“طفل تولو” و”إرهاب يوجيل”.. كتابان يفضحان نظام أردوغان في 2019
لم تمض عمليات اعتقال الصحفيين والمواطنين الألمان مرور الكرام، فبخلاف الأزمات الدبلوماسية بين برلين وأنقرة، وتحذيرات السفر لتركيا التي أصدرتها الخارجية الألمانية الأشهر الماضية، صدر كتابان خلال 2019 سلطا الضوء على انتهاكات النظام التركي، وفضحا أساليبه غير الديمقراطية.
الأول صدر في أبريل/نيسان، عندما نشرت الصحفية والمترجمة الألمانية ميسال تولو كتابا عن تجربة اعتقالها في سجن تركي، وكتبت في مقدمته إنها “تريد أن تشعل جذوة الأمل في نفوس كل الذين يواجهون النظام التركي ويكافحون من أجل الديمقراطية والحرية في تركيا”.
وفي كتابها المعنون بـ”طفلي بقي معي”، والمكون من 187 صفحة من القطع المتوسط، سردت تولو قصة احتجازها رفقة ابنها الصغير في سجون النظام التركي بتهمة الإرهاب، وعرضت وحشية الشرطة والقضاء وحياتها اليومية وتأرجحها بين اليأس والأمل، والصراع الذي عاشته بين حرية وأمن عائلتها والتزامها بحرية الصحافة.
واعتقلت السلطات التركية تولو، وهي كاتبة وصحفية ومترجمة، في أبريل/نيسان 2017 بتهمة الترويج للإرهاب؛ إذ دخل عدد من الرجال الشرطة الملثمين شقتها في إسطنبول بعد 3 أسابيع فقط من اعتقال زوجها، واعتقلوها رفقة ابنها سركان (عامان)، وفق ما ذكرت الصحفية في كتابها.
ونجحت ضغوط برلين في دفع أنقرة للإفراج عنها بعد 8 أشهر من الاعتقال، وإعادتها للأراضي الألمانية في أغسطس/آب ٢٠١٨، لكنها ما زالت تحاكم غيابيا أمام القضاء التركي.
تقول تولو عن ليلة اعتقالها: “كانت تجربة صادمة؛ انتزعوني من سريري وكان علي أن أترك طفلي وأذهب معهم”. وتضيف: “كان علي تسليم طفلي لجارنا، يعقوب، مرتديا ملابس المنزل وبدون حذاء”.
وتحدثت تولو في كتابها عن “استعداد الشرطة الدائم لاستخدام العنف ضد السجناء، ولجوئها للإضراب عن الطعام ضد سوء المعاملة”، ولفتت لانضمام طفلها لها ومكوثه معها في سجن النساء سيئ السمعة بإسطنبول.
وتحكي الصحفية الألمانية في كتابها: “كان طفلي دائما يجذبني من يدي ويقول لي: لماذا نحن هنا؟ أريد العودة للمنزل”. وتضيف: “كان اليأس في ذروته، ولم أكن أملك ردا على طفل صغير لم يتعود على الحياة المقيدة”.
لم يتوقف الأمر عند سرد معاناتها رفقة طفلها في السجن، إذ تحدثت تولو في كتابها عن انتهاكات حقوق الإنسان وتسيس القضاء في تركيا.
وكتبت تولو: “اعتقال الصحفيين والمعارضين يُظهر بوضوح أن تركيا ليست دولة دستورية، ولا تحمي كرامة أو سلامة زوارها”.
وتضيف: “تختلف الديكتاتوريات عن الدول الدستورية، ففي الأولى يمكن اعتقال أي شخص في أي وقت وبأي ذريعة، ولا يستطيع القضاء أن يقرر باستقلالية براءة أو إدانة متهم”.
تولو كتبت أيضا: “بلد يعتقل فيها الزائر والمواطن على حد سواء، ونظامها تتراجع ثقته في نفسه لدرجة أنه يزج بالناس في السجون تحت تهم إهانة الرئيس، لا يمكن معاملتها كدولة دستورية”.
أما دينيس يوجيل، وهو صحفي ألماني من أصل تركي، فعرض في كتابه الصادر في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2019، والمعنون بـ”عميل إرهابي.. قصة عن الحرية والصداقة والديمقراطية والديكتاتورية”، قصة احتجازه لمدة تقارب العام في زنزانة انفرادية في سجن شديد الحراسة قرب إسطنبول، على خلفية تهم تتعلق بـ”الإرهاب والتجسس”.
وفي الكتاب الذي يبلغ عدد صفحاته 387 من القطع المتوسط، كتب يوجيل الذي عمل لسنوات مراسلا لصحيفة “دي فيلت” الألمانية الخاصة في إسطنبول، عن تبني الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قضيته، وإعلانه في خطاب شعبي في ربيع 2017، إنه لن يسلم الصحفي الألماني لبرلين أبدا.
ويوضح الكاتب أن أردوغان لم ينفذ وعيده، واضطر مجبرا لتسليم الصحفي لبرلين بعد الإفراج عنه في فبراير/شباط 2018، عقب أزمة كبيرة بين البلدين وضغوط شديدة من الحكومة الألمانية، لكنه يحاكم غيابيا في أنقرة حتى الآن.
ويروي في كتابه أنه تعرض للضرب والركل والإهانة والتهديد على يد مسؤولين في سجن “سيليفري” شديد الحراسة بالقرب من إسطنبول على مدار 3 أيام في بداية سجنه عام 2017.
ويضيف أن عمليات تعذيبه تمت بأمر مباشر من الرئيس التركي أو مقربين منه، وجاءت نتاجا لحملة التحريض التي شنها ضده وتحت مسؤوليته، متابعا: “نظام أردوغان يعد نموذجا للنظام السياسي الاستبدادي، الذي يصف خصومه دائما بالعملاء والإرهابيين”.
ويكمل: “كل القرارات تصنع على طاولة أردوغان، ولا يفعل رجاله أي شيء بدون موافقته”.
قضية يوجيل تعد أكبر أزمة في العلاقات التركية الألمانية منذ الحرب العالمية الثانية؛ إذ تأسست حملة ضخمة في برلين لدعم الصحفي والمطالبة بالإفراج عنه، ما شكل ضغطا كبيرا على أنقرة خلال فترة سجنه.
ويستهدف نظام أردوغان الألمان على نطاق واسع، فوفق تقديرات إعلامية يوجد 62 مواطنا ألمانيا في السجون التركية، يضاف إليهم 38 آخرين محتجزين في تركيا بوسيلة أخرى، بعدما أصدرت السلطات التركية قرارات بمنع خروجهم من البلاد.