“قبائل الأردن تململ من القصر”.. واشنطن بوست: الغضب يستعر وقد ينفجر بأي لحظة
إذ أدَّت سنوات من الأزمة الاقتصادية إلى تآكل رابطة المحسوبية مقابل الولاء التاريخي بين الملك والقبائل الأردنية، وهي حجر الأساس لحكم الأسرة الهاشمية الذي دام عقوداً.
القبائل الأردنية.. غضب يستعر تحت السطح قد ينفجر في أي لحظة
تقول الصحيفة الأمريكية، إنه ربما كان ذلك عاملاً أساسياً في المؤامرة التي يُزعَم أنَّ الأخ غير الشقيق للملك عبدالله الثاني، الأمير حمزة، دبَّرها لمحاولة تولي العرش، الذي كان سابقاً في صف الخلافة عليه. وأُسكت الأمير، ويُحاكَم شركاؤه المزعومون خلف أبواب مغلقة.
لكن حتى بعض المُطَّلعين على شؤون الحكومة يخشون من أنَّ الغضب الذي يستعر تحت السطح قد ينفجر في أي لحظة، وهو تحذير لا بد أن يثير قلق الحلفاء الغربيين للمملكة، كما تقول واشنطن بوست.
ويقول صايل المجالي، رئيس مجلس إدارة محافظة الكرك، للصحيفة: “أخشى مما ينتظرنا بسبب الوضع المعيشي المأساوي، وأنَّ الناس لن يتحملوه بعد الآن، وسينفجرون”.
وفي أحدث الإحصاءات، بلغ معدل البطالة بالبلاد نحو 40%. يقول المجالي، وهو عميد متقاعد من الجيش وأحد أبرز وجهاء القبائل في محافظة الكرك، جنوبي الأردن: “أخشى فقدان السيطرة على الأمور الأمنية إذا لم تُحلّ هذه المشكلات”.
تقول الصحيفة الأمريكية، إن “الأمل نادر” في المناطق الريفية بالأردن والبلدات الصغيرة، موطن القبائل البدوية شرقي نهر الأردن. وفي مدينة الكرك، إحدى مدن الجنوب المهملة، كانت المتاجر والشوارع في وسط المدينة مهجورة إلى حد كبير خلال زيارة الصحيفة لها. وعامل الجذب الرئيسي في الكرك قلعة يعود تاريخ إنشائها إلى عصر المؤابيين، لكن جائحة فيروس كورونا المستجد أوقفت السياحة.
“ليس لديَّ أي شيء”
وحتى قبل الوباء، لم تكن هناك وظائف كافية لقوى عاملة شابة سريعة النمو. وأصبحت حياة كثير من الشباب الأردني مُعلَّقة لأنهم لا يستطيعون اتباع المسار التقليدي للعمل والزواج والأطفال.
جمع مصطفى الشمايلة، من سكان الكرك، شهادات أكاديمية على مدى العقد الماضي، على أمل العثور على وظيفة. لكنه يبلغ من العمر الآن 30 عاماً، ولا يزال عاطلاً عن العمل ويعيش مع والديه، على الرغم من حصوله على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة من الدرجة الأولى بالهند.
وقال الشمايلة، الذي يسلِّم الطعام على دراجة نارية مقابل مصروف جيبه لتخفيف العبء عن والده البالغ من العمر 70 عاماً: “لا أستطيع أن أعيش الحياة. إذا كنت أريد الزواج الآن، فكيف؟! ليس لديَّ أي شيء”. ويواصل مصطفى البحثَ عن عمل في مجاله على الرغم من أنَّ الوظائف النادرة تزداد فرص الحصول عليها من خلال العلاقات الشخصية، أو “الواسطة” التي يقول إنه لا يملكها.
ويستذكر والده علي، سائق سيارة إسعاف متقاعد، عندما كانت الرعاية الملكية توفر شبكة أمان. وكانت تتوافر لقبائل الأردن وظائف في قوات الأمن والخدمة المدنية. ومُنِحوا الأفضلية في تلك القطاعات على الأردنيين من أصل فلسطيني، وهم أيضاً شريحة كبيرة من السكان، لكن يُنظَر إليهم على أنهم أقل ولاءً للنظام الملكي، بحسب وصف الصحيفة.
“الحكومة لا تملك المال، البلد بأكمله لا يملك المال”
وفي هذا السياق، علَّق المُحلِّل الأردني لبيب القمحاوي: “ليس الأمر أنَّ الملك لا يريد منحهم (وظائف) الآن؛ بل ليس لديه المال لفعل ذلك. الحكومة لا تملك المال، البلد بأكمله لا يملك المال”.
وجعل الوباء الوضع أسوأ. بحسب الإحصائيات الرسمية، ارتفعت البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وينزلق مزيد من الأردنيين إلى خط الفقر، ومن المتوقع أن يتجاوز الرقم ربع السكان قريباً، ارتفاعاً من 15.7% قبل ثلاث سنوات، بحسب الأرقام الرسمية. وقال البنك الدولي إنَّ الاقتصاد الأردني انكمش العام الماضي، للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود.
من جانبه، قال وزير الإعلام السابق محمد المومني، إنَّ “الأمير حمزة حاول استغلال الألم الاقتصادي”، متهماً إياه بـ”التنسيق الشرير” مع شركائه المزعومين. وأضاف: “إنها ليست محاولة لمساعدة البلاد، بل محاولة لزعزعة استقرار البلاد”.
وتجاهل المومني التلميحات بأنَّ الانكماش الاقتصادي أدى إلى تآكل الرابطة التاريخية بين الملك والقبائل. وقال إنَّ القبائل قد تختلف مع بعض سياسات الحكومة، لكن “في نهاية المطاف، يقفون إلى جانب الدولة والملك”.
وفي محاولة واضحة للحد من الأضرار الناجمة عن الأزمة الملكية، عيَّن الملك لجنة من 92 عضواً؛ لتقديم خطة للإصلاح السياسي بحلول أكتوبر/تشرين الأول. وأعرب المومني، العضو في اللجنة، عن توقعه تحقيق نتائج ملموسة، لأنَّ هناك موعداً نهائياً صارماً ولأنَّ الملك يترأس عملية الإطلاق؛ لتأكيد أهميتها.
القبائل الأردنية: لصبرنا حدود
ومع ذلك، لم تلقَ دعوات فتح النظام السياسي رداً إلى حد كبير خلال العقد الماضي، وسط مخاوف النظام من أنَّ الإصلاح الانتخابي الكبير يمكنه تعزيز جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة المعارضة المنظمة الوحيدة في المملكة.
واستهجن عاطف المجالي اللجنة، معتبراً إياها بادرة جوفاء. وقال إنَّ الدعوات إلى الإصلاح لم تُسمَع، مضيفاً أنَّ العشائر لا تطالب فقط بصفقة أفضل لأنفسها، بل لجميع الأردنيين.
ولا تزال القبائل مستاءة من اعتقال اثنين من كبار مساعدي حمزة، من بينهم ياسر المجالي مساعد حمزة. في ذلك الوقت، وبجانب وضع الأمير قيد الإقامة الجبرية، اعتُقل أكثر من 12 من الشخصيات والمسؤولين القبليين البارزين.
وأُفرِج عن جميع المعتقلين بعد ثلاثة أسابيع، لكن أعضاء المجالس اعترضوا على اقتحام قوات الأمن للمنازل، قائلين إنها إهانة وإنَّ دعوة مركز الشرطة المحلي كانت كافية. ولم يُسمَح لياسر المجالي وأعضاء آخرين من موظفي حمزة بالعودة إلى العمل، ولم يُسمَع أي شيء عن الأمير في العلن.
وأعرب عاطف المجالي مثل غيره، عن إحباطه من أصحاب القرار، قائلاً إنَّ زعماء العشائر يتعرضون للتجاهل رغم نفوذهم التقليدي. وقال لـ”واشنطن بوست” في النهاية: “أصواتنا عالية، لكن لا أحد يسمعنا. نحاول التحلي بالصبر، لكن في النهاية، للصبر حدود”.