في الأزمة الأوكرانية.. من المعزول روسيا أم أمريكا؟

مساعٍ أمريكية لعزل روسيا عقابا على حربها في أوكرانيا تواجه مقاومة من جانب متردد بالمجتمع الدولي يرفض الانصياع للضغوط الغربية.

فواشنطن سعت بشكل متواصل إلى عقاب موسكو وعزلها دوليا وتشكيل جبهة عالمية في مواجهتها، وذلك منذ اليوم الأول للحرب أواخر فبراير/ شباط الماضي.

ورغم أن الولايات المتحدة وأوروبا على وجه الخصوص كانت قد توعدت موسكو في وقت سابق بـ”عقوبات قاسية من جبهة غربية موحدة ضدها”، إلا أن ذلك لم يتحقق بشكل واقعي.

وتساءل تقرير نشرته مؤخرا وكالة الأنباء الفرنسية عن نجاح جهود واشنطن في عزل روسيا دوليا، وذلك بعد أكثر من شهرين على بدء العملية العسكرية للجيش الروسي في أوكرانيا.

وقال التقرير إن “ادعاء الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن موسكو أصبحت أكثر عزلة من أي وقت مضى يشبه تفكير الأمنيات”، إذ واجهت الجهود المبذولة لنبذ موسكو مقاومة من جانب متردد في المجتمع الدولي.

وقالت سيلفي ماتيلي، نائبة مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية، إن “هناك عدد من الدول شديدة الحذر وترفض الانصياع للضغوط الغربية”.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن تيد جالين كاربنتر، باحث الدراسات السياسة العسكرية والخارجية بمعهد كاتو، قوله في تقرير بمجلة “ناشونال انتريست”: “رغم تمرير القرار الذي يدين روسيا إلا أن خريطة التصويت مثلت قلقا لواشنطن في مساعيها لبناء تحالف عالمي حصين لإلحاق أضرار سياسية ومالية بحكومة فلاديمير بوتين”.

وحينها، رفضت 35 دولة إرضاء الولايات المتحدة، وامتنعت عن التصويت، من بينها العراق، وفي ضوء الاعتماد العسكري والاقتصادي الواسع النطاق لبغداد على الولايات المتحدة، كان يُعتقد أن تصويت العراق سيكون مؤيداً للقرار.

وهناك مفاجأة كبيرة أخرى تتمثل في مجموعة الدول الأفريقية الكبيرة التي امتنعت عن التصويت، وبينها أكبر لاعب اقتصادي وسياسي في القارة، جنوب أفريقيا.

كما رفضت الهند، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، التصويت لصالح القرار عبر الامتناع عن التصويت، وعلى خطاها حذت فيتنام التي كان موقفها محبطاً، حيث ترعى واشنطن هانوي منذ سنوات اقتصادياً وأمنياً.

إخفاق

وفي وقت لاحق، أحصت مجلة “الإيكونوميست” البريطانية الدول التي وقفت إلى جانب روسيا وتلك التي بقيت محايدة أثناء تفاقم الوضع في أوكرانيا، معترفة بأن معظم سكان العالم يعيشون في هذه الدول.

وقسم أصحاب التقرير دول العالم إلى موالية لروسيا وأخرى للغرب ومحايدة، وقالت الصحيفة بهذا الشأن إن “حوالي ثلثي سكان العالم يعيشون في دول محايدة أو موالية لروسيا”.

لكن المثير للاهتمام هو أن التطورات الدولية لم تكشف فقط إخفاق الولايات المتحدة في جهودها لعزل روسيا، بل كشفت أيضا مدى هشاشة وتصدع تحالفاتها على المستوى الدولي.

هشاشة التحالفات هذه تنعكس بصورة كبيرة داخل المعسكر الغربي ذاته، فدول حلف شمال الأطلسي (الناتو) منقسمة بشكل واضح فيما يتعلق بالموقف من موسكو، والحال ذاته بين دول الاتحاد الأوروبي.

وقال تقرير للإذاعة الألمانية إن بولندا ودول البلطيق تضغط من أجل إجراءات أكثر صرامة وأسرع بشأن الغاز والنفط، لكن الدول الأكثر اعتمادا على الطاقة الروسية، وفي صدارتها ألمانيا، تطلب مزيدا من الوقت لإيجاد بدائل، ما يثير غضب دول أعضاء أخرى.

أما حظر الغاز فهو القرار الأصعب على أوروبا، بل أعلنت شركات كبرى في دول مثل المجر والنمسا وألمانيا الامتثال للقرار الروسي المتعلق ببيع الغاز بالعملة المحلية “الروبل”.

يضاف إلى ما تقدم الموقف الفرنسي الذي صاغه الرئيس إيمانويل ماكرون ودافع فيه عن تواصل مستمر مع موسكو، وأكد في كلمته قبل يومين في ستراسبورج، أن “السلام في أوكرانيا لن يتم بإذلال روسيا. حلفاء الولايات المتحدة اتفقوا على التضامن معها بما لا يخل من مصالحهم الوطنية”.

خيبة أمل

أما في الشرق الأوسط، فقد سعت واشنطن مرارا لإخفاء خيبة أملها من التواصل والتنسيق المستمر بين المملكة العربية السعودية والرئيس الروسي فيما يتعلق بإمدادات النفط في ظل ارتفاع أسعاره عالميا وتكبد إدارة الرئيس الأمريكية ثمنا سياسيا لذلك قبل أشهر قليلة من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.

وقبل الزيارة الأخيرة التي أجراها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى البيت الأبيض، كشف تقرير لوكالة “بلومبرج” أن بايدن سيسعى لدى الدوحة بشكل شخصي لإقناعها بتوفير الغاز للدول الأوروبية حتى تتمكن أوروبا من إنهاء عقود الغاز وقطع علاقاتها التجارية والاقتصادية مع روسيا.

وبعد أيام من تلك الزيارة، أكدت قطر ودول عديدة من منتجي الغاز في الشرق الأوسط أنهم لن يتمكنوا من تعويض أوروبا عن الغاز الروسي.

وفي آسيا، حيث سعت إدارة بايدن لبناء تحالفات قوية ضد الصين، وكان الشريك الأساسي في ذلك هو الهند، أوضح شيفشانكار مينون، مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج، أنه “بالنسبة لنيودلهي، شكلت الحرب خيارًا صارخًا وغير مرحب به بين الغرب وروسيا، وهو خيار فعلت كل ما في وسعها لتجنب القيام به”.

وكتب في مقال نُشر مطلع أبريل/ نيسان الماضي بعنوان: “فانتازيا العالم الحر: هل الديمقراطيات متحدة حقا ضد روسيا؟”.

فيما أوضح تقرير لـ”فويس اوف امريكا” بعنوان “تحطم الشراكة الأمريكية في منطقة الهند والمحيط الهادئ بسبب أزمة أوكرانيا”، أن نيودلهي تعتمد بشكل كبير على مشتريات الدفاع الروسية.

ولم تكتف نيودلهي بتجاهل مطالب واشنطن بوقف علاقاتها المتنامية مع روسيا، بل اتفقت مع موسكو على آلية للتبادل التجاري بالعملات المحلية، هذا فضلا عن العلاقات الدفاعية القوية بين البلدين.

وتصدرت الهند ترتيب الدول المستوردة للسلاح الروسي في السنوات الماضية إذ أن 70% من الأسلحة التي استوردتها نيودلهي خلال هذه الفترة كانت روسية، وفقا لدراسة صادرة عن المركز الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم.

وفي أبعاد أخرى لفشل مساعي عزل موسكو، تكثف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) المناقشات، منذ شهرين، لنقل اجتماع لجنة التراث العالمي الذي كان من المقرر عقده بروسيا في يونيو/ حزيران المقبل، لكنها أسفرت عن نتائج محدودة: الإعلان عن تأجيل غير محدد حتى الآن مع عدم وجود ضمان لمنع روسيا من استضافة الاجتماع بمجرد انتهاء الحرب.

كما جرت محاولة مماثلة مع مجموعة العشرين للاقتصادات الكبرى، حيث تم حث الرئاسة الإندونيسية على استبعاد موسكو من المنتدى، لكنها رفضت في النهاية القيام بذلك باسم الحياد.

كما أن الافتقار إلى الآثار قصيرة المدى للعقوبات الاقتصادية لا يساعد الغرب في إقناع الدول المترددة أيضًا، وقالت جودي ديمبسي المحللة في مركز أبحاث كارنيجي يوروب: “نعم العقوبات قاسية لكنها لا تمنع بوتين من توسيع حصاره لماريوبول .. أو قصف مدن أخرى.”

وقالت ماتيلي: “إذا كان الهدف هو التأثير على بوتين حتى ينسحب من أوكرانيا، فيجب أن يقال إن ذلك لم ينجح”، مضيفة أن الرئيس الروسي “قلص بالتأكيد من طموحاته، ولكن ليس استجابة للعقوبات بقدر ما كان ذلك بسبب تصميم القوات الأوكرانية على الأرض”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى