لماذا تنبهت السعودية لخطورة كورونا قبل غيرها، وما حقيقة إصابة 150 من الأسرة المالكة؟
الأرقام بشأن أعداد الإصابات بمرض كورونا في أوساط الأسرة الملكية مبالغ بها، وتجربة السعودية في التصدي لمرض كورونا جاءت أكثر سرعة من الدول المتقدمة، لأن الرياض لديها تجربة قاسية مع مرض مشابه ولكنه أكثر خطورة.
كانت هذه خلاصة تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي، كشف عن سر الحسم والسرعة الشديدين اللذين ميزا تجربة السعودية في التصدي لمرض كورونا.
فقد أصاب مرض كورونا 20 شخصاً من كبار أفراد العائلة المَلَكيَّة السعودية، بمن فيهم أمير الرياض، وفقاً لأميرٍ رفيع الشأن وشخصٍ آخر كان موقع The Daily Beast على اتصالٍ بهم.
وهناك مخاوف واسعة النطاق بين العاملين بالرعاية الصحية وعلماء الأوبئة بأن الجائحة سوف تنتشر عبر القطاعات الأقل حظاً في المجتمع السعودي، بما فيهم عددٌ كبيرٌ من العاملين القادمين من بلدانٍ أخرى.
على مدار الأيام القليلة الماضية، تحرَّكَ وليّ العهد لمحاولة حلِّ بعضٍ من الفوضى، سواء عبر التصدي للمرض أو الاستفادة منه في قمع أيِّ شخصٍ في المملكة يحاول التشكيك في سلطته.
حقيقة إصابة 150 من أفراد العائلة السعودية بفيروس كورونا المستجد
أفادت صحيفة New York Times الأمريكية مؤخراً، تحت عنوان “فيروس كورونا المُستجَد يغزو العرين السعودي”، بأن إحدى أفضل مستشفيات المملكة تستعد لإعطاء الأولوية للأشخاص المُهمين المصابين.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن “ما يصل إلى 150 فرداً من العائلة المَلَكية في المملكة السعودية يُعتَقَد أنهم أُصيبوا بالفيروس، بمن فيهم أفرادٌ من الفروع الأقل شأناً في العائلة، وفقاً لشخصٍ مُقرَّبٍ من العائلة”.
واستطرَدَ التقرير ليفيد بأن أمير الرياض، الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود، كان في العناية المُركَّزة، وأن الملك عَزَلَ نفسه في جزيرةٍ، وأن محمد بن سلمان مُتحصِّنٌ في ضاحيةٍ بمدينة نيوم المُخطَّط افتتاحها مُستقبلاً.
لكن السعوديين الذين تواصَلَ معهم موقع The Daily Beast، بمن فيهم أفرادٌ من العائلة المَلَكية، يشكِّكون في هذه التفاصيل.
يقول أحدهم، مِمَّن لهم صلاتٌ مع العديد من الأمراء السعوديين: “أعرف الكثير من الأفراد الذين أُصيبوا، لكن يبدو أن الرقم في حدِّ ذاته تعسُّفي إلى حدٍّ ما. هذا مُحتَمَلٌ بالفعل، مع الأخذ في الاعتبار أن أفراد العائلة المَلَكية يزيدون عن 15 ألفاً، رغم أنني لست واثقاً من أين أتوا بالرقم على وجه التحديد. ومن المعروف على نطاقٍ واسع أن أمير الرياض أُصيبَ فعلاً”.
وأخبَرَ أحد كبار الأمراء موقع The Daily Beast يوم الجمعة، 10 أبريل/نيسان، أن “عشرين فرداً من العائلة المَلَكية شُخِّصوا بالإصابة بفيروس كورونا المُستجَد، وهم في مدنٍ مختلفة”.
وأوضح “أن مستشفى الملك فيصل التخصُّصي غير محجوزٍ للعائلة، فهو يعالج كافة المواطنين السعوديين. لا أساس لما تداولته صحيفة New York Times في هذا الأمر”. وأضاف أن الملك يمكث في الرياض، و “أمير الرياض قد غادَرَ المستشفى منذ ثلاثة أيام”.
لكن بصرف النظر عن العدد الدقيق للضحايا من العائلة المَلَكية، فلا شك أن الأمير محمد بن سلمان قد أُجبِرَ على التعامل مع تهديد فيروس كورونا المُستجَد على مملكته، وعلى حكمه، على محمَل الجدِّ بشكلٍ كبير، حسب الموقع الأمريكي.
لماذا تحركت السعودية لمواجهة كورونا أسرع من العالم المتقدم؟.. فتش عن ميرس
في إطار حدودها، تحرَّكَت الحكومة السعودية بصورةٍ أسرع من أغلب أنظمة العالم لوضعِ حدٍّ لتفشي المرض، وهناك أسبابٌ وجيهةٌ لذلك.
كان وباءٌ آخر لفيروس كورونا، وهو متلازمة الشرق الأوسط التنفُّسية (ميرس)، قد ظَهَرَ لأولِ مرةٍ في المملكة السعودية في العام 2012، وربما تطوَّر لدى الجِمال، وفقاً للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض واتقائها.
وانتشَرَ الفيروس في نهاية المطاف إلى بلدانٍ أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، لكن على نطاقٍ أقل كثيراً من تفشي كوفيد-19، لأنه كان أكثر فتكاً، وبالتالي أسهل في اكتشافه.
أُبلِغَ عن كافة الحالات، وأحصَت منظمة الصحة العالمية 866 حالة وفاة على مستوى العالم من فيروس ميرس، معظمهم في المملكة السعودية خلال بداية 2012.
وفي الحقيقة، استمرَّ عدد الحالات في الارتفاع، وكان مُعدَّل الوفيات من بين المُصابين في المملكة السعودية يتجاوز الـ37%.
لذا، حين شهد المسؤولون السعوديون ومسؤولو الصحة في العالم فيروس كوفيد-19 في الأفق الآسيوي مطلع العام الجاري، كانوا سريعين في التحرُّك ضده، وقرَّرَ محمد بن سلمان اتِّخاذ إجراءاتٍ جذرية.
وحتى هذه اللحظة، أخبَرَت الحكومة السعودية منظمة الصحة العالمية بأن هناك 3651 حالة مؤكَّدة، و47 حالة وفاة في ما حُدِّدَ أنه “سلاسل من الحالات”، وهو نموذجٌ يشير إلى أن الحالات يمكن احتواؤها أو يجري احتواؤها بالفعل.
الأمر بدأ بإغلاق مناطق شيعية
في إيران، على الجانب المقابل من الخليج، كانت جائحة كوفيد-19 مُستعِرة -لكن لم يكن الإبلاغ عن الحالات يجري بشكلٍ مُوسَّع- قبل تسجيل الحالة الأولى بالمملكة السعودية.
سارَعََ الأمير محمد بن سلمان إلى إلقاء اللوم على السفر إلى إيران، باعتباره مصدراً للمرض. وفي 8 مارس/آذار، بعد تسجيل 11 حالة في محافظة القطيف السعودية، في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية من السُكَّان، حيث يبحث الحُكَّام السعوديون على الدوام عن التآمر الإيراني.
وبعد اكتشاف ذلك، عَزَلَ محمد بن سلمان المحافظة بأسرها.
وذَكَرَت ياسمين فاروق، التي تكتب لمؤسَّسة كارنيغي للسلام الدولي، أن “بياناً رسمياً اتَّهَمَ إيران بـ “المسؤولية المباشرة” عن انتشار الفيروس، بينما اتَّهَمَ مُعلِّقون إعلاميون وعلى الإنترنت أيضاً خصميّ المملكة السعودية الآخرَين؛ قطر وتركيا، بتعمُّد سوء إدارة الأزمة”.
كما أنه أغلق الحرمين الشريفين وتخلص من منافسيه
وعلى عكس أسلافه، وَضَعَ محمد بن سلمان العراقيل أمام المؤسَّسة الدينية شديدة المُحافَظة في البلاد.
ونتيجةً لذلك، كان قادراً على إغلاق الحرم المكي والمسجد النبوي في المدينة، بينما ألغى عمرة رمضان، فيما تَرَكَ الاحتمالية مفتوحة أمام إمكانية السماح لإقامة فريضة الحج.
لكن محمد بن سلمان استفاد أيضاً من انشغال العالم بالجائحة على مدار الشهر الماضي ليتَّخِذ خطوةً ضد أكثر مُنافِسَين مُؤهَّلَين لتحدِّي حكمه، وهما الأمير محمد بن نايف، عمّ وليّ العهد، والأمير أحمد بن عبدالعزيز، شقيق الملك سلمان. أُلقِيَ القبض على كليهما بادِّعاء تخطيطهما لانقلاب.
وهي تهمةٌ يراها الكثير من المُحلِّلين غير قابلة للتصديق. ووفقاً لمجلة The Economist البريطانية، “ليس هناك دليلٌ على أيِّ مؤامرة”.
قنبلة بيولوجية
أما في الحرب على اليمن، يبدو أن هناك تغييراً إيجابياً في المسار.
إذ أعلن مُتحدِّثٌ عسكري سعودي في بيانٍ ألقاه يوم الأربعاء، 8 أبريل/نيسان، أن التحالف الذي تقوده السعودية سوف يوقف إطلاق النار لمدة أسبوعين، بدءاً من الخميس، حتى يتسنَّى لجميع الأطراف “مناقشة المُقتَرَحات والخطوات والآليات لوقف إطلاق النار بشكلٍ مُستدام”، و “من أجل حلٍّ سياسيٍّ شامل في اليمن”.
يأتي هذا بعدما دعا أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الشهر الماضي، لوقفٍ عالمي للأعمال العدائية خلال الحرب على فيروس كورونا المُستجَد. إذ يواجه العالم “عدواً مُشتَرَكاً، ألا وهو كوفيد-19″، وهو لا يبالي بـ “القومية أو العرق أو الفصيل أو العقيدة”، حسبما قال غوتيريش.
ورحَّب غوتيريش بالوقف السعودي لإطلاق النار، قائلاً: “سوف يساعد هذا على التقدُّم بالجهود نحو السلام، وكذلك نحو استجابة البلاد لجائحة كوفيد-19”.
وتمثل هذه الحرب الخطر الأكبر على المملكة.
إذ تمثل تهديداً بيولوجياً يصعُب احتواؤه، فربما من المستحيل السيطرة على مرض كورونا في اليمن. وظهور حالة إصابة واحدة بفيروس كوفيد-19 هناك (يوم السبت 11 أبريل/نيسان) لا يمكن أن يؤخَذ على سبيل المواساة.
ومنذ عام 2018، حدَّدَت الأمم المتحدة اليمن باعتباره مسرحاً لأكبر أزمةٍ إنسانيةٍ على الأرض، حيث يحتاج 80% من السُكَّان إلى المساعدة، ويعاني مئات الآلاف من الأطفال من سوء التغذية، وتتفشَّى الكوليرا التي أصابت أكثر من مليون شخص. ومثل هذه الظروف تجعل من المستحيل أو من الصعب للغاية السيطرة على جائحة كوفيد-19.
إذاً، هل محمد بن سلمان قد تغيَّر حقاً؟ بالطبع لا. لكنه أثبت أنه قادرٌ على التكيُّف مع الظروف المُتغيِّرة التي تفرضها الجائحة العالمية -بينما يستغل هذه الظروف لخدمة أغراضه الخاصة.