مرافعة الرئيس عباس..بين استجداء الحل وفرضه
سليم يونس
خاطب الرئيس محمود عباس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة انعقادها الـ77 الجمعة 23 سبتمبر 2022، كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية الإطار الجامع للشعب الفلسطيني، والعنوان الشرعي للتمثيل الفلسطيني أمام العالم، وهو بهذه الصفة، تحدث كقائد للشعب الفلسطيني، بصرف النظر عن أن هناك قوى فلسطينية لا ترى ذلك ارتباطا بأجندتها السياسية الأيديولوجية، وهناك قوى لا تشكك في مشروعية الرئيس كقائد للشعب الفلسطيني ومتحدثا باسمه، ولكنها تختلف معه في مقاربته السياسية للصراع مع الكيان الصهيوني، وفي كيفية إدارة الصراع وضمن أي فكر سياسي يجري ذلك قي غياب الوحدة، فيما هناك قوى سياسية فلسطينية، التي هي صوت سياسي خفيف الحِمل شعبيا وسياسيا وكفاحيا، ويمكن استعارة تشبيه أنها أطراف مع الفارق تدور حول المركز، أي السلطة الفلسطينية وتتبني سياساتها ومواقفها لأسباب معروفه لأي متابع للشأن الفلسطيني، وبالطبع هناك فريق السلطة وله ثقله وحضوره، ولذلك من الطبيعي أن تكون مرافعة الرئيس عباس محل تباين في وجهات النظر، تبعا لرؤية كل طرف فلسطيني السياسية والفكرية، ومن ثم مقاربته لحل الصراع مع الكيان الصهيوني في ظل حالة الانقسام وغياب البرنامج السياسي في حده الأدنى الذي يمكن أن يلتف حوله الكل الفلسطيني بكل ألوان طيفه الفكري والسياسي.
ويعنيني هنا كمتابع محكوم بشرط فلسطينيتي، أن أحاول تفكيك مرافعة الرئيس عباس كما فهمتها، ليكون السؤال هل الجمعية العامة هيئة محلفين في محكمة حتى تحكم له بالحل الذي طالب به في نهاية مرافعته، “أريد حلا”.
إن طلب الرئيس للحل من الجمعية العامة فيما هي لا تملك أن تقرر، وإنما يقتصر دورها على أن توصي، وهي توصيات غير ملزمة وإنما لها قيمه معنوية فقط، وهناك عشرات التوصيات التي أصدرتها الجمعية حول القضية الفلسطينية ولكنها بقيت مجرد توصيات لا أكثر، وأعتقد أن أهمية الجمعية العامة هي في تعريف أعضائها بالمظلمة الحقوقية والقانونية والإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون منذ 74 عاما من أجل حشد رأي دولي فردي وجمعي لدعم القضية الفلسطينية وتفهم كفاح الشعب الفلسطيني من أحل التحرر، لكن الحل ينتزعه الشعب الفلسطيني عبر مواجهة الاحتلال لا استجداءه من أي جهة، حتى لو كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة التي لا تملك هذه المُكنة أصلاـ وإلا لفرضت قرارها الأشهر رقم 194 الصادر في 11/12/1948، المتعلق بحق العودة.
وإذا كانت مرافعة الرئيس قد أعادت التذكير بجرائم مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين من مجازر وتدمير قري وتهجير، وتأكيده أن هذا الكيان هو نظام فصل عنصري بامتياز، ضحيته الشعب الفلسطيني، ومع ذلك وإن كان هذا الاستعراض مهما، كي يعرف العالم ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، الذي هو فيما نقدر يعرف ولكنه يتجاهل لأن هناك من يقف وراء ذلك، ثم لماذا الاستغراب من ذلك، في حين أن بعض ما يسمى بالأشقاء العرب يتجاهلون؟ ذلك، وعِوض أن ينتصروا للشعب الفلسطيني، وثقوا علاقاتهم مع كيان الاحتلال، في حين أن اعترافهم بهذا الكيان هو وفق مفهوم المحالفة، نفي صارخ لحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه الذي سلبه الصهاينة.
وإنه والحال هذه لمن قصر النظر، تصور أن تقدم الأمم المتحدة العاجزة أصلا، التي تهيمن الولايات المتحدة الأمريكية المعادية للشعب الفلسطيني على قرارات أغلبية دولها، في حين أن الجهة صاحبة القرار هي مجلس الأمن، إلا أن الكيان الصهيوني محصن بالفيتو الأمريكي إزاء قراراته، الأمر الذي جعله فوق القانون، حتى أنه في ظل هذه الحماية لم ينفذ قرارا واحدا من قرارات مجلس الأمن، لأن واشنطن توفر له الحصانة، حتى إذا ما صدر قرار لظرف ما، بل إنها تعمل على توفير الحماية المسبقة بمنع صدور أي مشروع قرار ضد الكيان بتهديدها باستخدام حق الاعتراض، لتجهض بذلك مشروع القرار قبل صدوره.
ولا يمكن على ضوء ذلك لعاقل بالمعنى السياسي أن يعيد إنتاج السياسيات الفلسطينية بالحديث عن حل الدولتين، التي تجاوزتها الوقائع على الأرض والتمسك بوهم الحل على مدى عمر خطيئة أوسلو، فيما الرئيس يقول في مرافعته إن”إسرائيل” بأفعالها لم تبق شيئًا للفلسطينيين ليقيموا دولتهم”، وتصل المرافعة حدود الفنتازيا عندما يتساءل الرئيس: “أين سنقيم دولتنا المستقلة؟ وأين سيعيش شعبنا؟ وإذا كان الرئيس عباس يعترف أنه لم يبق من أرض تقام عليها الدولة المنشودة؟ فهل عنوان الحصول على الدولة هو استجداءها من الجمعية العامة؟، أم أن المقاربة الأصوب، هو أن يبدأ الحل في فلسطين، عبر فرض ذلك على الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي بإعادة الاعتبار للكفاح بكل أشكاله وأساليبه ضمن رؤية فلسطينية واحدة، لأن تصور أي مسؤول سياسي فلسطيني أن الكيان الغاصب سيمكنه من إقامة دولة بمقاييس الحد الأدنى وطنيا، في ظل ميزان القوى القائم إنما يعيش حالة انفصام عن الواقع في بعديه السياسي والفكري، لأن ممارسات الكيان الصهيوني السياسية والعملية تقول ذلك، وإنه ليصبح نوعا من التفريط المجاني وبحثا عن شهادة حسن سيرة وسلوك في غير محلها عندما يقول الرئيس: “لن نلجأ للسلاح والعنف.. هذه قاعدة لدينا.. لن نلجأ للإرهاب وسنحاربه معًا وسويًا.. لكن احمونا من الإرهاب والعنف أسوةً ببقية شعوب العالم خاصة وأن دولة الاحتلال تتصرف كدولة فوق القانون”.
هذا الخلط المتعمد في المفاهيم، بين الإرهاب والعنف مقاربة خطِرة وضارة وطنيا، كون مرافعة الرئيس وتعهده وبالطبع كـ”حركة فتح” بعدم اللجوء للسلاح وأنه ينبذ العنف فهو بذلك يتماهى مع توصيف الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر بعض فصائل المقاومة الفلسطينية التي تتبني كل أشكال الكفاح العنفية على تنوعها وحتى الناعمة إرهابا، في حين أنها حق مشروع، قانوني وإنساني ووطني.
وتبدو المفارقة محزنة وتكشف مدى العجز والضياع الذي تعيشه السلطة الفلسطينية عندما يقول الرئيس عباس في مرافعته: “لن نقبل أن نبقى الطرف الوحيد الذي يلتزم بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل عام 1993 (أوسلو)، وهذه اتفاقيات لم تعد باقية على أرض الواقع في ظل قيام إسرائيل بأعمال أحادية مناقضة للاتفاقيات، ونحن لن نفعل ذلك ولكن إلى متى سنبقى ملتزمين لوحدنا بها .. لذلك أصبح لزامًا علينا للبحث عن وسائل أخرى للحصول على حقوقنا وتحقيق السلام بما في ذلك تنفيذ القرارات التي اتخذتها مجالسنا وهيئاتنا الوطنية”.
ليكون السؤال ماذا ينتظر الرئيس محمود عباس؟ ومن ثم لماذا لم تنفذ قرارات الهيئات الوطنية والمجالس، في الوقت الذي يعرف القاصي والداني أن الكيان الصهيوني دفن أوسلو منذ وقت طويل؟، أليست السلطة والرئيس عباس هو من يتحمل مسؤولية استمرار التنسيق الأمني مثلا، مع أن هناك قرارات بوقف التنسيق؟، ثم ألا يمكن اعتبار استمرار التنسيق الأمني رغم تلك القرارات، مكافأة لعدوانية الكيان الصهيوني وقطعان مستوطنيه وجرائمه في مدن الضفة وغزة بصرف النظر عن نوايا من يقف وراء عدم وقف التنسيق الأمني.
ثم ألا يكشف قول الرئيس”لن نقبل أن نبقى الطرف الوحيد الذي يلتزم بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل عام 1993 (أوسلو)، وهذه اتفاقيات لم تعد باقية على أرض الواقع في ظل قيام إسرائيل بأعمال أحادية مناقضة للاتفاقيات، ونحن لن نفعل ذلك ولكن إلى متى سنبقى ملتزمين لوحدنا بها” إنما يكشف بؤس واقع إدارة الصراع في شقه السياسي من قبل قيادة السلطة.
إن دور القائد لمثل هذا الشعب الصامد الصابر ليس استجداء الحلول، وتوصيف الواقع مع أهمية ذلك، وإنما في اتخاذ قرارت ترتقي إلى مستوى تطلعات الشعب الذي يتقدم القيادة بمراحل،فهو الذي يبادر ويمارس الاشتباك مع الاحتلال، كونه يعرف بوعيه وحسه الوطني وتراكم تجربته أن هذا هو الطريق لكنس الاحتلال، وفي الحد الأدنى، توفير أوراق تفاوض لأولئك الذين لا يؤمنون بالكفاح المسلح الذي هو حق وواجب في مواجهة مثل هذا الوجود الكولنيالي للمشروع الصهيوني في فلسطين.
ليكون السؤال هل يترجم الرئيس عباس قوله “لذلك أصبح لزامًا علينا البحث عن وسائل أخرى للحصول على حقوقنا وتحقيق السلام بما في ذلك تنفيذ القرارات التي اتخذتها مجالسنا وهيئاتنا الوطنية”. إلى برنامج كفاحي جامع يشمل الكل الفلسطيني، ويوقف التنسيق الأمني ويسحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، وإعادة الاعتبار إلى منظمة التحرير لتكون اسما على مسمى وكما بدأت أول مرة.. الكرة الآن في مرمى قيادة السلطة الفلسطينية.