماع مجموعة العشرين في نهاية هذا الأسبوع هو كيف سيؤثر فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي. أود تبادل المعلومات والآراء بشكل كامل هناك.”
وأوضح بقوله “من المرجح أن يواصل الاقتصاد الياباني توسعه المعتدل كعوامل مؤقتة مثل تراجع الطلب بعد زيادة ضريبة المبيعات في الأول من أكتوبر ، والإعصار ، وتراجع الشتاء الدافئ”.
وقالت “بلومبرغ” إن عدد كبير من اقتصاديات آسيا، بدأت تأخذ تدابير عديدة تحسبا للتأثر الخطير لتفشي فيروس كورونا على اقتصادياتها، وتفشي الفيروس في كوريا الجنوبية، يعد “ضربة كبرى” للاقتصاد العالمي، نظرا للدور الرئيسي لكوريا الجنوبية كشركة مصنعة ومصدرة للإلكترونيات والسفن والسيارات.
يحذر الاقتصاديون من أن تداعيات فيروس “كورونا” الجديد، ما هي إلا مجرد بداية.
وقال الاقتصادي في “سيتي غروب” بقيادة كاثرين مان، في مذكرة: “لم يشهد الاقتصاد العالمي والأسواق المالية حتى الآن التأثير الكامل لتفشي فيروس كورونا حتى الآن، ولكن الأثر الأكبر سيكون في التباطؤ الكبير بالاقتصاد عقب نهاية الربع الأول من عام 2020”.
وصعدت البنوك المركزية في آسيا بالفعل إجراءاتها، حيث قامت إندونيسيا والفلبين وتايلاند بتخفيض أسعار الفائدة مؤخرًا، بينما خططت بنوك أخرى مثل سنغافورة لتحفيز مالي كبير، وخفضت الصين مجموعة من أسعار الفائدة هذا الشهر. تتزايد التكهنات بأن بنك كوريا قد يقدم تخفيضًا أيضًا في الأسبوع المقبل.
وقد يخفض بنك كوريا الجنوبية المركزي سعر الفائدة القياسي بمقدار 25 نقطة أساس إلى 1.00٪ في 27 فبراير، وهي علامة تحذير مبكر من تأثير الفيروس.
وقال توم أورليك، محلل “بلومبرغ” الاقتصادي: ” إذا استمر النمو في الانخفاض ، فإن السؤال الرئيسي لمجموعة العشرين هو ما إذا كان يمكن لأعضائها تنسيق الرد”.
وتابع بقوله
“على خلفية عودة النزعة القومية، والنزاعات التجارية العنيفة، والمساحة المحدودة للسياسة، قد يكون من الصعب تحقيق هدف مشترك، وهذا سبب آخر للتشاؤم بشأن التوقعات”.
وكانت منظمة الصحة العالمية، أعلنت يوم أمس الخميس، استمرار تراجع أعداد حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا في الصين.
وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم جيبريسوس، خلال إفادة صحفية في جنيف: “نشعر بالتفاؤل بسبب هذا الاتجاه لكن هذا ليس وقت الشعور بالرضا”.
وأعلنت اللجنة الوطنية للصحة في الصين، الخميس، أن عدد الوفيات بالفيروس داخل البلاد ارتفع إلى 2118 شخصا، فيما بلغ عدد االمصابين 74 ألفا و500 حالة، مشيرة إلى شفاء نحو 16 ألف شخص.
وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، إنه في أفضل الأحوال ستكون التداعيات الاقتصادية جراء انتشار فيروس كورونا الجديد في الصين قصيرة الأجل، لكنها تأتي في وقت لا يزال فيه الاقتصاد العالمي هشًا.
وكتبت جورجيفنا في تدوينة على موقع الصندوق: “في ظل وجود العديد من المخاطر الأخرى، بما في ذلك الحرب التجارية الأمريكية- الصينية المتوقفة مؤقتًا والتي لم يتم تسويتها بعد، فالاقتصاد العالمي ليس في وضع جيد للتعامل مع الأثر الطويل”.