تجنيد جواسيس في ووهان.. كيف تسعى الاستخبارات الأمريكية “لتأكيد” نظرية تسرب كورونا من المعمل؟
وترجع فصول هذه القصة المرتبطة بأسوأ كارثة صحية تواجه البشرية منذ أكثر من قرن إلى بدايات تفشي الفيروس القاتل وتحوله إلى جائحة عالمية في مارس/آذار 2020، عندما أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب احتمال تسرب الفيروس من معمل ووهان ووصفه بالفيروس الصيني.
وعلى الرغم من أن الجائحة لا تزال قائمة وتهدد البشرية حتى اليوم، وتخطى عدد المصابين بالوباء حاجة 200 مليون شخص، وسط تحذير مخيف من مدير منظمة الصحة العالمية بأن الرقم قد يصل إلى 300 مليون مطلع العام المقبل 2022، لا يزال أصل فيروس كورونا وكيف انتقل للبشر محل جدال دولي كبير.
بماذا كلف الرئيس بايدن الاستخبارات الأمريكية؟
من المهم هنا التوقف عند الصورة العامة للظروف المحيطة بتلك الكارثة الصحية منذ بدايتها أواخر عام 2019 في مدينة ووهان الصينية -التي تشير أغلب المعطيات إلى أنها كانت البؤرة الأصلية للفيروس- رغم أن بكين ترفض هذه النظرية بشدة وتروج لنظريات أخرى مفادها أن الفيروس جاء إلى أراضيها من الولايات المتحدة أو أوروبا عبر لحوم مجمدة.
ففي بداية تفشي الفيروس في ووهان، أشاد ترامب بشفافية الصين وقدرتها الهائلة على التعامل مع الأزمة الصحية وأشاد أيضاً بمنظمة الصحة العالمية في أكثر من مناسبة. لكن مع تفشي الفيروس على الأراضي الأمريكية بصورة كبيرة منذ منتصف فبراير/شباط 2020، تغيرت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق بصورة تامة وبدأ في الترويج لنظرية كون الفيروس “غير طبيعي” وأنه تسرب من معمل الفيروسات في ووهان.
وبدأت المناكفات السياسية بين الغرب بقيادة إدارة ترامب من جهة والصين من جهة أخرى، ونالت منظمة الصحة العالمية قدراً لا بأس به من الاتهامات بالتواطؤ مع بكين واتخذ ترامب قراراً بانسحاب واشنطن من المنظمة بالفعل. ووافقت الصين على أن يتولى فريق تفتيش دولي تحت إشراف منظمة الصحة العالمية التحقيق في أصل ومنشأ فيروس كورونا.
وأتم فريق التحقيق مهمته هذا العام وخرج بتقرير غير حاسم وضع ثلاث نظريات محتملة لأصل الفيروس أكثرها ترجيحاً أن يكون فيروساً حيوانياً طبيعياً انتقل من أحد الحيوانات البرية إلى الإنسان عبر وسيط هو الخفافيش، بينما استبعد فريق التحقيق نظرية التسرب من المعمل لعدم وجود أدلة تؤكد تلك الفرضية.
احتفت الصين بالطبع بنتائج التقرير بينما شككت فيه واشنطن ودول غربية أخرى، وكان ترامب، الموصوف بصاحب نظرية التسرب من المعمل، قد غادر البيت الأبيض وتولى جو بايدن المسؤولية.
لكن بايدن نفسه ظل متمسكاً بنظرية التسرب من معمل ووهان وطالب بتحقيق جديد وهو ما رفضته الصين بطبيعة الحال. لكن بايدن بدا مصمماً على التمسك بتلك النظرية، معتمداً على ما قال إنها تقارير لوكالة الاستخبارات المركزية CIA، والتي كانت قد قدمت تقريراً لسلفه ترامب بشأن الفيروس رجح نظرية التسرب من المعمل.
وفي هذا السياق، عقد بايدن اجتماعاً مع مسؤولي الاستخبارات المركزية برئاسة مديرها ويليام بارنز وأعطاهم مهلة 90 يوماً للتوصل إلى أدلة قاطعة تؤيد تلك النظرية، وها هي مهلة بايدن لبارنز توشك على الانتهاء.
تقارير تجنيد جواسيس في ووهان
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة Global Times الصينية، نقلاً عن مصدر مطلع، تقريراً بعنوان “حصري: مصدر يكشف ألاعيب الاستخبارات المركزية الأمريكية لفبركة أصل الفيروس والخطوة التالية ترويض منظمة الصحة العالمية”.
تحاول الاستخبارات الأمريكية تجنيد مخبرين في مدينة ووهان الصينية، التي اكتشف فيها تفشي “كوفيد 19” لأول مرة، بغرض الحصول على بيانات لدعم تقرير استخباراتي حول منشأ فيروس كورونا.
وقال المصدر الصيني المطلع للصحيفة إن مهلة الأشهر الثلاثة التي أعطاها بايدن للاستخبارات المركزية من أجل إعداد تقرير يحقق في منشأ الإصابة بفيروس كورونا قد أوشكت على الانتهاء، مضيفاً أن الإدارة الأمريكية تفتش عن أي نقاط ضعف في سياسة الصين بخصوص السيطرة على الوباء، في إطار التخطيط لمواصلة الضغط على منظمة الصحة العالمية والعمل مع الحلفاء من أجل تشويه سمعة الحكومة الصينية بزعم “إخفاء الحقيقة حول منشأ الفيروس”.
وتحاول الاستخبارات الأمريكية تجنيد شهود بين الأطباء والعلماء للحصول على بيانات حول بداية تفشي مرض “كوفيد 19” في ووهان، بحسب المصدر. وتركز تلك المحاولات على الأشخاص الذين عملوا في نظام الرعاية الصحية في ذلك الوقت، وموظفي المعاهد العلمية المتخصصة في مجال البحث البيولوجي، كما تستهدف الأشخاص الذين كانوا في ووهان في المرحلة الأولى من الوباء.
كان الاجتماع السنوي الرئيسي للدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية أواخر مايو/أيار الماضي قد شهد مطالبة الولايات المتحدة ودول أخرى من بينها اليابان والبرتغال وأستراليا بضرورة إجراء “تحقيق عميق وجاد للكشف عن أصل الوباء”، على أساس أن النتائج التي توصل إليها فريق التحقيق الأول لم تكن حاسمة.
وقال ممثل الولايات المتحدة في منظمة الصحة العالمية خلال الاجتماع: “نحن نؤكد على أهمية إجراء تحقيق شامل وشفاف يقوده خبراء للوقوف على أصل مرض كوفيد-19″. وقال مندوب بريطانيا في المنظمة إن أي تحقيق جديد يجب أن يكون مرتبطاً “بمهلة زمنية محددة وأن يكون فريق التحقيق من الخبراء ويكون الهدف من التحقيق علمياً بحتاً”.
وبحسب وجهة نظر واشنطن وحلفائها، يرجع السبب الرئيسي وراء هذا الإصرار على كشف غموض أصل فيروس كورونا إلى أن تلك النقطة بالتحديد تمثل عنصراً أساسياً في قدرة البشرية على تجنب تفشي وباء آخر قد يكون أكثر فتكاً من كورونا، أو على أقل تقدير تجهيز استجابة أفضل لمثل هذه الأوبئة في المستقبل.
كيف ترى الصين الإصرار على تحقيق جديد؟
لكن الصين لديها وجهة نظر أخرى مختلفة تماماً بالطبع عن وجهة النظر الأمريكية، وهذا ما عبر عنه عالم الفيروسات بجامعة ووهان، يانغ تشجانتسيو، لصحيفة غلوبال تايمز بقوله إن تصرفات الاستخبارات الأمريكية تُظهر أن نوايا بايدن للتحقيق في منشأ فيروس كورونا هي سياسية بحتة وليست علمية.
وقال تشجانتسيو إن التحقيق يجب أن يستند إلى التحليل الجيني [الوراثي] للفيروس، وفي الوقت نفسه، يجب على العلماء من آسيا وأوروبا وأمريكا دراسة الملف الجيني للفيروس ومناقشة المعلومات الواردة وتحديد الخطوات التالية في التحقيق.
وأوضح أن ما تبحث عنه الاستخبارات الأمريكية قد يكون فقط جزءاً من تحقيق من شأنه أن يساعد بايدن في “تلفيق تقرير يشوه سمعة الصين”، حتى يتمكن من أن يثبت للأمريكيين، أنه أفضل من سلفه دونالد ترامب.
وكان لافتاَ في تقرير الصحيفة الصينية (رسمية) استخدام رسم كاريكاتيري، كصورة رئيسية مع التقرير، يجلس فيه الرئيس الأمريكي على مكتبه وأمامه ثلاثة من مسؤولي الاستخبارات المركزية يقول لهم: “اعثروا لي على أدلة بشأن مختبر ووهان كما فعلتم في العراق”.
والإشارة هنا واضحة، إذ يربط تقرير الصحيفة بين ما تسعى إليه واشنطن الآن وبين ما فعلته أثناء التجهيز لغزو العراق، حين زعمت تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية امتلاك العراق لأسلحة بيولوجية وهو ما ثبت فيما بعد ليس فقط كونها مزاعم غير صحيحة بل كانت أدلة مفبركة وغير صحيحة.
وفي هذا السياق، قال لو تشانغ زميل باحث في قسم الدراسات الأمريكية التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية للصحيفة: “تظهر أفعال مسؤولي الاستخبارات أن الولايات المتحدة تشن حرباً سياسية ضد الصين تحت ذريعة التحقيق في أصل الفيروس”.
بينما رأى يانغ تشو الدبلوماسي الصيني السابق والباحث الكبير في معهد الصين للدراسات الدولية أن سعي الاستخبارات لتجنيد الجواسيس يفضح بصورة كاملة حقيقة أهداف واشنطن الرامية إلى “فبركة” أي أدلة لإثبات أن الصين مذنبة، معتبراً أن تلك التحقيقات المزعومة التي تمثل إهانة وتمييزاً ضد الصين لن تتوقف.
الخلاصة هنا هي أن ما يدور في الكواليس وعلى الملأ بشأن حتمية التحقق من أصل ومنشأ فيروس كورونا قد تحول بالفعل إلى قضية سياسية بحتة، على الرغم من كونها كارثة صحية يدفع سكان الكوكب جميعاَ تكلفتها الباهظة من الأرواح والأرزاق، مما يعني أن التوصل للحقيقة يبتعد أكثر وأكثر.