كيف سرق اللصوص فتاة بانكسي الحزينة؟
بعد أكثر من عام ونصف العام، أمكن حل لغز سرقة عمل فنّي لرسّام الشارع البريطاني بانكسي من مسرح “باتاكلان” الباريسي، وإعادة هذه القطعة من إيطاليا إلى فرنسا.
وتم حل اللغز بفضل منشار كهربائي دائري مسروق وتسجيلات كاميرات المراقبة وعمليات تنصّت هاتفي، إضافة إلى اعترافات بعض الموقوفين.
وتعود القصة إلى الساعة الرابعة فجراً من ليل 25 إلى 26 يناير/ كانون الثاني 2019، حين عمد 3 رجال يضعون أغطية رأس وأقنعة، إلى قصّ أحد أبواب مسرح باتاكلان.
لكنّ هذا الباب الخلفي لمسرح “باتاكلان” لم يكن ككلّ الأبواب العادية الأخرى، فعليه رسم بانكسي لوحته “ذي ساد يونج غيرل” (الفتاة الحزينة)، تحية للضحايا التسعين الذين سقطوا في قاعة المسرح خلال هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 في العاصمة الفرنسية والتي أسفرت في محصلتها الإجمالية عن 130 قتيلاً.
لم تدم عملية اقتطاع الباب سوى بضع دقائق، ثم حمّله اللصوص الثلاثة في شاحنة صغيرة “غطّوا لوحة تسجيلها”، بحسب ما أظهرته أشرطة كاميرات المراقبة التي جمعها عناصر الشرطة.
وشرح مصدر مطّلع على الملف لوكالة الأنباء الفرنسية مسار التحقيق في القضية.
وأوضح أن العمل تركّز على تتبع بيانات حركة الاتصالات الهاتفية، مما مكّن المحققين من تحديد أرقام الهواتف التي كانت موجودة في المسرح ثم على المسار الذي اتبعته الشاحنة الصغيرة، وقد أتاحت كاميرات المراقبة رسمه، ووُضعت هذه الأرقام تحت التنصّت.
بعد نحو عام، أوقف عناصر الشرطة 3 رجال يشتبه في ارتكابهم عملية سرقة في متجر للأدوات الحرفية في منطقة إيزير، حصلت قبل أيام من سرقة باتاكلان، وبين المسروقات منشار كهربائي دائري، وتباهى أحد الموقوفين بأنه شارك في عملية سطو في باريس.
وقاد ذلك إلى إقامة رابط بين هؤلاء الموقوفين وبين سرقة “الفتاة الحزينة”.
وأدّت عملية تنصت ومراقبة إلى تحديد 3 أشخاص تسلّموا المسروقات من اللصوص.
وهكذا، اكتشف المحققون أن قطعة بانكسي الفنية انتقلت إلى إيزير، ومنها إلى جنوب فرنسا ثم إلى إيطاليا.
إعادة البيع صعبة
وفي إيطاليا، أودع الباب المسروق فندقاً بمدينة تورتوريتو في منطقة أبروتسو (وسط إيطاليا).
ونظراً إلى أن هذا الفندق كان يشهد أشغالاً، نُقلت القطعة الفنية إلى مزرعة في سانتوميرو، على بعد نحو 15 كيلومتراً.
وقال مالك الفندق، وهو صديق أحد متسلمي العمل المفترضين ويدعى مهدي مفتاح، إنه لم يكن يعرف محتوى ما كان مخزّناً لديه.
وعندها قرر المحققون استجواب كل أفراد العصابة، لكنّ العملية جمّدت بسبب تدابير الحجر لمواجهة جائحة “كوفيد- 10″، على ما شرح المصدر القريب من التحقيق.
وفي 10 يونيو/حزيران، استعيدت اللوحة في أبروتسو خلال عملية مشتركة مع الشرطة الإيطالية.
وكان من شأن التغطية الإعلامية الواسعة التي حظيت بها عملية ضبط قطعة بانكسي أن سرّعت الاستجوابات، مما أثمر توقيف 9 أشخاص في الأيام التالية في فرنسا.
ووجه الاتهام إلى اثنين من الموقوفين بتهمة السرقة ضمن عصابة منظمة، في حين وجهت إلى 4 آخرين تهمة تسلّم مسروقات ضمن عصابة منظّمة، بينهم مهدي مفتاح.
ويشتبه بأن هذا الرجل البالغ التاسعة والثلاثين هو الذي يقف وراء هذه السرقة، وهو الذي كلّف اللصوص بتنفيذها.
لكنّ شركائه في العملية قالوا إنه كان يعتزم “الاحتفاظ بالباب لاستخدامه في أحد منازله”، بحسب المصدر القريب من التحقيق والذي يشير إلى أن “من الصعب إعادة بيع” هذا النوع من الأعمال.
ونفى وكيل مفتاح المحامي إيف سوفاير في حديث إلى صحيفة “لو جورنال دو ديمانش” الأسبوعية أن يكون موكله مدبّر العملية.
وقال إنه “وُضع أمام الأمر الواقع، وقَبِل بهذا الباب لمساعدة أصدقائه القدامى لكنه لم يدفع أي مبلغ مالي لقاءه”.
تجدر الإشارة إلى أن باب “الفتاة الحزينة” الذي أعادته السلطات الإيطالية إلى فرنسا، ختم بالشمع الأحمر ووضع تحت المراقبة الشديدة في مقر الشرطة القضائية في باريس.