صحافة العدو ..عصف فكري
قراءة: سليم الزريعي
إن المتابع لصحافة الكيان الصهيوني سيجد أن كتاب هذه الصحف الذين يشكلون الرأي العام ويعكسون سياسات الكيان إما ترويجا أو توجيها سياسيا وفكريا، يكشفون عن ذهنية فاشية ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته كما تنص أساطير كتابهم أي أنه ”لا رحمة بالطفل لأنه سيكبر ويقتل، والتوراة تقول: امح أي ذاكرة تماماً، أي الرجال والنساء والأطفال، امحهم جميعا”.
فمفردات التدمير هي القاسم المشترك وهي لا تقتصر على المقاومة وإنما تطال الشعب الفلسطيني الذي يجب إعادة تدجينه وفرض الوصاية عليه كي ينسي أن فلسطين محتله ، لكن هناك من يشكك في نجاح العملية، في حين يعتقد البعض أن العملية ستكون مدخلا لهندسة شرق أوسط جديد بمواصفات صهيونية أمريكية بعد القضاء على ما يسمونه محور الشر.
وربما أكثر العناوين تعبيرا عن السلوك العريزي النازي للصهاينة هو عنوان مقال الصهيوني مئير بن شباط ” لا بديل عن إبادة غزة” في صحيفة إسرائيل اليوم 21/10/2023 الذي يَعد بنقل حرب الإبادة ضد داعش في الموصل التي نتج عنها وفق تقدير الولايات المتحدة أن أكثر من 80 في المئة من مساحة المدينة، أصبحت غير مناسبة لسكن البشر. وكذلك ما جرى في مدينة الرقة السورية، وهو يستعدى الجيش الصهيوني على السكان المدنيين بقوله” حان الوقت لنودع الأسطورة التي تقول، “السكان في غزة هم ضحية (حماس) التي فرضت نفسها عليهم”.
فيما يشكك عوفر شيلح في نجاح العملية البرية في تحقيق هدف القضاء على المقاومة، فكتب في صحيفة معاريف “لن تنجح العملية البرية في القضاء على “حماس” فيقول من المحظور أن نحمل العملية البرية جبلاً من التوقعات، التي ستؤدي بالضرورة إلى خيبة أمل عندما سنحقق “فقط” ضربة قوية للأشخاص والبنى التحتية. خيبة أمل ستهز أكثر الثقة بقدرة الجيش. وأنه من المحظور كذلك الحديث عن حرب ستمتد أشهراً .
وكتب تسفي برئيل في صحيفة هآرتس “لا يمكن تحقيق الهدفين: تحرير المخطوفين أو تدمير “حماس” فيقول يوجد ازدواجية عمليات، إما تحريرهم أو تدمير “حماس”. هذا هو الثمن ولا يجب أن تكون هناك أي معضلة. إذا كان يمكن ضمان إطلاق سراح المخطوفين فيجب فعل ذلك على الفور. لأن سيناريو التدمير ربما يكون مثيرا، لكنه لا يمكن أن يوفر العزاء”. ومحل خشيته هو أن “الجنود الذين سيدخلون إلى غزة لا يمكنهم العودة إلى البيت عند استكمال المهمة”.
ويحذر الكاتب من العواقب فيقول “حتى لو تم احتلال غزة من جديد وتم الوفاء بالوعد واستكمال الانتقام، و”حماس” ربما ستختفي من غزة – إلا أنها ستبقى مع قيادات وزعماء وبنى تحتية وسلاح كثير وقدرات بجانب إسرائيل، مثلما في لبنان وسورية. ستستمر الحرب ضد “حماس”، ولكن المخطوفين لن يكونوا قادرين على مشاهدتها. يمكن أن يكونوا الضحية الرهيبة للرغبة في الثأر.
ويرسم ملامح المشهد الذي سيلحق الجنود الصهاينة بالتساؤل كم من الجنود سيقتلون؟ كم منهم سيصابون؟ كم منهم سيبقون معاقين؟ كم من العائلات الثكلى ستنضم إلى القائمة البائسة التي حفرت بالدم في 7 تشرين الأول؟ وماذا بشأن المخطوفين، كم منهم سيبقون على قيد الحياة أثناء الهجوم؟ ليضيف “غزة ستبقى مع إسرائيل، هذا هو الواقع وهو ليس مجرد سيناريو”.
فيما لم يقف غابي سيبوني كوفي ميخائيل عند إعادة هندسة إقليم الشرق الأوسط بل ذهب إلى ما هو أبعد، إلى هندسة العالم كذلك فكتب في صحيفة معاريف تحت عنوان “يجب أن تعيد حرب غزة هندسة الإقليم والعالم فقال..” إن نتائج الحرب في غزة ستؤثر في الإقليم، وهو ما سيؤثر، بدوره، في الساحة الدولية. ويشطح بعيدا عندما يكتب إن ما نراه أمامنا الآن، هو فرصة تاريخية لإعادة صوغ الشرق الأوسط بصورة تحسّن المكانة الاستراتيجية لإسرائيل. ويضيف يجب أن تنتهي حرب غزة بإنجاز جليّ وواضح، لا يؤدي إلى إضعاف المحور الإيراني وردعه فحسب، بل أيضاً أن يشكل مدخلاً إلى المرحلة المقبلة، المتمثلة في نزع سلاح “حزب الله”، بصفته الجبهة المتقدمة الأهم.
ويرى الكاتب أن الكيان ” يخوض حرب العالم الحر ضد “الهمجية القاتلة”. بل إن الكيان الصهيوني النازي تحول حسب زعمه إلى المعقل الأخير، والسدّ الأخير، في وجه ما سماها اجتياح “البرابرة” قلب الحضارة الغربية”.
ويتابع ينبغي لحرب غزة أن تتحول آلة هدم تحفر في أسس النظام القائم، وتقوّضه، وهو ما يؤدي إلى إقامة نظام إقليمي جديد. وسينعكس ذلك في هندسة إقليمية جديدة، تستند إلى عمليات التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. هذا المعسكر الإقليمي الجديد، المدعوم أميركياً، يجب أن يتحول إلى السور المكين والواقي في وجه انتشار محور المقاومة الإيراني، لا بل إضعافه.
لكن تسفي برئيل في صحيفة هآرتس الذي كتب تحت عنوان “لا يمكن تحقيق الهدفين” يكشف عن خشية أمريكية من أن حرب إسرائيل في غزة والتوتر مع “حزب الله” سيؤديان في نهاية الأمر إلى مواجهة متعددة الساحات هم أيضا سيكونون فيها تحت الهجوم.
إن قراءة صحافة العدو تكشف حالة الصدمة لدى هذه الشريحة، وأن استمرار وجود هذا الكيان رهن بالدعم الأمريكي والأوروبي، وربما الصهاينة العرب والمسلمين بعد أن كشفت عملية طوفان الأقصى هشاشة هذا الكيان.