حقبة جديدة تقودها الصين وروسيا.. متى سيتقبل الغرب واقع عالم جديد متعدد الأقطاب؟

في كتابه “طريق الحرير الجديد”، يوضح المؤرخ البريطاني بيتر فرانكوبان كيف أن “القرارات المصيرية في عالم اليوم لا تُتخذ في باريس أو لندن أو برلين أو روما -مثلما كان يحدث قبل مئة عام- وإنما في بكين وموسكو وطهران والرياض ودلهي وإسلام آباد وكابول وأنقرة وغيرها”. وما يتحدث عنه فرانكوبان هنا عالم متعدد الأقطاب نرفض الاعتراف به، عالم تتربع الصين وروسيا على عرشه باعتبارهما قوة ثقافية وجيوستراتيجية واقتصادية وعسكرية موازية لواقع أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة.

متى سيتقبل الغرب واقع عالم جديد متعدد الأقطاب؟

يقول الكاتب والباحث السياسي البريطاني جون وايت، إن في الغرب اليوم، لا سيما في لندن وواشنطن، تستعمر الهستيريا والذعر مؤسساتهما الحاكمة، هذه المؤسسات التي تضم رجالاً ونساء لم يعودوا قادرين على استيعاب عالم يتحول من تحت أقدامهم ليصبح متعدد الأقطاب. وكان من شدة رفض هذه المؤسسات الحاكمة لأن تقبل أن العالم القديم يحتضر، وتحتضر معه الافتراضات التي يقوم عليها، أن نشهد الآن تفاقم العداء بين العالمين، ليصل إلى ذروته في الحرب المأساوية التي تدور رحاها في أوكرانيا.

ويضيف وايت في مقالة له بموقع Responsible Statecraft الأمريكي، أن ما نراه جلياً هو أن بكين ارتدت عباءة زعيم العالم التي خلعتها واشنطن إبان حكم ترامب الذي كان قمة في الفشل والتخبط، وخليفته بايدن الذي يحاول كبح المد الجديد متعدد الأقطاب دون جدوى.

ويستشهد وايت بما كشفه فرانكوبان في كتابه أيضاً بأنه في نهاية عام 2015 “أعلن بنك التصدير والاستيراد الصيني أنه بدأ في تمويل ما يتوقع أن يزيد عن 1000 مشروع في 49 دولة في إطار مبادرة الحزام والطريق“. وبعد سبع سنوات، دخلت أكثر من ثمانين دولة الآن مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين، وأصبح هذا المشروع الطموح الهادف للتعاون المتبادل يشمل آسيا الوسطى، وإفريقيا، والشرق الأوسط، ومنطقة البحر الكاريبي، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية.

هل أمريكا مستعدة لتحدي مبادرة “الحزام والطريق” الصينية؟ ونفوذها في العالم/ عربي بوست

حقبة جديدة من الصراع على النفوذ الدولي تقودها الصين وروسيا

أما عن علاقات موسكو المتعمقة مع بكين، ففي مقال نشره في مايو/أيار 2020 معهد نيولاينز الأمريكي، بعنوان “الشراكة الصينية الروسية تكتسب زخماً”، كتب المؤلف جيف هاون: “في ضوء التهديد الأمريكي المتصور، أفادت روسيا والصين من مصلحتهما المتبادلة والعلاقة الشخصية المتزايدة القوة بين قائديها الحاليين. وعزز البلدان تدريجياً تعاونهما الأمني بالتدريبات المكثفة التي حظيت بتغطية إعلامية قوية وتعميق العلاقات العسكرية بين الجيشين”.

قارن بين هذه الاستفادة المتبادلة والتعددية، اللتين حفزتهما مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتوسع منظمة شنغهاي للتعاون منذ تأسيسها عام 2001، ومعارضة ترامب للتعددية عينها، التي تجسدت في انسحابه من خطة العمل الشاملة المشتركة التي أُبرمت عام 2018، وانسحابه بعد ذلك من منظمة الصحة العالمية بعد ظهور جائحة كوفيد-19. ورغم أن إدارة بايدن ربما تخطط لعودة واشنطن إلى منظمة الصحة العالمية، فهي لم تحقق أي تقدم ملموس في خطة العمل الشاملة المشتركة.

الغرب يحصد ما زرعه بالماضي

يقول وايت: على الغرب ألا يلوم إلا نفسه على هذه الصراعات الناشئة، إذ عليه أن يتذكر أن فلاديمير بوتين صعد إلى سلطة الكرملين وهو ملتزم بتعزيز شراكة وثيقة ومفيدة للطرفين مع الغرب، وذهب إلى حد مناقشة انضمام روسيا إلى حلف الناتو مع الرئيس الأمريكي حينذاك بيل كلينتون. كان هذا عام 2000. وعام 2007، أفاق الزعيم الروسي على حقيقة أن موسكو خسرت الحرب الباردة مع واشنطن وحلفائها، وأن الغنائم تؤول إلى المنتصر.

وفي مؤتمر ميونيخ للأمن في العام نفسه، حذر الرئيس الروسي من عواقب إعطاء قوة واحدة لنفسها الحق في فرض سلطتها على كل مكان وتجاهل القانون الدولي والسيادة الوطنية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.

وقال بوتين: “إننا نشهد ازدراءً يتنامى يوماً بعد آخر لمبادئ القانون الدولي الأساسية. والمعايير القانونية المستقلة تصبح في واقع الأمر أقرب إلى نظام قانوني لدولة واحدة. دولة واحدة، وأخص بحديثي الولايات المتحدة بالطبع، تتجاوز حدود أراضيها بكل السبل”.

وما يحدث في أوكرانيا هو النتيجة الكارثية لصم الغرب آذانه عن التحذير الذي أطلقه الرئيس الروسي في ميونيخ، بحسب الكاتب البريطاني.

الدمار الذي خلفته الحرب في أوكرانيا، رويترز

العالم تغير تماماً

ويخلص الكاتب البريطاني إلى القول إن العالم قد تغير تماماً، والفترة التي نعيشها بمثابة فترة انتقالية ما بين ذبول القديم وظهور الجديد. وهي لذلك فترة تحمل خطر اندلاع حريق عالمي ما لم يكن للعقلانية الأسبقية على الإحساس الخاطئ تماماً بالاستثنائية الذي يسيطر على السياسة الخارجية الغربية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي أوائل التسعينيات.

ويبدو أن وفاة نظام القطب الأوحد الذي تقوده الهيمنة الأمريكية على العالم أعلنها بوتين رسمياً بالأمس، حينما قال خلال خطاب أمام منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، الجمعة 17 يونيو/حزيران 2022، إن “تعدد الأقطاب في العالم أمر لا مفر منه، مشيراً إلى أن من يتشبث بقيادة عالمية وهمية يرتكب خطأً فادحاً، وأن هذا الخطأ سيكلف أصحابه غالياً”.

وأضاف بوتين: “لا شك لدي في أن هذا سيكلفهم كثيراً وغالياً، هذا ليس تهديداً، لكنه سيحدث وفقاً لواقع الحياة”، بحسب وصفه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى