تحقيق جنائي بمصرف لبنان.. سمعة المركزي والليرة في مفترق طرق
في وقت يصارع فيه لبنان أزمة اقتصادية، صنفت بأنها الأصعب منذ الحرب الأهلية في البلاد، تتجه الأنظار إلى مسار التدقيق المالي الجنائي في مصرف لبنان المركزي، بعد موافقة الحكومة عليه بتكليف شركة “ألفاريز آند مارسال” للقيام بالمهمة.
وبينما تواجه العملة المحلية في البلاد أزمة اقتصادية حادة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، دفعت نحو تراجع سعر الصرف لمستويات غير مسبوقة، فإن مصيرا مجهولا ينتظر مصير الليرة في بدء التحقيقات والنتائج المتوقعة لديها.
لكن شكوكا تبقى قائمة، من اقتصاد التدقيق على المصرف المركزي وبالتالي استهداف حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، لأسباب سياسية، دون شمول مؤسسات رسمية أخرى تدور حولها شبهات في قضايا هدر الطاقة وغيرها.
ويم الإثنين، حجز القضاء اللبناني احتياطيا على الأسهم العائدة لحاكم مصرف لبنان، في عدد من العقارات والمنقولات المملوكة له في منزله الكائن في محلة الرابية، على خلفية دعوى مقدمة من عدد من المحامين.
وواجه الاتفاق على شركة “ألفاريز آند مارسال “، رفضا من وزراء تابعين لحزب الله وحركة أمل، اتهموا فيها الشركة بوجود علاقة أو مكاتب في إسرائيل، قبل أن يتفق مجلس الوزراء في جلسة أخرى أمس الثلاثاء، على أن الشركة ليس لها ارتباطات مع إسرائيل.
وزيرة الإعلام منال عبد الصمد نفت الأمر، وقالت بعد جلسة الحكومة أمس: “عرض وزير المالية نحو ست شركات، مرفقة بمعطيات عدة عنها من بينها وجود مكتب في إسرائيل أو في لبنان.. على هذا الأساس تم استبعاد كل الشركات التي لا تطابق المعايير”.
وأبدى وليد أبو سليمان، الخبير الاقتصادي، خشيته من أن تكون حجة وزراء حزب الله وحركة أمل برفض التصويت على الشركة، محاولة قطع الطريق أمام التدقيق يتبعه رفض أية نتائج قد تصدر عنه، قد لا تكون في صالح الحزب.
لكن الخبير الاقتصادي حذر خلال حديث مع “العين الاخبارية”، في نفس الاتجاه، “من أن يكون التدقيق انتقائيا، ويقتصر على مصرف لبنان، وأن يكون الهدف فقط رأس رياض سلامة”.
وقال: “قرار التدقيق المالي الجنائي، خطوة مهمة وأولى في تاريخ لبنان، لكن في الوقت عينه يجب أن لا تطبق فقط على المصرف المركزي الذي لم يكن يأخذ قراراته بمعزل عن مجلس النواب والحكومة”.
ما يشير إليه أبو سليمان، يتوقف عنده الخبير الاقتصادي فرحات فرحات، مع تأكيده على أهمية قرار التحقيق الجنائي المالي.
ويطرح أسئلة عدة حول القرار، منها أهمية سبب اختيار الشركة في وقت طرحت فيه شركات أفضل؛ ويميز هنا بين المراقبة المحاسبية والتحقيق الجنائي، حيث أن الأولى بدأ المصرف المركزي بالقيام بها، فيما يجب أن يرتكز التحقيق الجنائي على السرقات والأرباح غير المشروعة.
وقال: “العبرة تبقى في التنفيذ والنتائج التي يمكن الوصول إليها، وكيفية الاستفادة منها قانونيا، وهل يمكن استعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة المتورطين في ظل الواقع السياسي، حيث أن التجارب السابقة غير مشجعة”.
– تحولا جذريا
في المقابل، تدافع الحكومة ورئيسها حسان دياب على القرار، حيث اعتبر الأخير يوم أمس في جلسة مجلس الوزراء، أن اعتماد شركة للتدقيق الجنائي “سيشكل تحولا جذريا في مسار كشف ما حصل على المستوى المالي من هدر وسرقات”.
من جهتها، رأت وزيرة العدل ماري كلود نجم، أن “إقرار مسار التدقيق المالي الجنائي هو خطوة مفصلية في عمل الحكومة، وإشارة إيجابية ومهمة لاستعادة الثقة في بلد ممسوك من نظام يتحكم بكل مفاصل الدولة”.
وأوضحت في حديث تلفزيوني: “التدقيق المالي التشريحي هو تحقيق استقصائي يذهب أبعد من التدقيق العادي، وهو يبحث في الخروق الفادحة للقوانين والمبادىء التي تنظم عمل المؤسسة موضوع التدقيق، كما ويبحث في مخالفات الإستثمارات والتعاملات وأموال استفاد منها أفرقاء على حساب المال العام”.
وقالت الوزيرة نجم، ردا على سؤال عن إمكان عرقلة مسار التحقيق لأسباب سياسية: “هذا الأمر غير صحيح، لأن التدقيق في مصرف لبنان يؤدي إلى أماكن عدة، ولا مانع لدينا للذهاب في اتجاه أية إدارة أو مؤسسة فيها إنفاق غير موثق للمال العام”.
وعن بدء مسار التدقيق، قالت: “نحاول تسريع المسار قدر الإمكان، وثمة مهلة أسبوع إلى عشرة أيام لإنجاز العقد مع الشركة، وبعد توقيعه يباشر طاقم العمل في لبنان عمله في غضون أسبوعين”.
يأتي قرار التدقيق، في وقت يعاني لبنان من أزمة مالية قلّصت قيمة عملته منذ أواخر العام الماضي، ودفعت التضخم إلى صعود حاد في ظل تبدد احتياطيات النقد الأجنبي التي في وضع حرج بالفعل.
وتعثرت المحادثات مع صندوق النقد الدولي، بسبب خلاف على حجم الخسائر المالية، أحدث توترا بين الحكومة والمصرف المركزي والبنوك التجارية ومشرعين من الأحزاب السياسية الرئيسية.
وبعد أن تعثرت الحكومة في سداد ديونها الهائلة بالعملة الأجنبية، وبدأت محادثات إعادة هيكلة مع الدائنين في مارس/ آذار الماضي، قال دياب إنه سيكون هناك تدقيق في حسابات المصرف المركزي للوفاء بوعد الشفافية.
وفي هجوم على أداء حاكم المصرف المركزي رياض سلامة في أبريل/ نيسان الماضي، ألقى عليه دياب بالمسؤولية في انهيار العملة المحلية وتنامي الخسائر في القطاع المصرفي وقلة الشفافية.
ودافع سلامة عن ممارسات المصرف المركزي، وقال إنه لم يخف معلومات. ورد اللوم إلى الحكومات اللبنانية المتعاقبة بالإخفاق في تنفيذ إصلاحات أو تنظيم المالية العامة.
– تاريخ الأزمة
ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية طاحنة أثرت على مناحي الحياة في البلاد، وأدت إلى ارتفاع التضخم وزيادة نسب البطالة، في ظل عملة محلية منهارة أمام الدولار الأمريكي.
ومنذ ما يقرب من 9 أشهر تغيرت الأوضاع في لبنان، وخرج الآلاف إلى الشوارع احتجاجاً على تدني الأوضاع الاقتصادية وفشل الحكومة في إدارة الأوضاع.
وأدت الأزمة الاقتصادية الأكبر في تاريخ لبنان إلى ارتفاع نسب الفقر بشكل لم تشهده البلاد من قبل، بعد أن أصبح نصف السكان تحت خط الفقر.
وتتصدر أزمة العملة وشح الدولار المشهد في لبنان، بعد أن فقدت الليرة اللبنانية نحو 85% من قيمتها منذ بداية مايو/آيار 2019.
وشهدت نسب البطالة هي الأخرى ارتفاعا كبيرا، بعد أن فقد عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم وتآكلت قدرتهم الشرائية.
وللتغلب على هذه الأزمات المتراكمة، تسعى الحكومة في لبنان للحصول على دعم خارجي بأكثر من 20 مليار دولار، بينها 11 مليارا أقرها مؤتمر “سيدر” الذي انعقد بباريس في 2018 مشترطاً إصلاحات، منها تقليص النفقات العامة وتحسين الإيرادات الضريبية.