“دولكم آمنة ولا حق لكم في اللجوء”.. خوف وترقب بعد تضييق دول أوروبية الخناق على لاجئين عرب

بعد إعلان عدد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، استئناف عمليات ترحيل اللاجئين إلى بلادهم، بدأ عدد من طالبي اللجوء السياسي في عدد من الدول الأوروبية في تحسس قلوبهم، خوفاً من أي عملية ترحيل مفاجئة قد تتخذها الحكومات الأوروبية في الأسابيع القليلة المقبلة.

ويستعمل عدد من الحكومات الأوروبية شماعة الإرهاب والتطرف الإسلامي لترحيل اللاجئين المدنيين أو السياسيين، بدعوى حماية أراضيها من أي هجوم إرهابي محتمل.

يُعتبر طلب اللجوء كمفهوم قضائي يعطي الشخص الذي يتعرّض للاضطهاد بسبب آرائه السياسية أو المعتقدات الدينية في بلده الفرصة له للتعبير عن آرائه، إذ تنُصّ المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن كل شخص له الحق في طلبِ اللجوء والتمتع به حتى لا يتعرّضَ للاضطهاد في بلدهِ الأم.

تستعد دول أوروبية إلى ترحيل اللاجئين المدنيين والسياسيين إلى بلدانهم (أرشيف)
تستعد دول أوروبية إلى ترحيل اللاجئين المدنيين والسياسيين إلى بلدانهم (أرشيف)

ترحيل قسري للاجئين

في 13 يناير/كانون الثاني 2021، قررت ألمانيا ترحيل  26 أفغانياً أرفقتهم بـ 84 ضابطاً من الشرطة الفيدرالية الألمانية إلى العاصمة كابول، بعد أن استأنفت عمليات ترحيل طالبي اللجوء بعد توقف دام لأشهر بسبب جائحة فيروس كورونا.

وتعتبر هذه الرحلة الخامسة والثلاثين، منذ ديسمبر/كانون الأول 2016، والتي أعادت من خلالها ألمانيا ما مجموعه 963 طالب لجوء مرفوضاً إلى أفغانستان.

عملية ترحيل مواطنين أفغان كانوا قد تقدموا بطلب اللجوء السياسي إلى ألمانيا دفعت عدداً من الجمعيات الحقوقية إلى تنظيم مظاهرات في مطار دوسلدورف، بدعوى أن “أفغانستان تشكل خطورة كبيرة على طالبي اللجوء العائدين إليها، ولن يتلقوا أي دعم عند الوصول إلى بلدهم، بالعكس سيتعرضون لنفس الاضطهاد الذي غادروا بسببه، وأيضاً بسبب الصراع القائم بين طالبان والحكومة الأفغانية”.

أحمد العنا، عضو في منظمة “أنا إنسان”، التي تُعنى بطالبي اللجوء السياسي في أوروبا، قال في تصريح لـ”عربي بوست” فعلاً “الأزمة الوبائية لفيروس كورونا تسببت في تقليص عمليات الترحيل، فبعض الحكومات اضطرت إلى تسريع الاستجابة لطلبات اللجوء السياسي، في الوقت الذي جمَّدت فيه حكومات أخرى هذه الطلبات، وسمحت لهؤلاء المواطنين بالعيش بشكل عادي وسط مجتمعاتها”.

وأضاف المتحدث في تصريحه أن “بدء التعايش مع فيروس كورونا أعاد للواجهة مشكلة طالبي اللجوء، إذ إن عدداً من الدول ستستخدم قوانينها لإعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلدانهم، دون مراعاة الظروف التي غادروا بسببها، فمنهم من هو مدان بالسجن، ومنهم من يتعرض للتضييق بسبب آرائه، الأمر الذي دفع المجلس الدنماركي للاجئين إلى المطالبة بضرورة وقف عمليات الترحيل”.

وأشار العنا إلى أن عمليات ترحيل طالبي اللجوء لا تعني السوريين فقط، ففي الدنمارك والسويد مثلاً هناك عدد من المغاربة والتونسيين والجزائريين يضعون ملفاتهم لدى الإدارات الخاصة، قصد دراستها لمنحهم اللجوء السياسي.

الدنمارك أول المرحلين

أصدرت وزارة الهجرة والاندماج الدنماركية تقريراً حول طالبي اللجوء في بلدها، تُقر فيه أن الأوضاع في سوريا، خصوصاً في العاصمة دمشق، لم تعد خطيرة، مطالبةً بعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، من الهاربين من الحرب أو اللاجئين الطالبين للجوء السياسي بسبب مواقفهم وآرائهم.

وجاء في الموقع الإلكتروني لوزارة الهجرة والاندماج الدنماركية أنه “لم تعد الظروف في دمشق شديدة لدرجة أنه يوجد أساس لمنح أو تمديد تصريح الإقامة المؤقتة”، مستندة إلى قرار سابق لمجلس اللاجئين، وهو مؤسسة حكومية تابعة للوزارة تتخذ القرارات النهائية بشأن منح حق اللجوء في الدنمارك.

حنان العرابي، مواطنة سورية غادرت دمشق قبل 4 سنوات إلى السويد، ثم الدنمارك، بحثاً عن لجوء سياسي يضمن لها حق العيش بكرامة، بعيداً عن الاضطهاد الذي تعرّضت له في بلدها، وهي طالبة في كلية الهندسة المدنية التابعة لجامعة دمشق، إحدى أعرق الجامعات السورية.

تقول حنان العرابي في حديثها إنها “كانت تقود رفقة عدد من طلاب الجامعة مظاهرات في السنوات الأولى من الثورة السورية، فتعرضت لمضايقات كثيرة وتضييقات، وصلت حد حرمانهم من اجتياز امتحانات السنة الأخيرة، فاضطرت إلى مغادرة سوريا بحثاً عن بلد تكمل فيه دراستها”.

وأضافت حنان “كنت متفوقة في دراستي، ورفضي للظلم والاستبداد في بلدي أوصلني إلى ما أنا عليه الآن، جئت إلى السويد عملاً بنصيحة أقاربي، لأنه بلد يمنح اللجوء السياسي بطريقة غير معقدة، على عكس الدول الأوروبية الأخرى، فغادرت بعدها إلى الدنمارك، بحثاً عن فرصة للحياة، لكن مع القرارات الجديدة يبدو أنني سأعود إلى سوريا وقد ضاع من عمري 5 سنوات دون نتيجة”.

حنان ليست الوحيدة الغارقة بين ملفات طلبات اللجوء في دول عربية، فقريبتها شورى هي أيضاً من ضحايا الاستبداد في بلدها وصرامة القوانين الأوروبية في الغربة.

تعيش شورى في مدينة بون الألمانية، تضع يدها على قلبها خوفاً من ترحيلها، خصوصاً بعد إعلان ألمانيا يوم الجمعة، 11 ديسمبر/كانون الأول 2020، قرار استئنافها لعمليات ترحيل السوريين اعتباراً من بداية سنة 2021.

تضارب حقوقي

وبعيداً عن طلبات ترحيل الفارّين من الحروب، خاصة في سوريا، ساهم طلب المفوضية الأوروبية للشؤون الداخلية بضرورة إعادة اللاجئين إلى بلدانهم، في تزايد حدة عمليات الترحيل لكن من رُفض طلب لجوئه، سواء كان فاراً من الحرب أو من السجن أو حتى من نظام مضطهد.

ودعت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، إيلفا جوهانسون، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، خلال جلسة استماع لها بمجلس الشيوخ الفرنسي أمام لجنة الشؤون الأوروبية، إلى ضرورة إعادة المهاجرين غير الشرعيين (طالبي اللجوء السياسي).

واعتبرت المفوضة الأوروبية أن “عمليات الترحيل يجب أن تمر عبر مضاعفة “الاتفاقات، حتى تستعيد بلدان المنشأ رعاياها الذين يعيشون في وضع غير قانوني في الاتحاد الأوروبي”.

من جهتها، أعلنت وزارة الهجرة واللجوء الدنماركية أنها تعمل على تقييم إمكانية سحب تصريح الإقامة من مئات الأشخاص القادمين من محافظة دمشق في سوريا، خصوصاً بعد تغيّر الأوضاع، واللاجئون السياسيون لم يعودوا بحاجة إلى الحماية الدنماركية، والغرض الذي تسعى إليه حالياً هو الضغط على اللاجئين ليعودوا إلى بلدهم بشكل يبدو طوعياً.

وكانت الأمينة العامة للمجلس الدنماركي للاجئين، شارلوته سلينته، قد أعلنت من خلال تغريدة على حسابها في تويتر عن قلقها من إعادة اللاجئين إلى سوريا، خصوصاً أن الظروف في هذا البلد لم تعد بعد مواتية للعيش بكرامة.

وأضافت المتحدثة أن “دمشق ليست آمنة، والقرار الدنماركي كان خاطئاً ولا يزال، والأسوأ أن البلد يفتح الباب أمام الدول الأخرى لتقوم بما قامت به، بدلاً من إعادة النظر في أحوال اللاجئين، الذين لا يشكلون خطراً على المجتمع، وأيضاً إعادة النظر في سياستها”.

أحمد العنا، عضو في منظمة “أنا إنسان”، التي تعنى بطالبي اللجوء السياسي في أوروبا كشف في حديثه، أن “الدولة المضيفة من حقها أن تعيد كل من يشكل خطراً على أراضيها إلى بلاده، لكن ليس من حقها أن تعيد شخصاً يعيش في أمان ولا يبحث سوى عن كرامته، إلى بلد يمكن أن تضيع فيه حريته أو حتى حقه في الحياة”.

وقال المتحدث: “نحن نقف أمام مفترق الطرق، فالقوانين الكونية تحمي حق اللجوء سواء السياسي أو المدني، وهذا ما هو مسطر في اتفاقيات الأمم المتحدة، لكن الدول الأوروبية تسير في طريق آخر، ونحن اليوم لا نطالب سوى بدراسة كل ملف بشكل فردي، وإذا تبث فعلاً تورط اللاجئ في أي مشكل في البلد فليرحلوه فوراً”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى