لا يكتفون بحرقها فقط! غضب بين مسلمي سريلانكا من تعامل السلطات مع موتاهم بسبب كورونا
تُصِرُّ السلطات السريلانكية على إحراق جثث ضحايا فيروس كورونا، وهي الممارسة التي يُحرِّمها دين الإسلام، وتقول الأقلية المسلمة في البلاد إنَّ السلطات تستغل الجائحة لإحراق الجثث، مُتجاهلةً المناشدات والحساسية الدينية للتعامل مع جثث المسلمين التي ينبغي دفنها وفق ما ينص عليه الدين.
معاملة سيئة للمسلمين: في الرابع من مايو/أيار 2020، أُدخِلَت إلى المستشفى فاطمة رينوزا، وهي أُم لثلاثة أطفال من الأقلية المسلمة في سريلانكا، وتبلغ من العمر 44 عاماً، وذلك بعد الاشتباه في إصابتها بفيروس كورونا المستجد (كوفيد 19).
قال زوجها محمد شفيق، في تصريح نقلته هيئة الإذاعة البريطانية BBC، الأحد 5 يوليو/تموز 2020: “وصلت الشرطة والجيش إلى جانب مسؤولين إلى عتبة بابنا. وقد طُرِدنا ورشّوا المطهرات في كل مكان. كنا جميعاً خائفين، لكنَّهم لم يخبرونا بأي شيء. وأُجري الفحص حتى لطفل يبلغ من العمر ثلاثة أشهر، واصطحبونا مثل الكلاب إلى مركز الحجر”.
أضاف محمد أنَّ عائلة فاطمة احتُجِزَت طيلة ليلة، لكن أُطلِق سراحها في اليوم التالي، وقيل لهم أن يبقوا في الحجر أسبوعين، كذلك قيل له إنَّه لا يمكن إعادة جثتها إلى العائلة، لأنَّ وفاتها كانت مرتبطة بكوفيد 19.
من جانبها، قالت العائلة إنَّ محمد أُجبِر في المقابل، على التوقيع على أوراق تسمح بإحراق جثتها، حتى رغم اعتبار الشريعة الإسلامية إحراق الجثث انتهاكاً لجسد الإنسان.
الأمر الأكثر إيلاماً كشف عنه والد محمد، وقال: “قيل لابني إن هناك حاجة لانتزاع أجزاء من جسدها؛ لإجراء مزيد من الفحوص. لماذا قد يحتاجون إلى أجزاء من الجسد إن كانت مصابة بكورونا؟!”، ويشعر بأنَّه لم يتم إبلاغ العائلة بما جرى كاملاً.
مضت ستة أسابيع على وفاة زوجة محمد، ولا يزال يعاني لتقبُّل فكرة عدم قدرته على دفن جسدها. وقال: “نحن المسلمين لا نحرق أجساد موتانا”.
تمييز ضد المسلمين: أثارت طريقة التعامل مع جثة فاطمة غضب عائلتها أيضاً، وقالت الأسرة وغيرها من الجالية المسلمة في سريلانكا، إن السلطات تنتهك حقوقهم بإجبارهم على إحراق جثث الضحايا، مع أنَّه يمكن دفن ضحايا كورونا.
يعتبر المسلمون في سريلانكا أنَّ هذه أحدث خطوة ضمن نمطٍ من التمييز تمارسه الغالبية السنهالية من السكان ضدهم، وذلك في وقت قبلت فيه المحكمة العليا بالبلاد عريضة ضد قاعدة إحراق الجثث، وستبدأ جلسات الاستماع في القضية يوم 13 يوليو/تموز.
ويشعر كثير من المسلمين في سريلانكا بأنَّهم يتعرَّضون للشيطنة منذ أبريل/نيسان 2019، حين استهدف إسلاميون مرتبطون بمجموعات محلية مغمورةٍ فنادق وكنائس مهمة بالعاصمة كولومبو وفي شرق البلاد؛ وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من 250 شخصاً في موجة من الهجمات المدمرة.
كما أنه منذ وفاة أول مسلم سريلانكي جراء إصابته بفيروس كورونا في 31 مارس/آذار 2020، تلقي بعض وسائل الإعلام علناً باللوم في انتشار المرض على الجالية المسلمة، مع أنَّ هناك 11 وفاة فقط مُسجَّلة رسمياً في البلاد.
فرق في معاملة المسلمين: في مؤشر آخر على التمييز ضد المسلمين، يقول الابن الأصغر، نوشاد، لأب مسلم توفي نتيجة أعراض تنفسية، إنَّ أحد الجيران من الأغلبية السنهالية توفي في اليوم نفسه.
بعد ذلك طُلِب من نوشاد، الذي لا يستطيع القراءة، التوقيع على بعض الأوراق التي تسمح بإحراق جثة والده، وقال إنَّه لم يكن متأكداً مما سيحدث له إذا لم يُوقِّع، لكنَّه كان يخشى من رد فعل عنيف ضد عائلته والجالية المسلمة في حال رفض التوقيع.
أضاف نوشاد أنَّ العائلة السنهالية عُومِلَت بطريقة مختلفة، وسُمِح لها بتوديع قريبهم في قاعة الجنازة، في حين أخبره طبيب بأنَّه لا يُسمَح له بلمس جثة أبيه. وأوضح أنَّه سُمِح له هو وبضعة أشخاص من أقاربه فقط بحضور مراسم إحراق جثة والده.
الحكومة تدافع عن قرارها: من جانبها تدافع الحكومة عن سياسة حرق الجثث، وضمن ذلك جثث المسلمين، وقال الطبيب سوجاث ساماراويرا، كبير خبراء الأوبئة الحكوميين، لـ BBC، إنَّ “سياسة الحكومة هي إحراق جثث كل مَن يموت، أو يُشتَبَه في أنَّه مات، نتيجة كوفيد 19، لأنَّ الدفن قد يُلوِّث مياه الشرب”، وفق تعبيره.
أضاف ساماراويرا أنَّ الحكومة تتبع النصحية الطبية من الخبراء، وتُطبِّق القاعدة على كل مَن يُشتَبَه في وفاته نتيجة فيروس كورونا، بصرف النظر عن الديانة، وأردف أن “منظمة الصحة العالمية توفر إرشادات للعالم كله. ومسؤوليتنا هي اعتماد وتكييف تلك الإرشادات الملائمة لبلدنا”.
لكنَّ النشطاء وقادة الجالية والسياسيين المسلمين طلبوا من الحكومة السريلانكية إعادة النظر في قرارها، وقال علي زاهر مولانا، الوزير السابق والقيادي البارز لحزب المؤتمر الإسلامي السريلانكي، إنَّ الجالية المسلمة مستعدة للقبول بالقاعدة “إن كانت هناك أدلة أو دعم علمي يثبت أنَّ الدفن خطر على الصحة العامة”. واتهم الحكومة بأنَّها تمارس “أجندة سياسية غامضة”.
وينص الدليل المؤقت الذي نشرته منظمة الصحة العالمية في مارس/آذار 2020، على أنَّ ضحايا فيروس كورونا “يمكن دفنهم أو إحراق جثثهم”، ولم تذكر أي أخطار على المياه الجوفية.