لماذا قرر الجمهوريون إنقاذ ترامب مرة أخرى، وهل يمكن منعه من الترشح ثانية؟

بعد اقتحام الكونغرس بدا أن غالبية قادة الحزب الجمهوري قد فاض بهم الكيل، وقرروا التخلص من قيادة دونالد ترامب للحزب والموافقة على محاكمته وإدانته، فما الذي غيّر رأيهم الآن بعد أن بدأت إجراءات محاكمة العزل بالفعل؟

التطور الذي شهدته محاكمة الرئيس السابق ترامب بإرسال مجلس النواب لائحة الاتهام بحقه إلى مجلس الشيوخ، مساء الإثنين 25 يناير/كانون الثاني، يجعل احتمالات بدء المحاكمة فعلياً في مجلس الشيوخ أقرب من الموعد السابق الذي كان يدور الحديث بشأنه، وهو الانتظار حتى مرور المئة يوم الأولى من رئاسة جو بايدن، حتى لا تتعطل أجندته المتخمة بكثير من التشريعات والتصديقات على مرشحيه للإدارة، وهي عملية تتطلب عملاً مستمراً من جانب مجلس الشيوخ.

جلسة التصويت على إجراءات عزل ترامب للمرة الثانية/ رويترز

وبعد أن انتقل فريق الادعاء الذي يقوده النائب جيمي راسكين من مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ لتقديم لائحة الاتهام التي تضم مادةَ اتهامٍ واحدة بحق ترامب “التحريض على التمرد”، وقف راسكين وقرأ الاتهام أمام أعضاء مجلس الشيوخ: “الرئيس ترامب عرّض أمن الولايات المتحدة ومؤسساتها ودستورها لخطر داهم. وهدَّد تماسك النظام الديمقراطي وتدخل في الانتقال السلمي للسلطة، وعرّض فرعاً من أفرع الحكومة للخطر. وبذلك يكون (ترامب) قد خان الثقة فيه كرئيس، وتسبب في إصابات مؤكدة لشعب الولايات المتحدة”.

وبحسب تقرير لموقع Vox الأمريكي، من غير المتوقع أن يبدأ الحدث الرئيسي أي المحاكمة في مجلس الشيوخ قبل أسبوعين، إذ يفترض أن تبدأ مطلع الأسبوع الثاني من فبراير/شباط المقبل. لكن أحداثاً أخرى سوف تجري قبل ذلك، مثل تقديم ترامب (من جانب فريق الدفاع عنه) رداً كتابياً على التهمة الموجهة إليه. ولا تزال كثير من تفاصيل المحاكمة غير متفق عليها، أهمها مسألة الاستماع لشهود من عدمها، لكن المؤكد الآن هو أن المحاكمة ستنتهي سريعاً لأسباب متنوعة، أبرزها أن مجلس الشيوخ لديه أجندة مزدحمة، لكن السبب الأبرز هو أن إدانة ترامب أصبحت غير واردة على الأرجح.

الرئيس جو بايدن توقع تبرئة ترامب للمرة الثانية

وقد جاء التعبير عن استبعاد إدانة ترامب من جانب الرئيس جو بايدن نفسه، في تصريحات نقلتها عنه شبكة CNN، إذ قال الرئيس إن محاكمة ترامب “لا بد أن تتم” رغم اعترافه بأنها قد تؤثر على أجندته التشريعية، والتصديق على مرشحيه لشغل المناصب الرئيسية في إدارته، مضيفاً أن التراجع عن محاكمة الرئيس السابق “سيكون لها تأثير أسوأ بكثير”. وحول النتيجة المتوقعة للمحاكمة قال بايدن إن “النتيجة ربما كانت ستختلف لو أن ترامب لا يزال رئيساً”، مضيفاً أن (بايدن) لا يعتقد أن 17 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ سوف يصوتون لصالح إدانة ترامب.

ما موقف الجمهوريين من إدانة ترامب؟

على عكس ما جرى في محاكمة ترامب الأولى قبل عام من الآن، في فضيحة أوكرانيا، حينما ضغط قيادات الجمهوريين بشكل صارم حتى لا يسمحوا للديمقراطيين باستدعاء شهود في المحاكمة، الوضع هذه المرة مختلف، حيث يتبنّى زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، ومساعدوه، نهجاً أكثر مرونة، إذ قال ماكونيل إنه سيستمع إلى حجج كل طرف، قبل أن يقرر إذا ما كان سيوافق على استدعاء شهود، تاركاً المجال لكل عضو جمهوري أن يصوت “بما يمليه عليه ضميره”، بحسب تقرير لمجلة Politico.

وهو الموقف الذي أكد عليه السيناتور جون ثيون بقوله إن “الأمر مختلف تماماً هذه المرة، فهذه قضية لا تُمارس فيها ضغوط من جانب قادة الحزب على الأعضاء، وكل عضو سوف يصوت طبقاً لما يراه الأفضل لمصلحته في دائرته الانتخابية، وحسب ما يمليه عليه ضميره”.

ورغم أن هذه التصريحات يُفسرها البعض على أنها تعكس سعياً من جانب قادة الجمهوريين لوضع مسافة بينهم وبين ترامب، فإن المؤشرات الأقوى تؤكد أن الانتقادات العنيفة التي صدرت عن بعض المشرعين الجمهوريين في أعقاب أحداث اقتحام الكونغرس، يوم 6 يناير/كانون الثاني، قد تراجعت بصورة كبيرة مع مرور الوقت، وهو ما عكسته تصريحات الرئيس بايدن وكثير من المشرعين الديمقراطيين بشأن تراجع احتمالات إدانة ترامب.

ما الذي غيّر موقف الجمهوريين إذن؟

هناك أكثر من مؤشر على الأسباب الحقيقية وراء تراجع الجمهوريين وعودتهم مرة أخرى إلى التكتل خلف الرئيس السابق، لمنع إدانته في مجلس الشيوخ، ويمكن تلخيص تلك المؤشرات في نقاط محددة، أولها يتعلق بالتقارير التي تحدثت عن نية ترامب تأسيس حزب سياسي جديد أراد تسميته “الحزب الوطني”. فهذه النقطة، بحسب محللين، كانت أحد الدوافع الرئيسية وراء تشجع كثير من المشرعين الجمهوريين على التخلص من ترامب، من خلال إدانته وحرمانه من الترشح لأي منصب فيدرالي مرة أخرى.

وفي هذا السياق، أجرى مستشار الرئيس السابق للشؤون السياسية برايان جاك مكالمات هاتفية مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، مؤكداً لهم أن ترامب لا توجد لديه أي خطط لتأسيس حزب سياسي جديد، بحسب تقرير لمجلة Politico.

اقتحام الكونغرس أوصل أزمة الحزب الجمهوري لذروتها/رويترز

“الرئيس أرادني أن أعرف، إضافة إلى حفنة آخرين (من أعضاء مجلس الشيوخ)، أنه (ترامب) جمهوري، ولن يؤسس حزباً ثالثاً، وأن أي شيء سياسي سوف يقوم به في المستقبل سيكون تحت مظلة الحزب الجمهوري”، بحسب ما قاله السيناتور الجمهوري كيفين كريمر، مضيفاً “الحزب الجمهوري لا يزال داعماً للرئيس ترامب بأغلبية ساحقة”.

النقطة الثانية التي يعتقد مراقبون أنها سبب لمراجعة كثير من المشرعين الجمهوريين لموقفهم من إدانة الرئيس السابق، تتعلق بتهديداته لمنتقديه بأنه سيقف ضدهم في أي انتخابات تمهيدية يجريها الحزب لاختيار مرشحيه لمجلسي النواب والشيوخ، والدورة الأقرب ستكون العام المقبل، وبالتالي يخشى هؤلاء من أن يستفزه تصويتهم لصالح إدانته أكثر.

وعلى سبيل المثال، كان السيناتور بات تومي (جمهوري عن بنسلفانيا)، قد صرّح علناً من قبل أن ترامب ارتكب مخالفات تستدعي عزله وإدانته، إلا أنه رفض التعليق أمس الإثنين على المحاكمة، بعد تقديم لائحة الاتهام إلى مجلس الشيوخ، وذلك على الرغم من أن تومي سوف يستقيل العام المقبل، وبالتالي لا يخشى من “انتقام” ترامب.

وعبّر أمس الإثنين أبرز منتقدي ترامب من الجمهوريين، والوحيد الذي صوّت لصالح إدانة ترامب في محاكمة عزله الأولى، وهو السيناتور ميت رومني، عن اعتقاده أن ترامب “لا يزال يمتلك إمكانات التمتع بتأثير كبير على الحزب”، وهو ما يشير أكثر إلى السبب الرئيسي وراء تراجع غالبية المشرعين الجمهوريين عن احتمال التصويت لإدانة الرئيس السابق.

وربما يكون النموذج الأبرز على المشرعين الجمهوريين الذين راجعوا موقفهم من إدانة ترامب في الأيام الأخيرة هو زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفين مكارثي، الذي كان قد أغضب ترامب بشدة، بقوله علناً إن الرئيس السابق يتحمل بعض المسؤولية عن الاقتحام الدموي للكونغرس، إذ إن مكارثي أحد أبرز زعماء الحزب الحاليين، ويطمح إلى أن يتولى زعامة الحزب الجمهوري بالفعل في وقت قريب.

كيفين مكارثي زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب/ رويترز

فالآن يحاول مكارثي العودة إلى علاقته الجيدة بترامب مرة أخرى، إذ صرّح قبل أيام أن ترامب “لم يستفز أو يحرض” على العنف، مضيفاً أن الرئيس السابق “ما زال يتمتع بالقدرة على قيادة الحزب الجمهوري وتوحيده”، بحسب تقرير لمجلة Politico، الثلاثاء 26 يناير/كانون الثاني.

ومن الواضح أن محاولة مكارثي استرضاء ترامب قد بدأت تُؤتي أكلها بالفعل، إذ قال أحد مستشاري ترامب للمجلة إن الرجلين لا تزال علاقتهما جيدة، رغم ما شابها من “توتر مؤقت وطبيعي، في ظل أحداث اقتحام الكونغرس”، مضيفاً أن ترامب يُقدّر لمكارثي هجوم الأخير على النائبة ليز تشيني، التي صوَّتت ضد ترامب في مجلس النواب.

الخلاصة هنا هي أن ترامب على الأرجح ستتم تبرئته مرة أخرى في مجلس الشيوخ، حيث يحتاج الديمقراطيون لأصوات 17 سيناتوراً جمهورياً، إضافة لمقاعدهم الخمسين، حيث تتطلب الإدانة موافقة أغلبية الثلين في المجلس المنقسم 50-50 حالياً بين الحزبين، وفي ظل المؤشرات الحالية من المستبعد أن يقرر 17 عضواً من الجمهوريين التصويت لصالح إدانة ترامب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى