دُبر في الخفاء من سنوات وسيتوج باستثمارات إسرائيلية.. كيف يختلف التطبيع المغربي عن الخليجي؟

أعاد قرار تطبيع المغرب مع إسرائيل الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، فرصة للحديث عن علاقات سعت إسرائيل للحفاظ عليها واستمرارها بشكل سري منذ عشرات السنوات مع دول عربية، لم يكن المغرب استثناءً منها.

مرّ الاتفاق المغربي الإسرائيلي دون ضجة أو صخب، كما حصل مع الإمارات في أغسطس/آب 2020، كونه أتى في ظل متغيرات إقليمية ودولية، كما أن الإمارات كسرت حالة الذهول لدى الشارع الفلسطيني والعربي الذي بات مُتوقعاً حدوث مثل هذه الاتفاقيات.

تطبيع المغرب مع إسرائيل.. اختلاف السياق

جاء تطبيع المغرب مع إسرائيل في ظروف سياسية وسياقات مختلفة مقارنة باتفاق الإمارات، وذلك عقب إعادة السلطة الفلسطينية علاقاتها السياسية والأمنية مع إسرائيل بعد تجميدها لأشهر، ما يفسّر صمتها عن إدانة الاتفاق، وأي تقارب بين الدول العربية وإسرائيل.

عبدالله عبدالله، عضو المجلس الثوري لحركة فتح رئيس الدائرة السياسية في المجلس التشريعي، كشف أن “موقف السلطة من اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل لم يتغير، ولا يزال ثابتاً، وهو الرفض لأي خطوات سياسية أحادية الجانب لا تستند لمبادرة السلام العربية كأرضية سياسية ومنطلق أساسي الناظم للعلاقة بين الدول العربية وإسرائيل”.

وقال عضو المجلس الثوري لحركة فتح في حديثه مع “عربي بوست”: “لا يمكن للدول العربية أن تضع نفسها في موقف المقارنة مع السلطة الفلسطينية بشأن إعادة العلاقات مع إسرائيل؛ لأن سياق إعادة علاقاتنا بها يستند لاتفاقيات ومعاهدات دولية استدعت منا إعادة النظر بقرار قطع العلاقات لظروف سياسية واقتصادية خاصة بنا، وذلك بعد الحصول على ضمانات باحترام إسرائيل المعاهدات والمواثيق الدولية”.

“تطبيع” في الخفاء ولكن..

يمثل تطبيع المغرب مع إسرائيل خصوصية مختلفة عن أي اتفاق أُبرم مع الدول العربية؛ لأن المغرب أول دولة في المغرب العربي تبرم الاتفاق مع إسرائيل، كما أن مكانتها التاريخية بالنسبة للفلسطينيين تضع هذا الاتفاق في منزلة خاصة، كون المملكة تترأس لجنة القدس في منظمة المؤتمر الإسلامي، لكن الفلسطينيين يخشون أن ينعكس قرار التطبيع على تراجع الاهتمام الرسمي للمغرب بالقضية الفلسطينية في ظل تعقيدات الظروف الراهنة.

وقال الكاتب والباحث المغربي هشام توفيق إن “اتفاق السلام الذي دُبر في الخفاء بأيادٍ أمريكية وإسرائيلية، يأتي ليكسر إرادة الشعب المغربي وهيئاته ومؤسساته المناصرة للقضية الفلسطينية والمناهضة الصهيونية، لذلك فإنه اتفاق وُلد ميتاً، لأنه لا يستند إلى قاعدة شعبية أو مؤسساتية تؤيده أو تدعمه”.

وأضاف المتحدث في تصريح لـ”عربي بوست” أن “التعويل الإسرائيلي على نجاح التطبيع بأن يأتي بثماره الاتفاق مع الإمارات مستبعد، نظراً للعديد من العوامل أهمها أن مستوى الحريات بين البلدين كبير جداً لصالح المغرب، فالإمارات دولة شمولية ولا توجد بها معارضة، لذلك شهدنا نسقاً متسارعاً من تطبيع شمل مناحي وقطاعات مختلفة، أما في حالة المغرب فالأمر معقد، بسبب وجود نظام قانوني ودستوري يضع قيوداً واشتراطات على أي مستوى من العلاقات”.

ويرى المتحدث نفسه أن “شكل تطبيع المغرب مع إسرائيل قد يأخذ مستوى رسمياً عبر إقامات علاقات في الخفاء، دون الوصول لمستويات أن يشارك الجمهور أو المؤسسات الإعلامية والاقتصادية والتجارية باستثمار هذا الاتفاق، كالذي يجري الآن في الإمارات، واستبعاد وصول المنتجات الإسرائيلية للأسواق المغربية بسبب الإرث التاريخي ورمزية القضية الفلسطينية بالنسبة للشارع المغربي”.

ملك المغرب وملك السعودية
ملك المغرب وملك السعودية

ماذا ستستفيد إسرائيل؟

وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو تطبيع المغرب مع إسرائيل بأنه “الأكثر دفئاً من بين الاتفاقات الأربع التي تمت حتى الآن، لأن المغرب مهتم جداً بتطوير العلاقات، وتعزيز السياحة الإسرائيلية لديه، التي تعمل بالفعل بشتى الطرق”.

ويشير حديث نتنياهو بمدحه لهذا الاتفاق إلى التطلعات الاقتصادية التي تسعى إليها إسرائيل في المغرب، كونها تحظى بمكانة جغرافية تمكنها من الاستفادة من الثروات المغربية، سواء على المستوى الملاحة البحرية نظراً لإطلالتها على مضيق جبل طارق، ما يمنحها مكسباً بالسيطرة، ورصد أحد أهم مضائق العالم البحرية الفاصلة بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، واستفادة شركات الطيران الإسرائيلي من التحليق بحرية بأجواء المغرب.

ويمتلك المغرب العديد من الموارد الطبيعية التي تضعه في مستوى تنافسي بالنسبة لدول العالم، قد تستفيد منها الشركات الإسرائيلية في الاستثمار طويل الأمد، فهي تمتلك أضخم احتياطي من الفوسفات الطبيعي بتقديرات تصل 50 مليار طن، تشكل ما نسبته ثلث الاحتياطات العالمية.

وكشف المحلل الاقتصادي المغربي يوسف ميارة أن “التعاون الاقتصادي المحتمل بين إسرائيل والمغرب سيكون لصالح الطرفين، فالمغرب يسعى لاستقرار أسواق بيع الفوسفات والكبريت ومشتقات الأسمدة لمنافسة دول كالصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ورغم امتلاكه احتياطات هائلة من الفوسفات فإن تكلفة استخراجه لا تتناسب مع تكلفة البيع؛ لأن مدخولاته لا تتجاوز خمسة مليارات دولار سنوياً من الاستثمار في هذا المجال، وتوفر الشركات الإسرائيلية المتطورة في مجالات التنقيب فرصة لزيادة كفاءتها بما يصبّ في صالح دعم الاقتصاد المغربي”.

وأضاف المتحدث في تصريحه لـ”عربي بوست” أن “هناك مجالات أخرى للاستثمار بين إسرائيل والمغرب في الهندسة الزراعية والطاقة المتجددة، وهذه مجالات تمتاز بها إسرائيل، لذلك فإن تطلعات المغرب تتركز في استثمار التكنولوجيا الإسرائيلية مقابل الاتفاق”.

استباق التطبيع

سنة 2018 أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية تلبية عشرات الصحفيين والمهندسين والكُتاب والمخرجين ورجال الأعمال المغاربة دعوة وُجهت لهم لزيارة إسرائيل، التقوا من خلالها بنواب الكنيست ووزراء الحكومة، وزاروا متحف المحرقة، ومركز تراث يهود شمال إفريقيا، ما قد يشير إلى أن النوايا الإسرائيلية لاختراق الساحة المغربية جرى التحضير لها منذ سنوات.

إياد القرا، رئيس التحرير السابق لصحيفة فلسطين بغزة، قال إن “سياق العلاقات المغربية الإسرائيلية تعود جذورها إلى التسعينيات، وتختلف عن اتفاقيات السلام الأخيرة مع الإمارات والبحرين والسودان، لأن ما يميز المغرب هو سعي إسرائيل لتحقيق مكاسب سياسية باختراق الساحة العربية في إفريقيا، وكسر حالة الجمود والعزلة التي عاشتها لسنوات، ومحاولة أن تكون دولة مركزية في الشرق الأوسط دون تحفظات”.

وأضاف المتحدث في تصريحه لـ”عربي بوست”: “رغم خطورة أي تطبيع عربي إسرائيلي، لكن الدور الذي تمثله المغرب للقضية الفلسطينية قليل وهامشي، مقارنة بالدور الذي قد تلعبه الإمارات والسعودية والأردن ومصر، كما أن حالة الرفض الشعبي المغربي لأي تطبيع مع الاحتلال يقلل من أهمية الاتفاق، ويخرجه عن سياقه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى