تونس تسجل ارتفاعا في معدلات الفساد والرشوة بحسب المقياس العالمي
بالرغم من أن مطلب مكافحة الفساد والرشوة والمحسوبية كان من أبرز المطالب التي رفعها التونسيون خلال ثورة الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2011، انتفاضا على سلطة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وتمركز الثروة والوظائف في صفوف عائلته والمحيطين به، فإن هذه الظواهر ما تزال مستشرية في تونس من أعلى سلم السلطة إلى أدناه.
الإصدار العاشر من مقياس الفساد العالمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية وكشفت عن نتائجه مؤخرا، استند إلى عمل ميداني أجري بين مارس/آذار 2018 وأكتوبر/تشرين الأول 2019، وشارك فيه 6600 مواطن من ست دول عربية، هي الأردن ولبنان والمغرب وفلسطين والسودان وتونس، خلص إلى أن 65 بالمائة من المستجوبين في هذه الدول يجمعون على أن الفساد قد تفاقم خلال الـ 12 شهرا الماضية.
وللمرة الأولى كشف المقياس أن مواطنا من بين خمسة أشخاص قد تعرضوا للابتزاز الجنسي أو يعرفون شخصا تعرض له في ثلاثة بلدان من بين البلدان التي شملها الاستطلاع.
استشراء الفساد
وبالرغم من أن تونس كرست العديد من التشريعات المناهضة للفساد والقوانين الحامية للمبلغين عنه، وبالرغم أيضا من تركيزها للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد مباشرة بعد الثورة التونسية، إلا أن الأرقام الخاصة بها لم تختلف كثيرا عن غيرها من الدول العربية الأخرى.
إذ أظهر مقياس الفساد العالمي لسنة 2019، أن 67 بالمائة يرون أن الفساد تفاقم في تونس خلال الـ 12 شهرا الماضية، وأن 18 بالمائة من متلقي خدمات المصالح الحكومية دفعوا رشوة خلال الفترة نفسها، فيما يرى 64 بالمائة من المستجوبين أن أداء الحكومة التونسية ضعيف في مجال مكافحة الفساد.
ووفقا للاستبيان فإن معدلات الفساد ترتفع لدى الموظفين الحكوميين بدرجة أولى بنسبة 31 بالمائة، يليهم أعضاء البرلمان بـ 30 بالمائة، ثم مديرو الأعمال بـ 28 بالمائة، فرئيس الوزراء بـ 25 بالمائة.
قطاع الشرطة
كما أظهرت النتائج أن معدلات الرشوة والوساطة ارتفعت في تونس بما نسبته 18 بالمائة كمعدل عام، ويستأثر قطاع الشرطة بأعلى النسب بـ 17 بالمائة، تليه مباشرة خدمات إسناد وثائق الهوية بـ 12 بالمائة، فالعيادات العامة والمراكز الصحية بـ 11 بالمائة، ثم المرافق العامة بـ 10 بالمائة، والمدارس الحكومية بـ 8 بالمائة.
ويعتقد 59 بالمائة من المستجوبين في تونس أن المواطنين العاديين قادرون على التأثير على مكافحة ظاهرتي الفساد والرشوة.
هذه النتائج تترجم وفقا للمنسقة الإقليمية للمنطقة العربية في منظمة الشفافية الدولية كندة حتّر، غياب المحاربة الفعلية للفساد وضعف الإرادة السياسية في مكافحة هذه الظاهرة.
وتقول محدثتنا إن “ترسانة القوانين التي تحظى بها تونس لا تقابلها ترجمة حقيقية لنصوصها على أرض الواقع”، مضيفة أن غالبية المواطنين في تونس يخشون من عواقب التبليغ عن المفسدين، بسبب عدم ثقتهم في تنفيذ القوانين الصادرة في مجال حماية المبلغين.
محاسبة المسؤولين
وتشدد حتّر على أهمية أن تكون هناك حركة أوسع في الحصول على المعلومة من أجل أن يكون للناس القدرة على محاسبة المسؤولين.
وهو نفس ما يذهب إليه مدير برامج منظمة “أنا يقظ” يوسف بالقاسم، في حديثه لـ”سبوتنيك”، إذ يعتبر أن تونس تحظى بترسانة قانونية مهمة متعلقة بمكافحة الفساد، خاصة بعد إصدار قانون حماية المبلغين وكذلك قانون النفاذ إلى المعلومة والتصريح بالمصالح والمكاسب، ولكن تنفيذها يبقى رهين الأوامر التطبيقية الخاصة بالقانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، والتي تأخرت الحكومة في إصدارها.
ويضيف بالقاسم، أن أداء الحكومة ما يزال ضعيفا في محاربة هذه الظاهرة، خاصة أن النتائج أثبتت أن 18 بالمائة من المواطنين يقدمون على استخدام الرشوة للحصول على خدمات عمومية يفترض في الأصل أنها تقدم إليهم مجانا.
ويتابع محدثنا: “ما نلاحظه من خلال عملنا في الميدان أن ثقافة الوعي بأهمية التبليغ عن المفسدين منتشرة بنسبة هامة لدى المواطن التونسي، لكنه ليس على دراية كافية بوجود قوانين تحميه من تبعات التبليغ أو بآليات تطبيقها”، وهو ما يؤثر على عملية التبليغ.
مكافأة مالية للمبلغين عن الفساد
وفي محاولة للتقليص من هذه الظواهر، وقع رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد، خلال افتتاح المؤتمر الوطني الرابع لمكافحة الفساد الذي انتظم بداية هذا الأسبوع تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد، وقع أمرا حكوميا يقضي بإسناد حوافز في مجال التوقي من الفساد، وإسناد مكافأة مالية للمبلغين عنه باقتراح من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
ويقدر قيمة هذه المكافأة بـ 5 بالمائة من قيمة الأموال، التي تم استردادها، على أن لا يتجاوز سقفها 50 ألف دينار، وتمنح في أجل أقصاه سنة من تاريخ صدور حكم بات ونهائي في صورة إثارة قضية تبعا للتبليغ.
هذه الخطوة رغم ترحيب البعض بها واعتمادها في دول عدة، إلا أنها أثارت حفيظة بعض التونسيين ومكونات المجتمع المدني، الذين اعتبروا أن التبليغ عن الفساد يجب أن يكون صادرا عن وعي بأهمية مكافحة هذه الظاهرة التي نخرت مؤسسات الدولة وأسهمت في تعطل مصالح التونسيين، وأخرت حتى عملية التنمية الاقتصادية.
فيما يرى البعض الآخر على غرار منظمة “أنا يقظ”، أن هذه الخطوة لا يمكن أن تكون إلا مكملا لبقية الإجراءات القانونية التي تمثل ركيزة أساسية لمحاربة الفساد والرشوة.