قبعات التباعد الصينية.. استخدمت لمنع التهامس واليوم قد تنقذ الطلاب من الكورونا
بينما يعود الأطفال في الصين إلى مدارسهم بعد تخفيف إجراءات إغلاق وباء كورونا، عادت معهم قبعات التباعد الصينية التاريخية، التي ترجع إلى زمن أسرة سونغ الحاكمة، لتصبح موضة منتشرة بعدما كانت جزءاً من الفلكلور عمره آلاف السنين.
وفي إحدى المدارس الابتدائية في هانغتشو، ارتدى التلاميذ أغطية رأس مشغولة يدوياً صُنعت بواسطة الورق المقوى والبالونات ومهارات يدوية أخرى، وتحظى بأذرع بارزة على جانبيها تمتد لمتر واحد.
وذكرت صحيفة South China Morning Post المحلية بعد ذلك، أن قبعات التباعد الصينية الغريبة كانت تهدف إلى المساعدة في التكيف مع تدابير التباعد الاجتماعي، وقد صُممت على غرار القبعات التي كان يرتديها زعماء الصين في يوم من الأيام.
وانتشرت صور الطلاب على شبكة الإنترنت، كما عادت أسطورة أخرى للانتشار: وهي أن تلك القبعات صُمّمت على هذا النحو لإبعاد المسؤولين بعضهم عن بعض، والحيلولة دون تمكنهم من التهامس فيما بينهم والتآمر بما لا يرضى عنه الحاكم.
هل استُخدمت قبعات التباعد الصينية لمنع التآمر؟
ومع ذلك، ينفي البحث في تاريخ الفن والدراسات الآسيوية وظيفة هذه القبعات بـ”التباعد الاجتماعي” تاريخياً، بل وفقاً للأستاذ المساعد في كلية فاسار الأمريكية جين شو، يستند هذا الاقتراح إلى “ظنون لا أساس لها”.
وقال لمجلة Atlas Obscura الأمريكية، إن “العلماء المعاصرين يُرجعون أصل هذه الشائعة إلى عالم صيني من القرن الثالث عشر، معروف بضعفه من الناحية العلمية”.
كان غطاء الرأس الأصلي مصنوعاً من قماش أسود قاتم وكان يطلق عليه “فوتو” futou، أو بالتحديد zhanjiao futou—zhanjiao، وهي تعني “نشر الأقدام والأجنحة”.
كانت قبعة “فوتو” المبكرة عبارة عن قطعة قماش بسيطة تُلف حول الرأس، ثم يغلفها مرتدوها بالخشب أو الحرير أو العشب أو الجلد، وفقاً للباحثة مي هوا، وهي متخصصة في الملابس الصينية.
قبعات فوتو تعكس الحالة الاجتماعية
وفي عهد أسرة تانغ (618-907)، مع اكتساب قبعات فوتو تدريجياً لهيئة أكثر ملاءمة، بدأ المسؤولون في تبنيها واستعمالها، وأضافوا إليها جناحين طويلين مصنوعين من أشرطة متينة.
أصبحت قبعات فوتو إكسسواراً (أداة زينة) شائعة خلال عصر أسرة سونغ (960-1279)، وإن بات معظمها من دون إضافات مرهقة لمرتديها.
وأصبح الناس من جميع الطبقات يرتدون هذه القبعات، وشملت خمسة أنماط ارتداها الأفراد على اختلافهم، وفقاً لوضعهم الاجتماعي أو باختلاف المناسبات، حسبما يورد ليو فوشينغ في كتابه “تاريخ اجتماعي للصين في العصور الوسطى” A Social History of Medieval China.
ارتدى بعض المحاربين “فوتو ببروز منحنٍ” أو “فوتو ببروز على هيئة زهرة مع انحناءة للخلف” أو “فوتو ببروز متقاطع”.
كما اعتاد عازفو الآلات الموسيقية في الفرقة الموسيقية الإمبراطورية ارتداءَ “فوتو ببروزين شديدي الطول”، وفقاً لكتاب فوشينغ.
وفي بعض المناسبات الخاصة، مثل احتفالات العمر الطويل التي كانت تقام للعائلة المالكة أو الولائم في البلاط الإمبراطوري، كان المسؤولون يعلقون الزهور على القبعة، وكانت هناك قبعات فوتو لامعة ومموجة ارتديت في الجنازات.
وتشير هيئة الأجنحة البارزة من القبعات إلى مرتبة مرتديها، فالقبعات ذات البروز الأطول كانت تُخصص للإمبراطور ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى.
أمّا يو يان، العالم البائس الذي كان أول من تكهن بوظيفة “تباعد اجتماعي” ما لتلك القبعات، فقد قدم ادعاءه المشكوك فيه في كتابه المؤلف من أربعة مجلدات، The Pedantic Remarks of the Confucians، أن الغرض من قبعات فوتو هو “ربما لمنع التهامس [بين المسؤولين] وبعضهم في أثناء وجودهم في حضرة الإمبراطور”.
ومن المحتمل أن تكون القبعة التي وصفها يو يان كان تصنع من نسيج عادي أو مطلي، بشرائط ممتدة تُدعّم بأسلاك حديدية أو شرائط من الخيزران.
جزء من الزي الفلكلوري
وتذكر ألكسندرا بوندز، أستاذة تصميم الأزياء بجامعة أوريغون، في كتابها Beijing Opera Costumes: The Visual Communication of Character and Culture، أن أحد الطرز المميزة لتلك الأجنحة البارزة من قبعات التباعد الصينية كانت دائرية ضيقة وطويلة بدرجة كبيرة، يصل “امتدادها إلى نحو قدمين [قرابة المتر] من جانبي رأس مرتديها”.
ظهرت اختلافات أخرى في قبعات فوتو خلال عصر أسرة مينغ (1368-1644)، لكن أغطية الرأس الجديدة دخلت إلى المحاكم بعد سيطرة شعب المانشو على الحكم في البلاد وتأسيس أسرة تشينغ (1644-1912).
ومنذ ذلك الوقت، كانت القبعات تعاود الظهور في اللوحات والأزياء المسرحية، ولا يزال من الممكن العثور على إصدارات مختلفة منها على خشبة المسرح خلال عروض أوبرا بكين.
وقالت أستاذة تصميم الأزيا بوندز، إن “بروزات القبعات كثيراً ما تكون مثبتة على زنبرك، بحيث يمكن للممثل أن يجعلها تطول وتقصر كأداة لتعبيراته على المسرح. وفي بعض الأحيان يكون كل طراز ممثلاً لرتبة معينة أو سمات معينة في الشخص الذي يرتدي القبعة”.
يصبح وسيلة لتباعد الطلاب
وعلى النحو ذاته، فإن قبعات الطلاب في هانغتشو المصنوعة والمزخرفة على نحو فردي، تشكل تعبيرات مماثلة عن شخصية أصحابها وأناقتهم.
وتقول بوندز إنها مسرورة باتجاه التلاميذ إلى إعادة استخدام شيء كهذا من تراثهم الثقافي. وهي ترى أنه “سواء أكانت تلك القبعات تهدف في أصلها إلى منع التهامس بين الحراس أو تآمرهم على الحكام أم لا، فمن المؤكد أنها كانت بالفعل ستحول دون إجراء أي محادثة خاصة”.
ومن ثم فهي يمكن أن تخدم الغرض نفسه اليوم، عن طريق تنبيه الطلاب إلى ضرورة الحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي فيما بينهم، وأيضاً تعليمهم شيئاً من تاريخهم، ومنحهم الفرصة لإبداع عمل فني، على حد تعبيرها.