كيف منعت سفينة متهالكة كوريا الجنوبية من أن تصبح إقليماً تابعاً للزعيم الكوري الشمالي كيم جون أونغ؟
تقرير لمجلة The National Interest الأمريكي عرض لقصة السفينة الأمريكية التي أنقذت كوريا الجنوبية في الحرب بين الكوريتين، والتي توصف بأنها واحدة من أعلى الأسلحة فاعلية، قياساً إلى تكلفتها، في تاريخ الحروب البحرية.
وبدأت الحرب بين كوريا الجنوبية وجارتها الشمالية في الخامس والعشرين من يونيو/حزيران عام 1950، عندما أشعل الاعتداء المباغت الذي شنته كوريا الشمالية على شقيقتها الجنوبية فتيل صراع دام بين الشيوعيين والرأسماليين للسيطرة على شبه الجزيرة الكورية، وقد خلفت الحرب الكورية التي دارت رحاها بين عامي 1950 و1953 ملايين القتلى، وقًسمت الكوريتان على نحوٍ دائم.
الكوريون الشماليون يتقدمون بسرعة نحو الجنوب، وأمريكا تهرع لإنقاذه
بعد أيام من تدفق مئات الآلاف من جنود كوريا الشمالية عبر خط العرض 38 في كوريا الجنوبية، اشتعلت الحرب بين الكوريتين، وأصدر الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، توجيهات إلى وزارة الدفاع الأمريكية بالمسارعة لتقديم كل ما يحتاجه الأمر لإنقاذ جمهورية كوريا الجنوبية المحاصرة.
لكن في حين أن القوات الجوية والبحرية كان متاحاً لها التدخل بسرعة من قواعد الولايات المتحدة في اليابان، فإن القوات البرية الأمريكية كانت تحتاج إلى موانئ إذا كان هدفها الإبرار بأعداد ذات مغزى وحشود عسكرية مزودة بالدبابات الثقيلة والمدفعية. مع ذلك، فإن الوتيرة المتسارعة لتقدم القوات الكورية الشمالية جعلت ميناء بوسان الجنوبي الشرقي الخيارَ الوحيد القابل للتطبيق في أسرع وقت.
من البر قادت الدبابات السوفييتية الصنع من طراز “تي 34” الغزو الكوري الشمالي، ومعها دعم من المقاتلات الحربية من طراز “ياك” Yak ومقاتلات الهجوم الأرضي “شتورمافيك” Shturmovik. ومن البحر تسللت القوارب الصغيرة بتوجيه من القوات البحرية لكوريا الشمالية لمباغتة القوات المعادية على طول الساحل الكوري الجنوبي. كان يمكن لأي من تلك العمليات أن تغير مسار الحرب وتحسمها بسهولة.
قصة السفينة التي أنقذت كوريا الجنوبية
قبل شهرين من اندلاع الحرب، كانت البحرية الكورية الجنوبية تسلمت للتو أول سفنها البحرية. المهمة: سفينة مطاردة الغواصات “بايك دوسان” Baekdusan التي يبلغ وزنها 600 طن، وتُعرف أيضاً باسم السفينة “بي سي 701” PC-701.
كانت السفينة في أصلها سفينة من طراز “بي سي 823” تابعة للبحرية الأمريكية خدمت معها لبضع سنوات فقط في الحرب العالمية الثانية قبل إعادة توظيفها لتخدم كسفينة تدريب بحرية تجارية مدنية، وأخيراً خرجت من الخدمة في عام 1948. بعد ذلك، اشتراها بحارة كوريون جنوبيون بتمويل جماعي من “اللجنة المالية المختصة بقطاع بناء السفن” والحكومة في سيول بسعر 60 ألف دولار.
أبحرت السفينة الصغيرة من نيويورك إلى هاواي؛ حيث حصلت على مدفع سطح عيار 3 بوصات، ثم إلى قاعدة غوام البحرية الأمريكية حيث تلقت 100 قذيفة للمدفع المذكور. ووصلت أخيراً إلى قاعدة جينهاي البحرية بالقرب من بوسان قبل شهرين فقط من الحرب في أبريل/نيسان 1950.
يقول بعض الخبراء إن هذا أحد أنسب الاستثمارات وأشدها فاعلية، قياساً إلى تكلفته، في تاريخ الحروب البحرية، حسبما تنقل عنهم المجلة الأمريكية.
سفينة تجارية غامضة تتسلل في جنح الظلام
بدأت الواقعة بدورية بحرية خرجت في وقت متأخر من الليل في 25 و26 يونيو/حزيران، اعترضت السفينة البالغ طولها 52 متراً ويقودها القبطان الكوري الجنوبي، نام تشوي، سفينةً تجارية غامضة تعمل بالبخار وتزن نحو 1000 طن كانت تقترب من مدينة بوسان الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي.
على بعد 32 كيلومتراً فقط من الميناء الحيوي، سلَّطت السفينة الكورية الجنوبية أضواء الكشافات على غريمتها، ليُكتشف أن الأخيرة تحمل على متنها أكثر من 600 جندي من فوج المشاة 766 الكوري الشمالي. فتحت السفينة الكورية الشمالية النار بمدافع رشاشة ثقيلة كانت مثبتة على مؤخرتها، ما أسفر عن مقتل قائد دفة سفينة المطاردة الكورية الجنوبية وإصابة فرد آخر من الطاقم.
ثم بدأت السفينة البخارية- والتي كانت في واقع الأمر سفينة أمريكية سابقة جلبها الشيوعيون الكوريون الجنوبيون للخدمة في البحرية الكورية الوليدة وأخذتها كوريا الشمالية- بالفرار مسرعة في اتجاه الشمال.
في المقابل، انطلقت سفينة المطاردة “بايك دوسان” إلى الأمام وتجاوزت السفينة البخارية بنحو 400 متر، ثم أطلق الطاقم عليها نيران المدفع عيار 3 بوصات- الذي لم يكن قد سبق لهم أن غامروا باستخدامه بسبب افتقارهم إلى الذخيرة- وست بنادق آلية من عيار 0.50 بوصة.
وبحسب ما ورد، فقد بدأ الجنود الكوريون الشماليون في القفز من على ظهر السفينة والسباحة محاولين الوصول إلى متن السفينة “بايك دوسان”، ليتصدى لهم طاقمها بنيران بنادق “غراند إم 1” نصف الآلية.
نجحت القوة النارية المشتركة أخيراً في إغراق السفينة البخارية الكورية الشمالية بالقرب من جزيرة تسوشيما.
كان يمكن أن تمنع المعونة الأمريكية من الوصول للكوريين الجنوبيين
يستمد التصدي أهميته من واقع أنه في الفوضى غير العادية التي كانت تشهدها كوريا الجنوبية في الأيام الأولى من الغزو الكوري الشمالي، كان يمكن لقوة بهذا الحجم أن تسيطر على بوسان، التي لم تكن محصنة بدرجة كبيرة في ذلك الوقت.
مع اشتداد وطأة الحرب، أصبحت بوسان أشهر المعاقل الأخيرة لقوات كوريا الجنوبية وحلفائها من الأمم المتحدة في شبه الجزيرة، ومن ثم احتل هذا الاشتباك المعروف باسم “معركة مضيق كوريا” مكانةً بارزة في تاريخ الحرب بين الكوريتين.