ليس كيم وحده الذي يهدد الآخرين بصواريخه.. تفاصيل سباق التسلح بآسيا ولماذا قد يتحول إلى حرب عالمية؟

قد تكون تجارب كوريا الشمالية الصاروخية هي التي تتصدر عناوين الأخبار، لكن واقع الأمر أنه فيما يتعلق بأنظمة الأسلحة الصاروخية وغيرها، فإن جيران كوريا الشمالية ليسوا أقل حماساً ولا إقبالاً منها على حشد هذه الأسلحة ونشرها، فهناك موجة هائلة من التسلح في آسيا والمحيط الهادي.

وزاد مجمل الإنفاق الدفاعي في آسيا بنسبة 50% خلال عقد من السنوات، وهي أعلى معدل نمو بين مناطق العالم، وذلك جراء ارتفاع مستويات الناتج الإجمالي القومي لدول المنطقة، وتزايد القلق من الصعود الصيني، وبلغ الإنفاق الدفاعي في آسيا والمحيط الهادئ في 2019 نحو 515 مليار دولار.

وتوقعت شركة Experia Events السنغافورية، التي تشرف على تنظيم IMDEX Asia 2019، أن الإنفاق على التسلح في آسيا والمحيط الهادئ سيكون الأكبر في العالم بحلول 2030.

تطور نوعي هائل.. صواريخ فائقة السرعة

تنظر الطواقم العسكرية الخاصة بحاملات الطائرات وكبار الضباط في قمرة القيادة إلى احتمالات الهجوم بصاروخ تفوق سرعتُه سرعةَ الصوت على أنه موت محقق قد يأتيك في أي لحظة من حيث لا تدري، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.

تحلق هذه الصواريخ بسرعة تزيد على خمسة أضعاف سرعة الصوت ويمكن تغيير مسارها أثناء الطيران، ما يجعل من الصعب تعقبها على الرادارات وأنظمة الدفاع الصاروخية، ومن ثم فهي يتعذر إيقافها أو اكتشافها مبكراً، بالإضافة إلى إمكانية تسليحها برؤوس حربية تقليدية أو نووية.

تمتلك الصين وروسيا بالفعل هذه الصواريخ والولايات المتحدة في طريقها للحاق بهم. أما الهند واليابان فتطاردهم، وكذلك كوريا الجنوبية وأستراليا. إنها إحدى أنظمة الأسلحة الجديدة الأكثر تقدماً وإثارة للرعب، والتي لا تنفك الدول تنشرها في جميع أنحاء آسيا بهدف الإبقاء على التوازن العسكري في المنطقة لصالحها، لكن كثير من الخبراء يعتقدون أن غاية ما تفعله هو دفع المنطقة إلى سباق تسلح جديد.

كوريا الجنوبية تنضم لنادي مطلقي الصواريخ من الغواصات

هذا الأسبوع، تصدرت كوريا الشمالية عناوين الأخبار باختبارها صاروخاً جديداً من نوع كروز يصل مداه إلى ما يقرب من 1600 كيلومتر، وقادر على استهداف أي مكان في جميع أنحاء كوريا الشمالية واليابان. لكن واقع الأمر أن صاروخ كيم جونغ أون الجديد يهون شأنه إلى حد كبير إذا ما قورن بترسانة الأسلحة الجديدة التي حشدها جيرانه الآسيويون مؤخراً.

قبل أيام قليلة من أحدث تجارب كيم الصاروخية، أصبحت عدوته كوريا الجنوبية الدولةَ الوحيدة غير النووية التي تحوز القدرة على إطلاق صواريخ باليستية من غواصة. وتتيح هذه القدرات للقادة العسكريين شنَّ هجمات صاروخية مفاجئة، بالإضافة إلى امتلاك القدرة على “توجيه الضربة الثانية”، أو قدرة الرد حتى بعد هجوم يستهدف الصواريخ الأرضية لتلك الدول ويدمرها.

واليابان تريد تطوير طائرة تسقط الصواريخ

في الأسبوع نفسه، قال فوميو كيشيدا، أحد أبرز المرشحين لتولي رئاسة وزراء اليابان، إن اليابان ينبغي أن تمتلك قدرات هجومية للردع، مثل طائرات مقاتلة أو صواريخ يمكنها تدمير صواريخ العدو على الأرض قبل إطلاقها.

شهدت السنوات القليلة الماضية إطلاق حاملات طائرات صينية ويابانية وغواصات أسترالية أو دخولها بالفعل في الخدمة ونشرها.

ولا يقتصر سباق التسلح في آسيا على الدول الغنية، فحتى الدول ذات الجيوش الصغيرة والدفاعية في بنيتها، مثل الفلبين، باتت عازمة على الحصول على مقاتلات هجومية جديدة وحديثة. ما الذي تقود إليه هذه التحولات؟ وإلى أي مدى قد تصل، بخلاف الحرب الباردة الجديدة التي يُتوقعها بعض الخبراء بالفعل في شرق آسيا؟

لماذا تتزايد النفقات الدفاعية في آسيا؟

في جذور هذه التحولات على مستوى التسلح في آسيا، يكمن تحول عالمي -سياسي واقتصادي وعسكري- تجري وقائعه من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ. إذا قورنت بأوروبا والولايات المتحدة، يتبين آن آسيا تضم العدد الأكبر من سكان العالم وأسواقها أسرع أسواق العالم نمواً. لكنها مع ذلك تفتقر إلى الاستقرار وتهيمن عليها التوترات، مع مجموعة شديدة التفاوت من الأنظمة السياسية، تتراوح بين المجتمعات المفتوحة في أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان، إلى الديمقراطيات الاستبدادية القريبة للغرب مثل سنغافورة، وديكتاتوريات الحزب الواحد الناجحة اقتصادياً مثل الصين وفيتنام، وليس نهاية بدول الاستبداد المحض المعزولة مثل كوريا الشمالية وميانمار.

التسلح في آسيا والمحيط الهادي
عرض عسكري كوري شمالي/رويترز

هذا المزيج من الثروات الاقتصادية والاضطرابات السياسية جعلَ جميع دول العالم ترى لنفسها مصلحة في الحفاظ على استقرار المنطقة والعمل على الحضور عسكرياً هناك، وقد شمل ذلك دولاً عديدة مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، التي أبحرت حاملة طائراتها الجديدة “الملكة إليزابيث” إلى هناك مع أول انتشار لها وحطت رحالها في اليابان مؤخراً.

بالإضافة إلى ذلك، تشكل التطورات السياسية هناك دور بارز في تحديد دوافع الإنفاق العسكري والتسلح في آسيا، ومسارات توجيهه.

ففي عام 2019، تخلت الولايات المتحدة عن معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، وتحررت من التزام سابق كان يقضي بالامتناع عن نشر صواريخ نووية متوسطة المدى في آسيا. كما سحبت الولايات المتحدة هذا العام شروط المعاهدة الخاصة بكوريا الجنوبية، والتي كانت تقيد حريتها في نشر صواريخ باليستية بعيدة المدى خاصة بها.

كوريا الشمالية مبرر لسباق التسلح، ولكنهم يخشون الصين

والحق أن امتلاك كوريا الشمالية لأسلحة نووية سببٌ وجيه وواضح لإثارة مخاوف جيرانها، وإثار سباق التسلح في آسيا، وبالفعل عندما يجادل السياسيون اليابانيون بأهمية الحصول على قدرات عسكرية استباقية، فإن كوريا الشمالية هي الحجة التي يقدمونها. لكن واقع الأمر أن الدافع الأبرز لتعزيز الإنفاق العسكري في المنطقة هو الصعود الصيني.

قررت الصين زيادة الإنفاق المخصص لقواتها المسلحة هذا العام ليبلغ 1.25 تريليون يوان (نحو 209 مليارات دولار أمريكي)، وهي وإن كانت زيادة محدودة بدرجة ما (بنسبة 6,8 %)، فإن إنفاقها العسكري لا تزال نسبته أكبر من 5% من إجمالي الإنفاق الحكومي. وقد نشر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، قواته العسكرية بطرق جديدة عدوانية، فقد بنى قواعد عسكرية على الجزر الصغيرة في بحر الصين الجنوبي، ولا تتوقف قواته البحرية عن الإبحار بالقرب من جزر سينكاكو المتنازع عليها، والتي تحكمها اليابان، كما أرسل أسطوله البحري عبر جزر اليابان البعيدة في المحيط الهادئ.

وفوق كل ذلك، هناك قضية تايوان، هذه الجزيرة المزدهرة التي تتمتع بالحكم الذاتي لكن الصين عازمة ألا يهدأ لها بال حتى تضمها إلى البر الرئيس الصيني في نهاية المطاف. وهذه قضية يسهل جداً استيعاب أن أي محاولة صينية مباشرة فيها قد تتسبب في حرب تقاتل فيها الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، وربما دول الناتو، غريمتها الصين في صراع يُتوقع أن تمتد آثاره بسرعة إلى جميع نقاط التوتر في المنطقة.

هل أصبحنا أمام نوع خطير من سباق التسلح في آسيا؟

مع ذلك، لا يتفق جميع الخبراء على أن الأمر قد بلغ مستوى سباق التسلح. ويشير هؤلاء إلى أنه، بصرف النظر عن الصين، فإن إنفاق الدول الآسيوية الغنية يتناسب إلى حد ما مع ناتجها المحلي الإجمالي.

فعلى سبيل المثال، طلبت وزارة الدفاع اليابانية 5.4 تريليون ين (25.6 مليار دولار أمريكي) للإنفاق العسكري في ميزانية العام المقبل، وهو مبلغ غير مسبوق لكنه في واقع الأمر لا يزال في حدود الزيادة القليلة عن نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي.

ويشير البعض أيضاً إلى واقع أن إنفاق الصين العسكري السنوي، مع زيادته الهائلة، فهو لا يزيد على كونه جزءاً بسيطاً من الإنفاق العسكري الأمريكي، لا سيما إذا قورن القوة الصينية بالقوة العسكرية الأمريكية التي لا تضاهى في شرق آسيا، بقواعدها الضخمة في كوريا الجنوبية واليابان، بالإضافة إلى الأسطول السابع دائم التمركز في المنطقة.

وتشير تقديرات “المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية” (IISS) البريطاني، إلى أن الإنفاق العسكري للولايات المتحدة بلغ هذا العام 783 مليار دولار، وهو يتجاوز إجمالي ما تنفقه جميع دول آسيا، ومعها الصين، مجتمعة.

هل تستطيع الصين التفوق على أمريكا وحلفائها؟

وفي هذا السياق، كتب تيم هكسلي، من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، أن “التطورات العسكرية في المنطقة لا تضاهي الحدة التي كانت عليها سباقات التسلح الكلاسيكية، مثل التنافس على التفوق البحري بين بريطانيا العظمى وألمانيا في بداية القرن العشرين، أو التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على التفوق النووي الإستراتيجي. وما تملكه [الصين] حتى الآن لا يجعل أملها كبيراً في حسم أي صراع مع الولايات المتحدة لصالحها، لا سيما مع استمرار الحضور العسكري الأمريكي بالقرب منها والتزام الولايات المتحدة المعلن بحفظ أمن المنطقة بأكملها”.

لكن حتى إذا كان هذا صحيحاً الآن، فمن الصعوبة بمكان أن يستقيم لدينا التصور بأن هذا الوضع سيبقى إلى أجل غير مسمى، خاصة مع استمرار الصعود الصيني الاقتصادي والعسكري، وكذلك الانحدار الأمريكي، حتى وإن كان انحداراً نسبياً وليس مطلقاً. والواقع أنه مع حالة الارتياب القائمة، والاستجلاب المتصاعد لقوات ومعدات عسكرية جديدة، فإن احتمالات سوء التقدير وانفلات الأمور من عقالها ستظل حاضرة دائماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى